مع اقتراب الانتخابات الفنزويلية.. كيف كثّفت البروباغندا الغربية أكاذيبها؟
الكاتب: ريكاردو فاز:ترجمةبتول دياب
تغطية الإعلام الغربي بشأن الانتخابات في فنزويلا يسودها الجنون والأكاذيب والتحريف، تارةً تدفع بالأمل المضلل في فوز المرشحين الموالين ليساسة الولايات المتحدة، وتارةً تحاول نزع شرعية انتصار نيكولاس مادورو المتوقّع.
فنزويلا
موقع مجموعة “Fair” التي تُعنى بمراقبة وسائل الإعلام، تنشر تقريراً للكاتب ريكاردو فاز، يتحدّث فيه، مستنداً إلى مقالات من صحف ومواقع غربية، وتحديداً صحيفة “نيويورك تايمز”، عن البروبغندا التي تكثّفها هذه الوسائل بشأن الانتخابات الفنزويلية مع اقترابها.
سيتوجّه الفنزويليون إلى صناديق الاقتراع في 28 تموز/يوليو لاختيار رئيسهم ابتداءً من عام 2025 وحتى 2030. ويواجه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو المرشّح لتولي فترة رئاسة جديدة هي الثالثة، تسعة منافسين.
على مدار 25 عاماً من الانقلابات والعقوبات الاقتصادية التي رعتها الولايات المتحدة، أثبتت وسائل الإعلام الغربية دائماً أنّها مصدر موثوق للدعاية لتغيير النظام لدعم سياسات واشنطن. وتتحوّل تغطية الإعلام الغربي بشأن الانتخابات إلى حالة من الجنون، سواء كان ذلك مدفوعاً بالأمل المضلل في فوز المرشحين الموالين ليساسة الولايات المتحدة، أو بالرغبة في نزع الشرعية عن انتصار مادورو المتوقّع.
قبل شهرين، تنشغل وسائل الإعلام الغربية بصياغة الروايات بشأن الانتخابات الفنزويلية، وتتصدّر صحيفة “نيويورك تايمز” هذه المهمة. ولم تكن الصحيفة مشغولة بما فيه الكفاية بتغطيتها التي تؤيد الإبادة الجماعية في غزة، وكانت حريصة على دعم مصلحة رئيسية أخرى في السياسة الخارجية الأميركية. وفي موجة من المقالات الأخيرة، كشفت الصحيفة الأميركية عن الكثير من التحيّز والتشويه والأكاذيب الفاضحة.
تقارير مزوّرة
في أقلّ من أسبوع واحد، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” 3 مقالات حول الانتخابات الفنزويلية المقبلة، أشارت جميعها إلى مادورو على أنّه “استبدادي” في العنوان الرئيسي:
افتتحت الكاتبة جولي توركويتز في صحيفة “نيويورك تايمز” المقال الثالث بالادعاء بأنّ الفنزويليين يصوّتون “للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان.. في انتخابات رئاسية مع مرشح معارضة يقاتل للفوز، وإن كانت فرصة فوزه ضئيلة وغير محتملة”.
يعزّز هذا التأطير المجاز الشائع المتمثّل في أنّ انتصار مادورو في أيار/مايو 2018 كان “زائفاً ومزوّراً”، والانتخابات “ليست حرّة ولا عادلة” بحسب “نيويورك تايمز”، و”بي بي سي” البريطانية، أو “تُعدّ احتيالية على نطاق واسع” بحسب وكالة “فرانس برس” الفرنسية.
لم تكلّف معظم وسائل الإعلام نفسها عناء دعم هذه المزاعم، لكن جولي توركويتز جادلت بأنّ ذلك يرجع إلى منع “الشخصيات الأكثر شعبية” في المعارضة من الترشّح. ما لم تذكره هو أنّ أبرز هذه الشخصيات، السياسي اليميني المتطرف ليوبولدو لوبيز، قد أدين بمحاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة، والمرشح الآخر الذي كانت “نيويورك تايمز” تشير إليه على الأرجح، هو هنريكي كابريليس، الذي خسر الانتخابات في عامي 2012 و2013، وتمّ حظره بسبب سوء الممارسة الإدارية أثناء تولّيه منصباً عاماً.
وكانت المعارضة المتشدّدة، بالتنسيق مع واشنطن، ملتزمة بمقاطعة الانتخابات وجهود التمرّد. وبحسب ما ورد، ذهبت إدارة ترامب إلى حدّ التهديد بفرض عقوبات على المرشح الأوفر حظاً للمعارضة هنري فالكون إذا لم يقاطع الانتخابات. وكان خوان غوايدو، الذي تم تعيينه بعد بضعة أشهر لقيادة “الحكومة المؤقتة” التي نصبت نفسها بنفسها والمدعومة من الولايات المتحدة، يتمتع بالحرية الكاملة للترشّح للرئاسة في عام 2018.
النصر المؤكّد
وبعد مرور ست سنوات، تبدو صحيفة “نيويورك تايمز” وغيرها من المنافذ الإعلامية مثل وكالة “بلومبرغ”، متحمّسة للدعم المعارضة بسبب التوقّعات الانتخابية، وأخبروا القرّاء أنّ المرشّح إدموندو غونزاليس يتقدّم في استطلاعات الرأي، لكن الحكومة الفنزويلية لن تقبل النتائج.
لكن الواقع يشير إلى أنّه في السنوات الخمس والعشرين الماضية، التشافيزيون كانوا يسلّمون دائماً في المنافسات التي خسروها، في حين أنّ المعارضة وداعميها الإعلاميين، عندما يهزمون في صناديق الاقتراع، يتهمون الطرف الآخر بالتزوير من دون أي دليل.
ويبني النقّاد تفاؤلهم الحالي بشأن مرشحهم على صناعة استطلاعات رأي متحيّزة وغير موثوقة تاريخياً، ويتجاهلون استطلاعات الرأي التي تتوقّع فوزاً صارخاً لمادورو.
كما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” في 11 أيار/مايو، إلى الإقبال “الهائل” في الانتخابات التمهيدية للمعارضة في تشرين الأول/أكتوبر، مما يشير إلى أن هذا نذير بتصويت كبير ضد مادورو في الانتخابات العامة. لكن في الحقيقة، الأرقام الأولية كانت محاطة بالشكوك، نظراً لأن اللجنة المنظّمة لم تعلن قط عن نتائج مفصّلة؛ كما أنّ نسبة المشاركة التي أعلنتها المعارضة بلغت 2.3 مليون شخص، في بلد يبلغ عدد سكانه البالغين 20 مليون نسمة، وبالمقارنة، يضم الحزب الاشتراكي الحاكم 4 ملايين عضو مسجّل.
ماذا في المرمى؟
وإلى جانب التهليل المبكر لانتصار المعارضة، كانت الصحيفة تعدّد الحجج لرفض النتائج في حالة فوز مادورو بشكل مسبق، أبرزها قضية ماريا كورينا ماتشادو، المفضّلة لدى الولايات المتحدة، والتي يقال إنّها “ممنوعة من قبل الحكومة” – أو من قبل مادورو نفسه – من الترشّح، وهو وصف غير دقيق في العديد من وسائل الإعلام الغربية.
كانت ماتشادو، المتعصّبة اليمينية المتطرفة ووريثة النخبة الفنزويلية، منذ فترة طويلة المفضّلة لدى وسائل الإعلام. لقد تم تصويرها دائماً على أنّها بطلة للديمقراطية على الرغم من مشاركتها في محاولات الانقلاب، وتسجيلها على أنّها تؤيد الغزو الأجنبي وتتلقّى تمويلاً مباشراً من الولايات المتحدة.
إنّ استبعاد ماتشادو هو الدليل الدامغ الذي يُستخدم لتبرير إعادة فرض واشنطن للعقوبات النفطية، ولإثبات أنّ مادورو لم ينفّذ التزاماته المفترضة بإجراء “انتخابات حرّة ونزيهة” المتفق عليها مع المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة في بربادوس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهذا غير صحيح لسببين:
أولاً، تكذب العديد من المصادر الغربية بشكل صارخ عندما تذكر أنّ اتفاق بربادوس سمح لماتشادو بالترشح للرئاسة، ما تنص عليه الوثيقة صراحة هو أنه يمكن لأي شخص أن يكون مرشحاً، بشرط أن يستوفي المتطلبات التي حدّدها القانون والدستور الفنزويلي للترشّح لمنصب الرئاسة. وفي حالة ماتشادو، كانت تخضع بالفعل لحظر سياسي، ولم يكن هناك ما يشير في الاتفاقية إلى أنّه سيتم رفعه.
ثانياً، اتفقت الحكومة الفنزويلية ووفود المعارضة في اتفاق بربادوس على إجراء خاص بالمرشحين غير المؤهلين للاستئناف أمام المحكمة العليا الفنزويلية. ماتشادو قدّمت استئنافها تحت ضغط من الولايات المتحدة كما يبدو، لكن المحكمة العليا رفضته بسبب أعمال الفساد وتعريض الأصول الفنزويلية في الخارج للخطر.
الصحافة الرديئة
بصرف النظر عن تحريف قضية ماتشادو التي تعدّ من أكثر الشخصيات المناهضة للديمقراطية في فنزويلا، حشدت صحيفة “نيويورك تايمز” حججاً أخرى لرفض فوز مادورو المحتمل مسبّقاً من الخلال القول إنّ “مادورو، البالغ من العمر 61 عاماً، يسيطر على السلطة التشريعية والجيش والشرطة والنظام القضائي وله صلاحية تعيين قضاة المحكمة العليا والمجلس الانتخابي، ومجلس الانتخابات الوطني وميزانية البلاد والكثير من وسائل الإعلام، ناهيك عن العصابات شبه العسكرية العنيفة”.
والأسوأ من ذلك هو استياء الكاتبة جولي توركويتز من ممارسة مادورو للمسؤوليات الدستورية المنوطة بالرئيس، إذ يريدون أنّ يتقاسم الزعيم الفنزويلي المنتخب السيطرة على الميزانية مع البدائل التي تختارها الولايات المتحدة.
التحريف المعاد استخدامه
لكن قمة الصحافة الرديئة في مقال صحيفة “نيويورك تايمز” في 11 أيار/مايو كانت الفقرة الآتية: “لم يشر السيد مادورو إلا بالكاد إلى استعداده لترك منصبه، ووعد حشداً كبيراً من أتباعه في شباط/فبراير الماضي بأنّه سيفوز في الانتخابات بطريقة أو بأخرى”.
من غير الواضح لماذا يتوقّع كاتب صحيفة “نيويورك تايمز” أن يشير أحد الأشخاص الذين يقودون حملة لإعادة انتخابه إلى أنّه مستعد لترك منصبه. ومع ذلك، فإنّ الجملة الثانية هي تلفيق مطلق. في هذا التجمّع، يتحدث مادورو بوضوح عن هزيمة جهود الانقلاب التي تقودها الولايات المتحدة والمعارضة (por las buenas o por las malas) – المصطلح الإسباني الذي ترجمته “نيويورك تايمز” على أنّه “بطريقة أو بأخرى”.
في مقطع الفيديو المرتبط، الذي قام أحد الصحافيين الفنزويليين بتحميله على وجه التحديد لتوضيح سياق تلك الكلمات، يسرد مادورو مؤامرات مناهضة للديمقراطية تعود إلى عام 2002، ويتعهّد بأنّ الوحدة “المدنية العسكرية” في البلاد ستهزم أي محاولة انقلاب محتملة بأي وسيلة ضرورية، (buenas o por las malas) ولا توجد أي إشارة إلى الانتخابات المقبلة على الإطلاق في تصريحه هذا.
وكانت وكالة أسوشيتد برس (24/9/2) قد أساءت قبل أشهر استخدام كلام الرئيس الفنزويلي بالطريقة نفسها. وبعد انتقادات واسعة النطاق، أرفقت الخدمة الإخبارية ملاحظة بالتقرير الصادر باللغة الإسبانية: “استخدمت وكالة أسوشيتد برس بشكل غير لائق اقتباساً من الرئيس نيكولاس مادورو كما لو أنه قاله فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة”. لكن ذلك لم يمنع التايمز من ارتكاب التحريف نفسه بعد ثلاثة أشهر.
تكثيف الأكاذيب
إنّ الولايات المتحدة لا تدعم مرشحي المعارضة في فنزويلا فحسب؛ كما أنها تستخدم العقوبات الاقتصادية لتقويض رئاسة مادورو. وفي أعقاب اتفاق بربادوس في تشرين الأول/أكتوبر، وافقت الولايات المتحدة على السماح بالمعاملات مع قطاع النفط الفنزويلي لمدة ستة أشهر. ولكن المسؤولين الأميركيين زعموا أنّ حكومة مادورو لم تفِ بالتزاماتها وأعادت فرض عقوباتها على صناعة النفط الفنزويلية في الثامن عشر من نيسان/أبريل. وبالتوازي مع ذلك، أعادت وسائل الإعلام الغربية، تأييد التدابير القسرية القاتلة.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” والكاتبة جولي توركويتز في المقال نفسه، بعض الاستعارات الرئيسية التي تقلل من شأن تلك العقوبات، وكتبت أنّ “مادورو يلقي باللوم على العقوبات” في المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
ومضت الصحيفة بالقول إنّ “الحكومة اختنقت” بسبب العقوبات الأميركية. والمعنى الضمني هنا هو أنّ زعماء فنزويلا وحدهم هم الذين يتأثرون بالعقوبات. ولكن كما أظهر مركز البحوث الاقتصادية والسياسية، فتعدّ العقوبات “عقاباً جماعياً” يتسبّب في عشرات الآلاف من الوفيات سنوياً.
أحد الأكاذيب المنسّقة التي نشرتها “نيويورك تايمز” وغيرها مثل “رويترز” و”بي بي سي”، هو أنّ العقوبات الأميركية ضد فنزويلا لم تُفرض قبل عام 2019. في الواقع، فرضت إدارة ترامب عقوبات مالية على صناعة النفط في منتصف عام 2017، مما أدّى إلى انخفاض الإنتاج. والهدف من هذا التعتيم الإعلامي وهو إعفاء واشنطن من المسؤولية عن المشكلات الاقتصادية التي تواجهها فنزويلا، وخاصة انخفاض إنتاج النفط.
لقد ذكر مقال الكاتبة جولي توركويتز أنّ فوز مادورو في 28 تموز/يوليو سوف “يؤدي إلى تفاقم الفقر” في فنزويلا. يبدو أنّ الكاتبة تعتبر ضمناً أنّ العدوان الاقتصادي الأميركي سيستمر من دون أن تشرح ذلك للقرّاء، أو أنّها مقتنعة بأنّ أعداء واشنطن مقدّر لهم تدمير اقتصاداتهم.
في الواقع، تستعد فنزويلا للسنة الرابعة على التوالي من النمو الاقتصادي، على الرغم من تأثير العقوبات الأميركية الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات. الشيء الوحيد الذي يبدو أنه يتكثّف دائماً هو الدعاية الإمبريالية التي تقوم بها صحيفة “نيويورك تايمز”.
الميادين
2024-06-18