《 سياسة أمريكا الخارجية 》
( المهندس منير حاتم )
لو تسنى لبايدن أو لأي رئيس أمريكي يخدم الشركات التي أتت به أن يدمر إيران واليمن وسوريا وروسيا والصين وأمريكا اللاتينية ، ثم يضع رأسه على مخدته وينام قرير العين هانيها ، لما تردد ثانية في فعل ذلك ، لكنه أعجز عن فعل ذلك ، وخصوصا بالظروف الراهنة ، فالوضع الداخلي الأمريكي يفرض على الرئيس الأمريكي إلتفاتة للداخل ، مما يضعف من قدرته على القيام بأي فعل عسكري نوعي بالخارج ، فيخسر الخارج والداخل ، وعقدة التفوق الأمريكي لن تسمح للرئيس التغافل عن التقدم الصيني والروسي ودول التوق لحرية القرار مثل ( سورية وايران واليمن وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الناطرة على تلة الأحداث ) ، لذلك سنجد اقتصار السياسة الأمريكية الخارجية سيكون على تثبيت الوضع الدولي الراهن ريثما يصلح وضعه الداخلي ، وتثبيت الوضع والمراوحة سيكون بكثرة التصريحات والتهديدات بالحرب ، وطرح المبادرات التي يسبقها حوارات تسويفية على أمل بالقيام بتوقيع إتفاقيات نوعية لن تحدث ، وتحريك العصابات والجماعات السلفية المرتبطة بها كي تشغل الدول بصراعات تمتص أي فائض قوى يصب ضد مصلحتها .
إن مانراه من مبادرات لوقف الحرب عن اليمن ليس طيب أخلاق من بايدن ، وسحب التصنيف الإرهابي عن أنصار الرب ليس بسبب العدالة الأمريكية ، ولكن لأن اليمن بات يفرض واقع الحرب التي تجبرهم على القيام بالرد ، وبالتالي تستنزفهم خارجيا في وقت هم ليسوا قادرين به على الحرب ،سيما وأن اليمن بات يمتلك من السلاح النوعي والطائرات المسيرة ما يقضّ مضجع بيت مال الأمريكيين ( السعودية) ، لذلك سنرى الصورة تتضح جلية باليمن ، فهي تعرّي ضعف الأمريكي وعجزه عن القيام بالحروب الخارجية ، حتى لو حاولت ( اسرائيل) كعادتها جرهم للحرب جرّا .
أما في سورية ، فمن المؤكد أن أمريكا لن تسمح للسوريين بأن يهنؤوا بالإستقرار ، فسيحركون العصابات في التنف وفي درعا والسويداء وإدلب ويحركون قسد ويهادنون السلجوقي آردوغان كي يجعلوا الساحة السورية في صراع داخلي مستدام ، لكنهم لن ينسوا طرح المبادرات وإطلاق التصريحات الإيجابية كالقول أن مقربين من الرئيس بايدن اقترحوا عليه خطة من ثلاث مراحل لتحسين الواقع السوري ، تبدأ بوقف العقوبات ثم عودة سورية للحضن الدولي وأخيرا فتح السفارات في سورية والبلدان النظيرة لها بالعالم .
إن هذه التصريحات تحمل بداخلها طلبات وشروط لو نفذتها سورية لما كانت الحرب من أصلها ، لكنها تصريحات تعيدنا للمربع الأول بتزامنها مع عودة الجماعات الإرهابية المسلحة ، وذلك بهدف ترك الوضع الخارجي الأمريكي بالمراوحة في وضع عدم الإستقرار ، لكن ينسى الأمريكيون أو يتناسون بأن وضع الإرهابيين بات لا يقاس من ناحية ضعفه عن وضعه ببداية الحرب ، فهو قد خرج بنسبة كبيرة من بين ظهرانينا ، وفقد عنصر المفاجأة والقدرة على التمويل ،فالطرق شبه مغلقة والمنابع جفت بمصادرها بعد أن حلبها ترامب ، وفرز الشعب قد تكشف رغم ضيق عيشه ونخر الفساد له .
لذلك يجب على السوريين فهم عجز الأمريكيين من القيام بحروب تستنفر الإقليم والعالم له ، وبالتالي تحولهم لخلق الفتن التي تبقي البلاد في صراعات داخلية تغذيها بأموالنا المسروقة وأموال الخليج ، فما يحصل بدرعا ليس مفصولا عما يراد له الحصول بالسويداء ، فليس كل من كتب شعارات عاطفية مدركاً لما خلف الأحداث ، فعلى الواعيين التروي قبل سيل أقلامهم بما يصب الزيت على نار هشيم .
ندرك مقدار الضيم والمعاناة ، ولو كنا نرى في أي تحرك منفعة للشعب بمقدار سد العوز ورفع القهر والجوع والبرد في هذه المرحلة القفراء من حلول لشجّعنا ،ولكن قبل أي فعل يجب دراسة الممكن وغير الممكن والعواقب في كل احتمالاتها ، إذ لا يعقل أكسّر نافذتي قهرا ويثني البعض على بطولاتي ، لأصحو باليوم التالي على أن البرد بات يدخل منها وليس لي حيلة بإصلاحها .
أنظروا لليمنيين الذين يمثلون مظلومية أكثر شعب مقهور بالعالم ، فهم يُقتَلون دون أي ذنب ، لكن فهمهم لحقيقة الصراع جعلهم يردون كيد المعتدي لنحره ، فضربوه بمقتل ، وخرجوا بالملايين يطالبون بفك الحصار ووقف الحرب ،ولم يخرجوا ليكسروا منشآتهم ، ففرضوا تعاطفا عالميا عندما قالوا للأمريكي وأذنابه : ( إن أردت أن تقصف وتقتل ، فها نحن بالملايين بالشوارع فقتلنا جميعا أو نحيا بشرف جميعنا ) ، والآن هم في طريقهم لوقف الحرب ورفع التصنيف الجائر لهم ، ولم يتوقفوا يوما عن القول : الموت لـ ( إسرائيل) ، هذا القول الذي يمثل وعيا متقدما رغم بعدهم الجغرافي ، وعندنا مازال البعض يمدح ( اسرائيل) ، فلو طالب السوريون جميعهم ( بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية والإثنية ) العالم برفع الحصار عنهم ، وكانت مطالباتهم مثل اليمن بمسيرات مليونية ، أليس أجدى من التوجه باتجاه الداخل ونشر الفتن والحروب الأهلية وترك العدو يسرح ويمرح ، ويقتلنا بسلاحنا ؟!.
سيخرج من يقول كلاما يصدر من حقد لا يترك للعقل مطرحا ، وسيتحدث أصحاب أسماء مزورة مرتزقة بأقوال تخدم مشغّليهم ، وأيضا سيتحدث مظلومون لا يدركون أين مصلحتهم ليقولوا كلاما لا يقبله ميزان العقل ، ولكن يبقى التعويل على من يمتلك الحكمة والعقل في الظروق القاهرة ، ليخفف من آلام الناس لا يزيدها حيث لا ينفع الندم .
2021-01-29