متى يدرك العرب حقيقة الموقف الروسي منذ ايام الإتحاد السوفياتي لغاية الآن !
كتب ناجي صفا
حالة من التشويه تقوم بها بعض النخب العربية بوعي او من غير وعي ، وبمعرفة او بجهل لا فرق، للموقف الروسي من حركة الصراع العربية الإسرائيلية بالإعتماد على تخاريف موروثة احيانا ، ويغذيها الإعلام الغربي احيانا اخرى . .
الحقيقة ان العلاقة الروسية منذ ايام القياصرة ومن ثم السوفياتية مع اليهود ومن ثم مع الكيان الصهيوني وصولا الى الآن قد مرت بمنحنيات كثيرة وكبيرة صعودا وهبوطا ، ففي عهد القياصرة لعب اليهود في روسيا دورا تخريبيا دفع القيصر الى محاصرتهم، واحيانا طردهم من روسيا .
ومع حصول الثورة البلشفية بقيادة لينين ورفاقه ، وخلافا للإنطباع السائد بأن الثورة البلشفية كانت بتخطيط ودعم يهودي هو انطباع خاطىء ومجاف للحقيقة ، لعب اليهود ذات الدور الذي لعبه الأخوان المسلمين مع عبد الناصر في مصر، وصولا الى محاولة اغتياله في المنشية ، هكذا فعل اليهود الحانقين من حكم القياصرة، محاولة التقرب من الثورة البلشفية املا في السيطرة عليها واحتواءها وادارة الحكم في الإتحاد السوفياتي وفقا للمصالح اليهودية .
كان اليهود مرتبطين بالغرب ضمنا، وبخاصة مع بريطانيا والولايات المتحدة ، وعندما فشلوا في احتواء الثورة كما حصل مع عبد الناصر والإخوان ، حاولوا اغتيال لينين عن طريق امرأة يهودية اطلقت النار عليه واصابته، وبقي يعاني بضع سنوات الى ان توفي .
كان اليهود يطمحون في اقامة دولة لهم في جزيرة القرم ، في ذات الوقت الذي كانوا يخططون لإقامة دولة في فلسطين ، اثار التوجه اليهودي الريبة لدى ستالين ، لذلك عاملهم بقسوة وجفاء وحذر . لكنهم بخبثهم المعهود حاولوا التقرب من ستالين ، اوهموه بأنهم يدعموه ، لدرجة انهم عرضوا عليه سرقة اسرار القنبلة الذرية من الولايات المتحدة التي كانت قد القت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي ، كان ذلك مؤشرا لتفوق الغرب على الإتحاد السوفياتي الذي هزم النازية ، وكان الغرب آنذاك وما زال يخشى من تمدد الشيوعية على ضوء الإنتصار الذي حققه ستالين وهزيمته للنازية .
كان الشرط اليهودي لستالين الإعتراف بكيان يهودي في فلسطين، بعد ان صرفوا النظر عن انشاء دولة في جزيرة القرم، بسبب قوة ستالين وانتصاره من جهة، والتأكد من انه لن يقبل التنازل عن القرم من جهة اخرى ، كان الطلب اليهودي مقابل تسليمه اسرار القنبلة الذرية والتراجع عن جزيرة القرم وهذا ما حصل، الإعتراف بدولة يهودية في فلسطين ، من جهة اخرى حاول اليهود ايهام ستالين انهم ذو توجهات اشتراكية، عن طريق تأسيس حزب العمل ذات الميول الإشتراكية ، اعتقد ستالين ان دولة اشتراكية ستنشأ في الشرق الاوسط فقرر دعمها ، سيما ان العرب انذاك كانوا يخضعون للنفوذ الغربي المعادي ، بريطانيا في فلسطين ومصر والعراق، وفرنسا في سوريا ولبنان .
دعم ستالين اقامة كيان يهودي في فلسطين ، للآعتبارين الذي اشرت اليهما ، اسرار القنبلة الذرية ، والتوجه الإشتراكي . لكن سرعان ما بدأت التوجهات اليهودية المعادية بالظهور بعد انشاء الكيان ، لجأوا لذات التجربة التي حاولها الاخوان بعدهم ضد عبد الناصر ، محاولة قتل لينين، حاولوها مع ستالين وعدد من القيادات والرموز السوفياتية، عبر تشكيل خلية من الاطباء اليهود قرروا قتل تلك النخبة ومن بينهم ستالين عن طريق السم ، كان ذلك في العام ٥٢ ، اكتشف ستالين الخلية وساءت العلاقة مع الكيان الصهيوني، اكتشف ارتباطهم بالغرب وعملهم لحسابه، قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل عام. ١٩٥٣ وبقيت مقطوعة لغاية اواسط سبعينات القرن الماضي .
مع ثورة ٢٣ يوليو التي قادها عبد الناصر عام ٥٢ ، بدا السوفيات متريثين في التفاعل مع عبد الناصر، اولا بسبب الإنطباع الذي كان سائدا بأن الاميركي خلف ثورة عبد الناصر . وثانيا في انتظار اكتشاف كنه هذه الثورة وهم يراقبون الإصلاح الزراعي وبعض القرارات الثورية التي اتخذها عبد الناصر .
عام ٥٤ اراد عبد الناصر شراء السلاح من الغرب ، ارسل علي صبري الى واشنطن الذي فشل في اقناع الاميركي بتسليح مصر ، كانت الشروط الاميركية ان لا يستخدم السلاح ضد اسرائيل، وحصر استخدامه بالداخل ، اي ضد الشعب المصري، وليس ضد اسرائيل، الامر الذي استفز عبد الناصر ورفض السلاح بالشروط الأميركية. عاد علي صبري من الولايات المتحدة خالي الوفاض الا من مسدس سميث اند وسن اهدوه اياه الاميركيين .
اعلن عبد الناصر عن رغبته في التوجه شرقا نحو الإتحاد السوفياتي للحصول على السلاح ، استقبل الإتحاد السوفياتي التوجه المصري بإيجابية واعطى التعليمات ل تشيكوسلوفاكيا بمد عبد الناصر بالسلاح، شكل ذلك افتتاحية العلاقة بين مصر والمنظومة الإشتراكية وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي .
ثارت ثائرة الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة من خطوة عبد الناصر، من التوجه شرقا، واستقدام السلاح من تشيكوسلوفاكيا، وبدأ الغرب بمحاصرة عبد الناصر والتضييق عليه ، رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي الذي ينقذ مصر من الفيضانات من جهة ، ويحقق التنمية من خلال الري وانتاج الكهرباء ، ناهيك عن الثروة السمكية في بحيرة ناصر التي تطعم مصر كلها سمكا من جهة اخرى.
دعم الإتحاد السوفياتي خطوة عبد الناصر في بناء السد العالي ، وتأكد من جدية توجه عبد الناصر عندما امم قناة السويس لتمويل مشروع السد العالي ، وشارك نيكيتا خروتشيف في افتتاح اعمال السد العالي الى جانب عبد الناصر .
مع هزيمة مصر في العام ٦٧ وفقدان الجيش المصري العدد الاكبر من طائراته والياته، نتيجة اختلالات بنيوية في قيادة القوات المسلحة ( وهي ليست موضوعنا الآن ) قام السوفيات بتعويض مصر كل ما فقدته من سلاح وطائرات، بالإضافة الى تزويده بسلاح الصواريخ النوعي، الذي يحمي مصر ، والذي كان له الفضل الاكبر عام ٧٣ في هزيمة اسرائيل، وفي انتصار مصر الذي لم يكتمل بسبب ما كان يضمره السادات من توجهات .
دعم الإتحاد السوفياتي كل من الجزائر والعراق وليبيا وسوريا سياسة وتسليحا ، ولم يبخل على اي بلد عربي بالسلاح النوعي، رغم انه كان يدرك ان هذه الدول معادية لإسرائيل وتسعى لإنهائها .
مع انهيار الإتحاد السوفياتي لعب اليهود في روسيا دوران مهمان وخطيران .
الاول المساهمة في انهيار الإتحاد السوفياتي .
الثاني احتضان يلتسين وتحويله باتجاه الغرب ليصبح دمية بيده ، الاخطر من ذلك كله سرقة الثروات السوفياتية والسيطرة على مؤسسات الدولة وبيع اصولها وتحقيق ارقام مالية خيالية مكنتهم من السيطرة على رأس المال اولا ، وعلى الإعلام ثانيا.
مع مجىء بوتن الى السلطة وجد هذا الواقع الصعب والمعيق لأي تطور روسي استنقاذي ، بدأ بقصقصة بعض الاجتحة ضمن المتاح ، واعادة السيطرة على جزء من المال والإعلام ، كان لا بد له لكي يحدث هذه الإصلاحات من ان يهادن اسرائيل، بما لها من مونة على هؤلاء في الداخل وكذلك على الغرب ، لكي لا يضطر الى فتح معركة وهو ما زال في حالة اعادة البناء .
بوتين يدرك جيدا ما فعله اليهود والحركة الصهيونية في روسيا، لكنه تجنب فتح المعارك معها في مرحلة البناء، انعكس ذلك بعلاقة ايجابية مع اسرائيل رغم انه جن جنونها من دخول روسيا على خط الوجود العسكري المباشر للجيش الروسي في سوريا ومحاربة الإرهاب الذي عملت على تأسيسه ودعمه لإسقاط النظام في سوريا .
حافظ بوتن على ( قبة باط ) نسبية لإسرائيل في سوريا ، وهذا ما ازعج الكثر من النخب العربية ، من بينها كاتب هذه السطور الذي انتقد السلوك الروسي في اكثر من مقال .
الآن تشارك اسرائيل في الحرب في اوكرانيا الى جانب مجموعة آزوف النازية، هي تحارب القوات الروسية ، وتلعب ادوارا في الخفاء وبعضها في العلن ضد روسيا في اوكرانيا ، سيقلب ذلك المعايير كليا ، وسترون موقفا روسيا صارما من اسرائيل في قادم الأيام ، عندما تنتهي المعارك في اوكرانيا وتستقر التوازنات الجديدة ، لذا نختم بالقول رب ضارة نافعة .