الفساد في العراق!
غياب التخطيط .
ابو زيزوم .
التخطيط نقيض الفوضى ، ومن لا يخطط لحياته يعيش الفوضى فرداً كان او دولة . الدولة الرأسمالية تخطط ولا تقول انها تخطط بسبب تحسسها من هذه الكلمة التي أضحت رديفة للاشتراكية ، وتستعيض عنها بمصطلح ( البرمجة ) . ونستطيع القول ان العراق اليوم البلد الوحيد او بين بلدان قلائل الذي يسير بلا خطة رغم وجود وزارة للتخطيط تتوفر لها موارد هائلة . فالمهام التي تضطلع بها وزارة التخطيط الان ليست من التخطيط في شيء .
بعد الاحتلال وفي غمرة الارتفاع القياسي لأسعار النفط توجهت الحكومة لزيادة الرواتب والتوسع في التعيينات دون ان يكون لذلك مردود فعلي على الادارة العامة والسبب ان الغرض من التعيين ليس سد الشواغر وتأدية المهام الحكومية وانما تنفيع المعينين وكثير منهم يستلم الراتب دون تأدية عمل . فأصبح عدد الموظفين في البلد خارقاً للحد المعقول علمياً بينما ينحسر الأداء الى درجة ان تجد مدارس بلا مدرسين ومستشفيات بلا أطباء . هكذا اصبح ثلاثة ارباع الميزانية رواتب . فلما انخفضت اسعار النفط وجدت الحكومة نفسها في ورطة ولا مجال أمامها لسد العجز سوى الاقتراض او الاقتطاع من الرواتب وكلا الحلّين خاطىء وخطير اذا تعدى الحالة المؤقتة .
في وضع مثل الوضع الذي نمر به وعلى افتراض تقاعس الساسة عن التفكير الخلاق وعدم استعدادهم للاستعانة بالكوادر المتخصصة ، وهذا هو الواقع فعلاً ، توجد وصفة سهلة الفهم وسهلة الاستعمال وذات عائد كبير على الاقتصاد ، وهي اللجوء الى فرض الضرائب العالية على المستوردات . الضرائب وسيلة حماية للاقتصاد المحلي تأخذ بها جميع الدول بدرجات متفاوتة ومدروسة . اما عندنا وبالنظر الى انشغال الساسة بأمور لا علاقة لها بالاقتصاد وأوجاعه فإن الضريبة الكبيرة على جميع المستوردات تحقق ما يلي دون عناء :
1_ تخدم الناتج المحلي الزراعي والصناعي لأنها توفر له القدرة على المنافسة . فالذي يعيق المنتجين العراقيين الان وجود سلع مماثلة لمنتوجاتهم معروضة بأسعار أقل مما يصيب بضاعتهم بالبوار . فإذا فرضت ضريبة عالية على الاستيراد ارتفعت أسعاره وتغلبت عليه المنتوجات الوطنية .
2_ يستورد العراق سنوياً من البضائع ما قيمته 40 مليار دولار او اكثر . وعند فرض ضريبة على الواردات بنسبة %100 على سبيل المثال تحصل خزينة الدولة على 40 مليار دولار تكفي لسد العجز كلياً وتحقيق فائض .
3_ تحت هذا المستوى العالي من الضرائب ينخفض الاستيراد لأكثر من سبب . فهناك واردات تتقلص لأن المنتوج المحلي يحل محلها ، وهناك واردات تتقلص لأن المستهلك يعدل عن شرائها لثقل تكلفتها . وبالنتيجة تنخفض كمية الاموال الذاهبة الى الخارج لتغطية الاستيراد مما يقوّم الميزان التجاري لصالح البلد .
هذه الخطة لا تحتاج تفكيراً عميقاً او دراية واسعة فكأنها مصممة للعراق في وضعه الحالي ، وتحرز مردودات باهرة . ومع ذلك تغيب إما لعدم وجود إرادة سياسية لتفعيلها او لأن الفساد ينهش عائداتها قبل ان تصل الى الخزينة . فالتاجر بدل ان يدفع مليون دولار ضريبة يدفع خُمس او عُشر هذا المبلغ رشوة للموظفين المعنيين ويحتفظ بالباقي .
( ابو زيزوم _ 983 )
2021-01-30