صاروخ أوريشنيك ينشر الضباب في أوكرانيا والغرب!
ريبيكا كوفلر *
“ضباب الحرب” هو الرسالة الاستراتيجية التي سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إرسالها الأسبوع الماضي إلى الرئيس بايدن والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والبنتاغون والقادة العسكريين والسياسيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
هذه الاستعارة الأيقونية، التي صاغها الاستراتيجي العسكري البروسي الشهير كارل فون كلاوزفيتز في عمله الرائد “حول الحرب”، تشير إلى عدم اليقين المتأصل الذي يواجهه القادة العسكريون عند اتخاذ قرارات الحياة والموت في زمن الحرب. وذلك لأن القائد لا يملك في الواقع صورة واضحة وكاملة لما يحدث في ساحة المعركة. وأوضح كلاوزفيتز أن “ثلاثة أرباع العوامل التي يستند إليها العمل في الحرب ملفوفة في ضباب من عدم اليقين بدرجة أكبر أو أقل”، وقارن مثل هذه الظروف بعدم الوضوح أثناء الشفق.
هذا هو بالضبط نوع الارتباك الذي سعى بوتين إلى خلقه والذي حققه على الأرجح عندما أطلقت روسيا صاروخا باليستيا تجريبيا تفوق سرعته سرعة الصوت، وضرب مصنعا لإنتاج الأسلحة في مدينة دنيبرو الأوكرانية. وجاء ذلك ردا على الضربات الأوكرانية على منشأة عسكرية روسية في بريانسك بصواريخ بعيدة المدى أمريكية الصنع تسمى ATACMS، بعد أن أعطى الرئيس بايدن لزيلينسكي الإذن للقيام بذلك.
إن توجيه روسيا ضربة إلى أوكرانيا بسلاح لم يستخدم من قبل في حرب تسبب في حدوث ارتباك مؤقت في واشنطن وكييف بشأن طبيعة الصاروخ.
وقد ذكرت وسائل الإعلام، استنادا إلى تصريحات رسمية من كييف، أن الصاروخ المعني كان صاروخا باليستيا عابرا للقارات أو ICBM. والصواريخ الباليستية العابرة للقارات مصممة لشن حرب نووية. ولم تهدأ المخاوف من تصعيد كبير للحرب التي تجاوزت الألف يوم إلا بعد أن أكدت نائبة السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع، سابرينا سينغ، أن الصاروخ كان “صاروخا باليستيا متوسط المدى”، أو IRBM. كما كشفت سينغ أن “الولايات المتحدة أُخطرت مسبقا، لفترة وجيزة، قبل الإطلاق، من خلال قنوات الحد من المخاطر النووية”.
إن اختيار بوتن لهذا السلاح ليس مصادفة. فصاروخ “أوريشنيك” هو صاروخ باليستي عابر للقارات متنكر في هيئة صاروخ باليستي متوسط المدى. إن وصفه بأنه الأول أو الثاني هو مجرد دلالات. إنه يتحرك ويتحدث ويشم ويشعر وكأنه صاروخ باليستي عابر للقارات. ويمكنه القيام ببعض وظائف الصاروخ الباليستي العابر للقارات.
واستنادا إلى تصميم الصاروخ الباليستي العابر للقارات “آر إس-26 روبيز”، فإن “أوريشنيك” مزود بتكنولوجيا الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وكان الصاروخ الذي أطلق على أوكرانيا يوم الخميس يحمل ستة رؤوس حربية من هذا القبيل.
إن أجهزة هذا الصاروخ من (أجهزة الاستشعار والإلكترونيات وقدرات جمع البيانات المثبتة على الصاروخ) هي تلك الموجودة في “روبيز”. وبفضل قدرته على الطيران لمسافة تتراوح بين 500 كم و5 آلاف كم ــ أي أقل بنحو 500 كم فقط من الحد الأدنى القياسي للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، يستطيع صاروخ أوريشنيك استهداف أغلب أوروبا والساحل الغربي للولايات المتحدة. وبعد الإطلاق، ربما يستطيع مثل هذا الصاروخ أن يضرب بريطانيا في غضون 20 دقيقة وبولندا في غضون 12 دقيقة.
ويمكن تجهيز صاروخ أوريشنيك برأس حربي نووي أو غير نووي. ومن المستحيل تقريبا اعتراضه بواسطة أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية لأنه مصمم للطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت بمقدار 11 ماخ.
كما أن الصواريخ من نوع أوريشنيك يصعب للغاية توصيفها بشكل صحيح والتمييز بين ما إذا كانت تحمل حمولة تقليدية أو نووية. وتبحث أنظمة الإنذار المبكر لدينا، التي تديرها قوة الفضاء الأمريكية، عن توقيعات تشبه بصمات الأصابع البشرية الفريدة لصاروخ معين (الشكل والحجم والسرعة والحرارة / درجة الحرارة والانبعاث والعمود وما إلى ذلك). ثم يقوم فريق من العلماء في وكالة استخبارات الدفاع بإجراء تحليل استخباراتي للقياس والتوقيع، وتقييم نوع الصاروخ الذي تم إطلاقه. ونظرا لأن أجهزة أوريشنيك هي صاروخ باليستي عابر للقارات، فإن الوسائل التقنية يمكن أن تفسرها على أنها صاروخ باليستي عابر للقارات.
هذا هو بالضبط السبب الذي جعل موسكو تنبه واشنطن إلى ما كان على وشك الحدوث قبل الإطلاق. وليس من مصلحة بوتين استفزاز رد فعل الرئيس بايدن على ما يمكن أن يكون ضربة نووية. ولم تتلق كييف مثل هذا الإخطار لأن أوكرانيا لا تمتلك أسلحة نووية للرد.
لقد أشار الرئيس بوتين إلى أن الأسلحة اليوم تقليدية، وغدا قد تكون نووية. ففي زمن السلم، تلتزم الأطراف المتحاربة ببروتوكولات إخطار ضبط الأسلحة؛ أما في زمن الحرب، فلا يُتوقع صدور مثل هذا التحذير. ويتم استخدام الإرباك المؤقت كنوع من التكتيك للحصول على ما يسمى “المبادرة الاستراتيجية”، في اللغة العقائدية الروسية.
لقد قال بوتين ذات مرة: “قبل خمسين عاما، علمتني شوارع لينينغراد شيئا واحدا: إذا كان القتال لا مفر منه، فيجب عليك الضرب أولا”. وقد أجرت هيئة الأركان العامة الروسية قبل بضع سنوات تقييما استخباراتيا طويل الأمد مفاده أن الحرب الحركية بين روسيا والولايات المتحدة أمر لا مفر منه، نظرا للمواجهة التي استمرت عقودا بين موسكو وواشنطن بشأن السيطرة الجيوسياسية على الدول السوفيتية السابقة.
وقال بوتين في خطابه المتلفز بعد إطلاق أوريشنيك: “أعتقد أنه واضح ومفهوم بدرجة كافية”. وأكد: “كانت الاختبارات ناجحة، وتم تحقيق هدف الإطلاق”، موجها رسالته على الأرجح إلى الرئيس بايدن؛ وهي أن المقاتل الذي يوجه اللكمة الأولى يكون في وضع أفضل للفوز بالقتال.
وأوضح الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، معنى تحذير بوتين، قائلا: “يتعين على الغرب أن يأخذ على محمل الجد اختبارات نظام الصواريخ الروسي الجديد، وأن يقيم العواقب المحتملة ويتوقف عن دعم كييف”.
وأضاف: “يتعين على أوروبا الآن أن تخمن حجم الضرر الذي يمكن أن يسببه النظام إذا كانت الرؤوس الحربية نووية، وما إذا كان من الممكن إسقاط هذه الصواريخ، ومدى سرعة وصول الصواريخ إلى عواصم العالم القديم. والجواب: الضرر غير مقبول، ومن المستحيل إسقاطها بوسائل حديثة، ونحن نتحدث عن دقائق. ولن تساعد الملاجئ، لذا فإن الأمل الوحيد هو أن تحذر روسيا الطيبة من عمليات الإطلاق مقدما. لذلك، من الأفضل التوقف عن دعم الحرب”.
لا شك أن البيت الأبيض وحلفاء الناتو قد تلقوا الرسالة، حيث دعوا إلى عقد اجتماع طارئ اليوم (الثلاثاء) في بروكسل. وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يوم الجمعة إن الأمر كله يتعلق بالخطر الذي وضع فيه بوتين والرئيس بايدن أمريكا وأوروبا وأوكرانيا وروسيا وبقية العالم. وأشار إلى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا “تدخل مرحلة حاسمة” و”تتخذ أبعادا دراماتيكية للغاية”.
– صحيفة: فوكس نيوز
رابط المقال:
https://www.foxnews.com/opinion/putins-fog-of-war-missile-confuses-experts-but-thats-his-plan
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-30