دعم بالمسيّرات والمقاتلين وتدمير أنابيب الطاقة.. تفاصيل النشاط التخريبي لأوكرانيا بأفريقيا والعالم!
د. سماهر الخطيب*
اتسم الموقف الغربي والأوروبي تحديداً منذ بداية الصراع بين الروس والأوكران، بتأييد ودعم غربي منقطع النظير، على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي للأوكران في الصراع القائم على الجبهة الشرقية لكييف، وهذا الدعم اللامتناهي من المفترض أن يُقابل بولاء أوكراني.
إنما كان رد الفعل الأوكراني غير متسق مع هذا الكم من الدعم بل كان طعنة في الظهر الأوروبي وفقاً لبعض الخبراء والمراقبين، فلو أمعنا النظر في التفاصيل لوجدنا بأن الأوكران يتنكرون لهذا الدعم من خلال نشاطات تخريبية يقومون بها في القارة السمراء لصالح الفرنسيين، ويضر بشكل أو أخر مصالح القارة الأوروبية برمتها. ناهيك عن الضربات التي تهدد أمن الطاقة من خلال استهداف نورد ستريم واحد واثنان ومؤخراً ضربت أوكرانيا محطة كورسك للطاقة النووية، مما أدى إلى انخفاض توليد الكهرباء، كما أغلقت محطة تصدير الغاز المسال بالقرب من سانت بطرسبرغ، العديد من المطارات في الجزء الأوروبي من روسيا بسبب هجمات بطائرات بدون طيار، مما أثر على عمل حتى المطارات العاملة.
في الأثناء، وافقت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بيع 3350 صاروخًا هجوميًا بعيد المدى (ERAM، يصل مداه إلى 450 كيلومترًا) لأوكرانيا؛ ومن المقرر تسليمها للقوات المسلحة الأوكرانية خلال ستة أسابيع، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. تبلغ تكلفة حزمة الأسلحة 850 مليون دولار، وتشمل أيضًا “معدات أخرى” بالإضافة إلى الصواريخ. وقد غطت الدول الأوروبية معظم التكاليف.
فيما أعلنت ألمانيا أنها ستوفر دعمًا لأوكرانيا بقيمة 9 مليارات يورو سنويًا على مدار العامين المقبلين. وطالبت أوكرانيا بمليار دولار شهريا على الأقل من حلفائها لشراء أسلحة أمريكية ضد روسيا، ويبدو أن الغرب يسعى إلى زيادة عدد ومدى الطائرات بدون طيار بشكل كبير بالقرب من أوكرانيا، والتي تُستخدم لشن هجمات على البنية التحتية الروسية للطاقة والنقل. ووفقًا لتقديرات أوكرانية، تمكن الأوكرانيون حتى الآن من إلحاق الضرر لحوالي 13% من طاقة مصافي النفط الروسية. والجدير بالذكر أن هذا ليس رقمًا حاسمًا وخاصة بالنظر إلى إمكانية استعادة القدرة على التشغيل ، ولكن يُمكن الافتراض أنه إذا عزز الغرب قدرات أوكرانيا عدة مرات، فسيتمكن بعد فترة من خلق مشاكل للاقتصاد الروسي.
في المقابل يبدو أن الولايات المتحدة تضغط على بوتين في محاولة لإجبار روسيا على تخفيف موقفها، وبطبيعة الحال، لن يؤدي هذا الوضع إلى تخفيف موقف موسكو، بل إلى تصلبه، وتصعيد الحرب من جانبها بهدف القضاء السريع على أوكرانيا، بما في ذلك التدمير الكامل للبنية التحتية للبلاد، وهو ما امتنعت عنه موسكو حتى الآن. وهكذا، مهما فعل ترامب، فإنه سيعود إلى وضع بايدن (عندما استُنفدت جميع سبل الضغط على بوتين، وأصبح من الضروري بدء مواجهة مباشرة مع روسيا).
ويفترض أنه في ظل تصلب الموقف الأمريكي في سياق انتخابات الكونغرس، سنشهد خلال العام القادم تصاعد ملحوظ في المواجهة بين روسيا والغرب، بقيادة أميركية. وبالتالي لن تُفضي ألاعيب ترامب حول التسوية الأوكرانية لأي شيء، ومن الممكن أن تكون كل الأحاديث عن توقف الدعم الأميركي لأوكرانيا سابق لأوانه، في الوقت الذي يتصرف فيه ترامب وفق نموذج بايدن، ويبدو أن الوقت حان للتوقف عن الالتفات إلى أقوال ترامب والاكتفاء بالأفعال..فالتصعيد قادم.. بحيث يمكننا اعتبار أن التصاعد الحالي لنشاط ترامب يقترب من نهايته، وستستمر حرب الاستنزاف في أوكرانيا دون تغيير.
فمع تساقط دفاعات القوات الأوكرانية وهزائمها المتتالية أمام تقدم الروس، استغلت فرنسا وبعض الدول حالة الضعف التي تعاني منها القوات الأوكرانية والحاجة الماسة للدعم الغربي لدى القيادة الأوكرانية، في استخدام وتوظيف القوات والمتخصصين الأوكران للقتال على جبهات خارج حدود أوكرانيا وخاصة في بعض الدول الأفريقية كالسودان ومالي والصومال وليبيا والجزائر وغيرها تحقيقاً لمصالح سياسية فرنسية هناك، مما حوّل الأوكران إلى جماعات من المرتزقة، وأضر بشكل مباشر بمصالح الأوربيين.
فمن المتعارف عليه بأن أوربا تعاني من مشكلتي الهجرة غير الشرعية من أفريقيا، والجماعات الإرهابية المنتشرة في القارة السمراء ومناطق أخرى والتي تهدد الأمن الأوروبي. ولكن وفقاً للتقارير الإعلامية والاستخباراتية التي انتشرت على مدار الأشهر الماضية، فإن القوات الأوكرانية وبعض سفاراتها في أفريقيا تقوم بنشاط تخريبي يؤجج الصراعات في بعض الدول الأفريقية ويزعزع الاستقرار وبالتالي يزيد من الهجرة غير الشرعية ويدعم نشاط الجماعات المسلّحة الجهادية.
اليد التخريبية الأوكرانية في أفريقيا
على مدار العام الفائت والحالي، انتشرت تقارير إعلامية واستخباراتية مدعومة بالوثائق والمستندات، عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تتحدث عن نشاط عسكري تخريبي أوكراني في عدّة دول أفريقية، أبرزها السودان الصومال ومالي وليبيا.
أوكرانيا تؤجج الصراع في السودان
في سياق ذو صلة، أكد المسؤول بوزارة الخارجية السودانية محمد السر، في مقابلة صحفية، تورط أوكرانيا بدعم المسلحين في السودان والصومال والنيجر وليبيا لصالح قوى غربية. وقال السر بأن “كييف تدعم منظمات مثل بوكو حرام وحركة الشباب في الصومال، والدعم السريع في السودان، ومنظمات أخرى في النيجر ومالي وتزودها بطائرات مسيّرة بأسعار منخفضة للغاية”.
وكان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”. وقبل صبح، كان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، كتب عبر صفحته على فيسبوك، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لـ”الدعم السريع”. وبحسب يفلاش فإن: “كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا”.
نشاط تخريبي أوكراني في مالي
في سياق متصل، أعلن وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، في أبريل الماضي، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مع ممثلين عن تحالف دول الساحل أن مالي والنيجر وبوركينا فاسو اتفقت على تشكيل قوة مسلحة مشتركة لمحاربة الجماعات الإرهابية في المنطقة. منتقداً أوكرانيا بشدة بسبب أنشطتها “المدمرة” في أفريقيا، واتهمها بدعم ورعاية الإرهاب في منطقة الساحل، قائلاً: “بالنسبة لنا، أوكرانيا دولة إرهابية”.
وفي أغسطس/آب الماضي، تقدمت كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر بطلب إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة “الدعم العلني والمفترض” الذي تقدمه الحكومة الأوكرانية للإرهاب الدولي، وخاصة في منطقة الساحل في أفريقيا. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تعليقات أدلى بها مسؤولون أوكرانيون أشارت إلى أن كييف لعبت دورا مهما في الهجمات التي شنها المتمردون الانفصاليون الطوارق والتي تسببت في مقتل العديد من الجنود الماليين في قرية تينزاواتن في يوليو/تموز 2024.
وكانت وسائل إعلام محلية في مالي قد قالت في 5 يونيو الماضي نقلاً عن الجيش، بأن “إرهابيين” يحضّرون لـ “عملية كبيرة” في مقاطعة كيدال في إقليم أزواد شمالي البلاد، وذلك بدعم من مدرّبين أجانب بينهم أوكرانيون وفرنسيون. وأضافت المصادر حينها بأن سفارة أوكرانيا في نواكشوط “أدّت دوراً رئيسياً في تنظيم نقل المسلحين الأوكرانيين، والأسلحة للإرهابيين في البلاد”، مشيرة إلى أن الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، سلّمت “الإرهابيين” في البلاد، مسيّرة من طراز “مافيك”، مزوّدة بنظام إطلاق.
وكانت جمهوريتا مالي والنيجر قد أعلنتا في 4 و6 أغسطس الماضي، على التوالي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بسبب دعم الأخيرة للجماعات الإرهابية. وخاصة بعد إقرار المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف حينها بضلوع أوكرانيا في هجوم أسفر عن مقتل جنود ماليين وبعض المدنيين.
دور أوكرانيا التخريبي في ليبيا والجزائر
في سياق متصل، انتشرت بعض التقارير الإعلامية والاستخبارية، في الأسابيع القليلة الماضية نقلاً عن مصادر ميدانية ليبية ووكالات أجنبية، حول استخدام طائرات مسيّرة أوكرانية في المعارك الدائرة في غرب ليبيا وبعض المناطق الأخرى بين الميليشيات التابعة لحكومة الدبيبة وبعض الميليشيات التابعة للأجهزة الأمنية.
وبحسب التقارير، فإن حكومة الوحدة الوطنية وبإشراف مباشر من رئيسها عبد الحميد الدبيبة قامت بشراء طائرات مسيّرة أوكرانية لاستخدامها في القتال ضد ميليشيا “الردع” بقيادة عبد الرؤوف كارة.
ووفقاً للناشط الصحفي، ناصر عمار، إن المشرف المباشر على عملية شراء المسيّرات وتوريدها إلى طرابلس من الطرف الليبي هو اللواء عبد السلام زوبي آمر ميليشيا 111، بينما من الطرف الأوكراني فإن المنسق العام هو الملحق العسكري الأوكراني لدى دولة الجزائر التي تملك حدود كبيرة من الغرب مع ليبيا اندري بايوك.
في سياق ذو صلة، شنّت الجماعات المسلًحة التابعة لحكومة الدبيبة في 30 يوليو الماضي، هجوماً بالطائرات المسيرة على مدينة مصراتة، وبحسب المصادر حينها، فإن هذه الطائرات هي جزء دفعة المسيّرات التي جاءت عبر الجزائر بالتنسيق مع الملحق العسكري الأوكراني في الجزائر، اندري بايوك.
وبحسب بعض الخبراء والمراقبين، فإن الدعم الفرنسي والأوكراني للطوارق وجبهة تحرير أزواد، والحركات المسلّحة المنتشرة في شمالي مالي والتي تطالب بالانفصال، سيفجر عاجلاً أم أجلاً مواجهة مع الجزائر وسوف يسبب لها أزمات أمنية كبيرة في حال لم تتحرك وتتعامل بجدية أكبر مع الموقف.
النشاط التخريبي الأوكراني يطال أوربا نفسها
ولم يقتصر النشاط التخريبي الأوكراني الضار بالمصالح الأوروبية على قارة أفريقيا فقط، بل تعداه إلى قلب أوربا نفسها، حيث أعلن المدعي العام الألماني بأن الشرطة الإيطالية اعتقلت أوكرانياً يشتبه في قيامه بتنسيق هجمات على خطوط أنابيب نورد ستريم.
وقال بيان صادر عن مكتب المدعي العام إن المشتبه به (سيرغي ك)، كان جزءًا من مجموعة من الأشخاص الذين زرعوا أجهزة في خطوط الأنابيب بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية في سبتمبر 2022.
سفارات كييف في أفريقيا مقرات لإدارة العمليات وخطر على الأمن القومي
تجدر الإشارة إلى أن النشاط التخريبي الأوكراني في أفريقيا لم يقتصر على دعم الجماعات الإرهابية المسلّحة بالخبراء والمقاتلين والمسيّرات، بل تعداه لاستخدام السفارات والممثليات الدبلوماسية لتنسيق عمليات قواتها هناك، وهذا ما فعلته السفارة الأوكرانية في الجزائر عبر الملحق العسكري الأوكراني اندري بايوك، وسفارة كييف في نواكشوط ومالي وغيرها. كما أن مساعي كييف بافتتاح سفارات جديدة بأفريقيا، واستخدام السفارات القديمة يأتي بإطار خطة ممنهجة لاستخدام هذه السفارات كمقرات لإدارة العمليات، وتجنيد المرتزقة والسجناء والزج بهم للقتال في أوكرانيا وأفريقيا، وهذا ما أكده تقرير “انتليجنس أون لاين”، وكل ذلك بحجة تعزيز العلاقات الدبلوماسية. وهذا يعد سابقة خطيرة جداً، تتمثل باستخدام الديبلوماسية والملحقيات في مثل الأعمال، والتي تعتبر أعمال تخدم الأجندة الأوكرانية رغم أنها خارجة عن الأعراف والقانون الدولي، كما أن أوكرانيا وبعد خسارتها أمام الروس باتت أداة تنفيذية لأجندات دول مثل الإمارات وفرنسا، كما أن سفاراتها أصبحت تُستخدم كغطاء لأنشطة مريبة، ووجودها في السودان أو الجزائر أو ليبيا سيُشكل خطرًا على الأمن القومي. لأن هذه السفارات هي بوابة لاختراق أمني وتجسسي يعمّق الأزمات في تلك البلدان. ويتوجب على حكومات الدول الأفريقية وضع خطوط حمراء أمام أي وجود دبلوماسي أجنبي يحمل أجندات خفية.
في المحصلة فأن النشاط التخريبي للقوات الأوكرانية وسفاراتها في عدّة دول أفريقية يؤجج الصراعات في القارة ويزعزع الاستقرار فيها وبالتالي يقلل فرص تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار فيها ويزيد من الهجرة غير الشرعية لأوروبا ويعزز نشاط الجماعات الجهادية هناك بسبب حالة التدهور الاقتصادي والفوضى الأمنية، ويتوجب على أوربا التنبه لهذا الأمر والتعامل معه بجدية.
كاتبة سورية
2025-08-30