نشرت جريدة الاندبندنت البريطانية في عددها ليوم الاربعاء 12 تشرين الاول ملخص لكتاب (الاحتلال : الحرب والمقاومة في العراق*) للصحفي ومراسل الاندبندنت في العراق باتريك كوكبَرن. في شباط 2003 استطاع باتريك كوبرن التسلل سرا الى العراق من سوريا عبر نهر دجلة، قبل بدأ الغزو الامريكي/البريطاني للعراق بقليل. ومنذ ذلك التاريخ وهو يغطي مجريات الحرب. في هذا الكتاب الذي صدر هذا العام يوضح كوكبرن الانهيار الحصل للعراق بسبب الاحتلال . ومن خلال تجواله في مختلف المدن العراقية يسجل كوكبرن موقف مختلف الناس من سنة وشيعة، عرب وكرد من الاحتلال ويسجل نمو المقاومة وتحولها التدريجي الى انتفاضة متكاملة.
في استعراضه للكتاب، يلقي المؤلف الضوء على المدى الهائل التي وصلته العمليات الاجرامية في العراق والتي حولت مدينة بغداد مثلا الى واحدة من اخطر مدن العالم قاطبة. لقد اصبحت ظاهرة الخطف كابوس جميع الاباء. كما ادت عمليات الخطف والسرقة الى هبوط اسعار البيوت الى النصف في بعض مناطق بغداد واصبح يخافون من اعلان بيع بيوتهم خوفا من السرقة والخطف.
ان عمليات الخطف تتجاوز كثيرا العدد المعلن ( 5000 لحد آيار 2005). الكثير من هذه العمليات تبقى سرا لان الناس يفضلون التعامل معها بعيدا عن اجهزة الامن. وهذا راجع الى اقتناعهم بعدم قدرة هذه الاجهزة على فعل شئ يساعدهم بالاضافة الى شكوك عن وجود خيوط تربط عصابات الخطف بهذه الاجهزة. ففي لقاء جمع باتريك كوكبرن باحد رجال الاعمال اخبره الاخير بان الشرطة اتصلت به بعد ان توصل لعلمها امر خطف نسيبه، عارضة عليه المساعدة. لكنه رفض ذلك بحجة انه يستطيع التكفل بالامر. وبعد نصف ساعة من ذلك يتصل به احد الخاطفين طالبا فدية كبيرة مضيفا لطلبه مانصه ” لقد كنت عاقلا في عدم قبولك مساعدة الشرطة”.
لقد اصبحت عمليات القتل من الظواهر اليومية في العراق لمختلف الاسباب وعلى يد مختلف الجهات: قوات الاحتلال، الجيش والشرطة العراقية، عصابات الخطف والسرقة والقتل او ببساطة بسبب صراع بين الجيران. حتى في الايام التي توصف هادئة قد تصل للمشرحة في حدود 40 جثة. لقد اصبحت الضحايا ارقام تذكر كل يوم مما جعل العالم لايعيرها الاهتمام كاخبار مثيرة واصبحت حتى بالنسبة للعراقيين من واقع الحال.
يستعرض المؤلف ثلاث عمليات عنف حدثت في منطقة واحدة من بغداد (حي القضاة) وعلى فترات زمنية متقاربة. عملية القتل الاولى حصلت على يد قوات الاحتلال الامريكية والضحية هو الطبيب الجراح والمختص بجراحة الرأس الدكتور باسل عباس حسن. فبعد مغادرته البيت متوجها الى عيادته في الساعة 7:15 لتفادي الازدحام الصباحي، قاد سيارته من الطريق الجانبي ليدخل طريق المطار السريع بدون ان ينتبه لوجود سيارات عسكرية قادمة من خلفه. احد الجنود الامريكان، ظنا منه ان سيارة الدكتور هي لسيارة انتحاري، اطلق الرصاص على الدكتور مباشرة ليرديه قتيلا. لم يحضر في جنازة الدكتور سوى عدد قليل لان معظم اصدقائه قد غادر العراق.
في العراق يمكن ان يقتل الانسان بسبب تلفون جوال لابسبب ثمنه حيث ان سعر التلفون الجوال في العراق هو الاقل في العالم، ولكن وببساطة لان القتل اصبح سهلا في العراق. وعلى اية حال لايتوقع ان يتم القاء القبض على القاتل. بعد عدة ايام من اغتيال الدكتور باسل حسن، كان الشاب محمد احمد يستخدم تلفونه الجوال اثناء ماكان في طريقه ماشيا، اوقف من قبل سيارة وطلب منه رجلا شاهرا مسدسه ان يسلمه التلفون ” اعطني التلفون”. رفض محمد او تردد لبضع ثوان كانت طويلة بالنسبة للقاتل الذي قتله برصاصة في رقبته.
الحادثة الثالثة كانت نهايتها افضل رغم انه كان من الممكن ان تنتهي بشكل مأساوي. في حي القضاة ايضا لوحظ وجود سيارة غريبة واقفة قرب احد البيوت. وبعد الاستفسار اخبرهم احد الجيران بقصتها وهي متعلقة بقضية خطف حفيد هذا الرجل. فبعد عملية الخطف قرراقرباء العائلة الاجتماع في بيت الرجل لبحث مسالة جمع الفدية المطلوبة. وقررت العائلة بان لايتم ايقاف سيارات الاقارب قرب البيت وانما في مناطق بعيدة نسبيا لئلا تثير شهية الخاطفين الذين ربما يراقبون المكان.
غير ان المشكلة هي ان عصابة الخطف كانت قد توهمت في الشخص المفترض بهم ان يخطفوه. لقد خطفوا الشخص الخطأ. لقد خطفوا من العائلة التي هي افقر من في الشارع من العوائل. لقد انتقلت هذه العائلة حديثا لهذا البيت ليعتنوا بقريبهم كبير السن والذي هو على فراش المرض يعاني من مراحل متقدمة من السرطان. عندما اتصل الخاطفون مرة ثانية طالبين فدية 60000 دولار اخبره الجد بانهم فقراء وبعدم امكانيتهم دفع مثل هذا المبلغ. لم يصدق الخاطفون في البداية ولكنهم اتصلوا مرة ثانية ليخبروهم بالخطأ الذي اقترفوه: ” لقد خطفنا الشخص الخطأ” هكذا قالوا لهم. لقد كنا نريد ان نخطف ابن جاركم الغني، مع ذلك عليكم ان تدفعوا ثمن خطئنا (مليون دينار). لقد صُدم الجد بهذا الخبر فسارع ليخبر الجار الذي لم يتوانى من حزم عائلته وما خف حمله في عدة سيارات ليغادر. اما الخاطفين فقد برًو بوعدهم وأطلقوا الحفيد سالماً.
لقد كان هذا الولد محظوظا لان الكثير من امثالهم تعرضوا لصنوف من التعذيب قبل اطلاق سراحهم، وهنالك من قتل بعد استلام فديتهم.
واحده من المسائل التي شغلت بال مؤلف الكتاب هي كيف تعمل هذه العصابات وكيف تنفذ عملياتها. ولكن محاولة التعرف على الآلية التي تعمل به هذه العصابات هي في منتهى الخطورة خاصة وانه لم تتم لحد الآن تقديم اية حالة للمحاكم. وهنا يتحدث المؤلف عن الحادثة التالية التي تكشف عن واحدة من اهم اسباب انتشار الجريمة في العراق. فاثناء ماكان المؤلف في لندن اتصلت به عائلة طبيب نجى من محاولة اختطاف وذلك انه بعد محاولة الخطف دخل الخاطفين في مواجهة مع مفرزة شرطة صدفت في طريقهم مما ساعد الطبيب الافلات من الخطف وتم القبض على اثنين من افراد العصابة. الطبيب هو الدكتور ثامر محمد علي القيسي. لقد تم اختطافه قرب بيته من قبل عصابة من 11 شخص كانوا في ثلاث سيارات وذلك في الساعة السادسة والنصف من مساء 23 كانون اول 2004. وكما اخبر الشرطة فانه كان على بعد 50 متر من بيته عائدا من عيادته، عندما اوقف من قبل مسلحين في سيارة جيب (جيروكي) لينهالوا عليه بالضرب بواسطة مقابض الحديد ثم نقلوه الى السيارة مربوطا بسترته ووجهه على ارض السيارة. لقد كانوا يعملون بثقة زائدة وكان هذا واضحا من خلال انهم كانوا يتحركون بحرية. بغض النظر عن كيفية حدوثه، فأنهم وجدوا انفسهم في مواجهة مع نقطة سيطرة لقوات الشرطة مما ادى بهم لمواجهة مع هذه القوات. وخلال اطلاق الرصاص استطاع الدكتور من الزحف من خلف السيارة وبدأ بالصراخ طالبا النجدة و معلنا عن هويته. تعتبر هذ الحالة واحدة من النجاحات النادرة للشرطة. ومع فانها اكدت النظرة الساخرة التي ينظر بها الناس لهم وذلك من خلال الكشف عن ان احد الذين تم القاء القبض عليم هو ظابط برتبة ملازم في نفس جهاز الشرطة. اسم هذا الضابط هو محمد عبد الله الدوري، واما الشخص الثاني الذي القي القبض عليه مع الاول فهو عدنان عاشور علي الجبوري. اثناء التحقيق، اخبر عدنان عاشور قاضي التحقيق بان العصابة يقودها اثنان هما ايهاب الملقب ابو فهد، والذي يملك محل للتلفونات المحموله، واخيه هشام. لقد كان ايهاب محكوما لمدة 40 عاما تحت النظام السابق وتم اطلاق سراحه اثر العفو الشامل الذي صدام حسين في نهاية 2002. اما محمد نجم الذي كان يعمل في مدينة الصدر والذي كان يعيش في بيت خاص بالشرطة، فقد اخبر قاضي التحقيق بانه كان على صلة بهشام قبل سقوط صدام، الذي طلب منه بعد ذلك المشاركة في خطف شخصيات معروفة. وكانت مهمتي، يقول محمد نجم، هي توفير الحمايةللعصابة. لقد كان افراد العصابة مسلحين ولديهم بيوت مؤمنة لاخفاء الضحايا. لقد اعترف الاثنان بقيامهم بعمليات خطف كثيرة في الاشهر التي سبقت هذه العملية. استلموا من خلالها على فديات تصل احيانا 60000 دولار فدية عن الشخص الواحد. ومن السخرية ان الشخص الذي اخبرهم عن الدكتور القيسي هو نفسه الذي تم تشغيله ليحرس الشارع الذي يعيش فيه الدكتور.
لقد كانت الشرطة العراقية مبتهجة بالشئ الذي حققوه بسبب المعلومات التفصيلية التي حصلوا عليها عن آلية عمل عصابات الخطف. لقد تعهد الموقوفين بتزويد الشرطة باسماء وعناويين افراد العصابة الاخرين. وقد شارك الشرطة فرحة الانتصار، التلفزيون العراقي والصحافة المحلية. ولكن وامام الشرطة المذعورة وصلت بشكل مفاجئ مفرزة للشرطة العسكرية الامريكية الى مركز شرطة الخنساء حيث تم ايقاف كل من محمد نجم وعدنان عاشور اعضاء عصابة الخطف. لقد ثبت ضابط الشرطة الخنساء في المحضر بان الامريكان طالبوا باستلام الشخصين وتم تسليمهم الى ضابط الشرطة الامريكي ليتم نقلهم الى معسكر ” كيرفو” الذي تديره القوات الامريكية، ليتم اطلاق سراحهم لاحقا. بعد عدة اشهر من هذه الحادثة صرح ناطق عسكري امريكي بعدم وجود اي معلومات خاصة بهذين الشخصين لدى قاعدة البيانات للجيش الامريكي. وقد اكد احد مسؤولي الحكومة العراقية لمؤلف الكتاب اطلاق سراحهم ليقوموا بالتجسس على “المتمردين”. ان الامريكان يضيف ضابط عراقي رفيع، يساعدون على انهيار المجتمع العراقي لانهم مهتمين فقط بمحاربة “التمرد”.
في هذه الاثناء قام عدد من اقرباء الموقفين السابقين بزيارة الدكتور القيسي مرتين. في المرة الاولى قام بالزيارة والد محمد نجم، الذي عرض مبلغ من المال لقاء اسقاط تهمة الخطف. واثناء هذه الزيارة اخبر الدكتور وبشكل تهديدي بانه كان ضابط سابق في الجيش الجمهوري ، ثم اضاف بانك تعرف ماذا نحن قادرين على فعله. واثناء الزيارة الثانية علم الدكتور من زائريه باطلاق سراح خاطفيه. وقد رفض اسقاط الدعوة رغم التهديد بالقتل لعائلته. ولكن في كانون ثاني 2005 هرب الى الاردن ومن ثم الى مصر.