أعلنت كل من الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا والمملكة المتحدة عن إقامة تحالف بينهم هو تحالف أوكوس AUKUS نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الثلاث وذلك في 15 أيلول/ سبتمبر 2021. ويهدف هذا التحالف إلى تعزيز التعاون العسكري والدفاعي في المحيطين الهندي والهادئ للتصدي للنفوذ الصيني في المنطقة. وبموجب الاتفاق الأمني ستتلقى أستراليا تكنولوجيا لانتاج غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إضافة الى تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحريّة تحت الماء.
أثار هذا الاتفاق غضب كل من فرنسا والصين. فبالنسبة إلى فرنسا تسبب هذا الاتفاق في تراجع كانبيرا عن صفقة موقعة مع باريس لشراء أستراليا غواصات بقيمة60 مليار دولار أميركي في العام 2016 . ومن جهة أخرى جاء هذا الاتفاق دون علم فرنسا به. فبحسب صحيفة نيويورك تايمز بذلت الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا جهوداً كبيرة للحفاظ على سرية مفاوضاتهما حول صفقة الغواصات النووية والحؤول دون علم باريس بها. وقالت الصحيفة إن المفاوضات حول الصفقة الجديدة بين الأميركيين والأستراليين بدأت بعد وقت وجيز من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن، وأن الأستراليين أعربوا عن خشيتهم من أن الغواصات الفرنسية التي تعمل بالطاقة التقليدية قد يكون طرازها قديماً بحلول موعد تسليمها، وأعربوا عن رغبتهم في الحصول على أسطول من الغواصات الأقل ضجيجاً والتي تعمل بالطاقة النووية والمصممة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بغرض استخدامها لتسيير دوريات في مناطق بحر جنوب الصين بحيث تكون مخاطر اكتشافها أقل. وأدى غضب فرنسا إلى استدعاء سفيريها في كل من كانبيرا وواشنطن، كما ألغت حفل استقبال كان مقرراً في واشنطن بمناسبة ذكرى انتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في 5 سبتمبر/ أيلول 1781 ، وألغت أيضاً اجتماعاً كان مقرراً بين وزيرة دفاعها ونظيرها البريطاني.
وفي تعليقه على الاتفاق قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لوددريان إن بايدن اتخذ قراراً مفاجئاً على طريقة ترامب، ووصف فسخ أستراليا عقد شراء غواصات مع فرنسا بأنها “طعنة في الظهر”. وأضاف لوددريان أقمنا علاقة مبنية على الثقة مع أستراليا، وهذه الثقة تعرضت للخيانة.
وفي محاولة لإرضاء فرنسا والتخفيف من حدة غضبها أكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن أن فرنسا شريك مهم للولايات المتحدة الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية Ned Price أن البيت الأبيض يأمل في مواصلة المنافشة مع المسؤولين الفرنسيين بشأن هذه المسألة في الأيام المقبلة.
لكن رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون حاول الدفاع عن موقف بلاده وقال إنه أبلغ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في حزيران/يونيو الماضي أن هناك قضايا واقعية للغاية حول ما إذا كانت قدرة الغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل والكهرباء ستلبي الاحتياجات الأمنية الاستراتيجية لأستراليا في المحيطين الهادي والهندي. وقال موريسون أن المضي قدماً بالصفقة كان ليكون” إهمالاً” ويتعارض مع مصالح أستراليا الاستراتيجية. وبالتالي فإن تلميحات رئيس وزراء أستراليا حول صفقة الغواصات جاءت بعد التشاور مع الولايات المتحدة حول الصفقة الجديدة.
ومن جهتها أدانت بكين الاتفاق الذي وصفته بأنه “غير مسؤول للغاية” و “ضيق الأفق”. وصرّح المتحدث باسم الخارجية الصينية أن التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا في مجال الغواصات يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الاقليمي ويكثف سباق التسلح ويقوض الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي. وقالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية إن استراليا حولت نفسها الآن إلى خصم للصين. وكانت العلاقات بين بكين وكانبيرا قد تدهوراً كبيراً خلال السنوات الماضية ففي العام 2018 رفضت أستراليا السماح للشركات الصينية ببناء شبكات الجيل الخامس على أراضيها. وقبل ذلك تبادل الطرفان الاتهامات حول التجسس واتهام أستراليا للصين بالتدخل في شؤونها الداخلية. وازدادت حدة التوتر ببين البلدين بعد أن انضمت كانبيرا إلى الحلف الأميركي للمطالبة بفتح تحقيق دولي حول انتشار فيروس كورونا المستجدّ، كما لجأت بكين إلى سلسلة من الإجراءات التجارية لكبح عمليات الاستيراد من كانبيرا، وقيام الأخيرة بإلغاء اتفاق بشأن مشروع “الحزام والطريق” كانت قد أبرمته ولاية فيكتوريا مع الصين.
بعد تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة اختار أوروبا لتكون وجهته الخارجية الأولى في محاولة لاصلاح العلاقات التي تدهورت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فاستبشر الأوروبيون خيراً بزيارة الرئيس بايدن. إلا أنه تبين أن جلّ اهتمام الأخير كان تشكيل كتلة لمواجهة الصين وقد نجح في عدة أمور منها الضغط على الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على مسؤولين صينيين بحجة انتهاك حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، وتعليق اتفاق الاستثمار الموقع مع الصين، ولكنه فشل في تكوين حلف ضد الصين.
يدرك الاتحاد الأوروبي مدى أهمية الصين بالنسبه إليه إذ أن بكين الشريك الاقتصادي الأول له ويعتبرها منافس وشريك في الوقت نفسه. كما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقامة التوازن في علاقاته بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وعدم الوقوف إلى جانب أي من المتنافسين ، إلا أن واشنطن تدفع باتجاه سياسة مشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي اتجاه الصين. ولما لم تجد واشنطن أن الدول الأوروبية متحمسة لانشاء تكتل ضد الصين إرتأت تكوين جبهة تضم بريطانيا وأستراليا فقد ذكرت صحيفة صنداي تلغراف أن بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا اتفقت على تفاصيل الشراكة الأمنية خلال قمة مجموعة السبع في حزيران/يونيو 2021 دون علم الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال في مؤتمر صحفي على هامش اجتماع قادة مجموعة السبع إن التكتل ليس نادياً معادياً للصين.
قد تحاول واشنطن إرضاء فرنسا بمشاريع أخرى، إلا ان صفقة الغواصات تشكل ضربة لثقة أوروبا في الولايات المتحدة الأميركية كحليف يمكن الوثوق به المسألة التي كانت موضوع جدل بعد انسحاب أميركا من أفغانستان. من المحتمل أن تقترب فرنسا من الصين إذا قامت الأخيرة بعرض مشاريع مغرية تعوض باريس ما فاتها من خسائر بسبب الصفقة. وعلى الرغم من أن فرنسا تختلف مع الصين في أمور عدة منها انتقاد باريس الصين بسبب سياستها تجاه مسلمي الايغور ومسألة هونغ كونغ، ورغبت باريس في تعزيز وجودها في بحر الصين الجنوبي عبر مشاركتها في التدريبات العسكرية مع الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة، إلا أن فرنسا تتعاون مع الصين في مجالات عدة مثل مكافحة فيروس كورونا والتغير المناخي.
قد تلجأ فرنسا والاتحاد الأوروبي عامة كرد على أزمة الغواصات إلى إعادة العمل باتفاق الاستثمار الذي تم الاتفاق عليه مع الصين في أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020بعد مفاوضات استمرت سبع سنوات وعلّق العمل به في شهر آذار/ مارس2021 نتيجة التوترات بين الجانبين وبضغط من الولايات المتحدة الأميركية. كما من المحتمل الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإذا تم التفاف فرنسا نحو الصين فإن ذلك من شأنها أن يعيد تشكيل التحالفات الدولية.