نواجه حاليًا معركةً ثقافيّة، أو حربًا معرفيّة، تحت غطاء الحرية، تستهدف ثلاث ضحايا!
تعريب: لينا الحسيني
1. أدمغة النّاس
2. مساحات الحياة اليومية.
3. رموز الهيبة والقيم.
تهاجم هذه الحرب، كل ما يعيق دكتاتوريّة السّوق، بقاموسٍ دقيقٍ من المفردات المشوّهة والغامضة، بدءاً بكلمة “الحرية” وشعارات تهدف إلى ترسيخ الهيمنة النيوليبرالية، عبر شخصيات كاريكاتورية يجري تلميعها لتبدو لغتها عميقة: محيط من التفاهات بعمق سنتيمتر واحد!
تتداخل سيناريوهاتهم القتالية وتترابط: ألعاب الفيديو، المسلسلات، الأغاني، مراكز الأبحاث، الجامعات، المكاتب الحكومية، مراكز التجسس، شبكات التواصل الاجتماعي، الروبوتات، وجميع أنواع المؤثرين، والدعاة.. بهدف تسويق بضائعها الأيديولوجيّة التي تحمي نظام الفساد التاريخي من الانهيار: الرأسمالية.
يريدون، من خلال تعبير “الثّقافي” استهداف قيم الشعوب، وتحويلها إلى مادة للسخريّة. يريدون منّا أن نشكرهم، وأن نعترف أنّهم كانوا دائمًا على حقّ في إساءة معاملتنا.
المعركة الثقافية، هي اسمٌ آخر للحرب المعرفيّة. وهي تهدف إلى ترسيخ وإدامة الهيمنة الاقتصادية والأيديولوجية للرأسمالية، وفرض القيم والمعتقدات والسلوكيات التي تضفي عليها الشرعية.
هذه الحيل ليست عرضية. لقد تمّ تصميمها وتنفيذها من قبل الشركات ووكالات الإعلان والكنائس ومراكز الاستخبارات والمنظمات الدولية ومراكز الفكر، لتحويل الوعي الجمعي لصالح البرجوازية. أكثر تلك الجبهات تماسكًا هي وسائل الإعلام التي تنتهج سياسة تلميع المؤسّسات البرجوازية.
”إنّ الهيمنة لا تعتمد على الإكراه فحسب، بل تقوم أيضًا على التوجه الفكري والأخلاقي الذي تمارسه الطبقات المهيمنة على المجتمع بأكمله.“
(غرامشي، دفاتر السّجن).
كما أنّ التّعليم، الذي يتغذّى على أيديولوجيّة الطبقة الحاكمة، هو جبهة رئيسيّة لإدامة الرأسمالية. فالمؤسسات الخاصة، والمناهج الدراسيّة، التي صمّمتها مؤسّسات بحثيّة مموّلة، تدفع بسردٍ يركّز على الفرديّة والمنافسة، ويهيّئ الناس لعبادة السّوق الحر، بدلاً من التشكيك فيه. كما أنّ صناعة الترفيه، التي تقودها شركات مثل نتفليكس، وسوني، ووارنر بروس، تعتبر معاقل للمعرفة التي تستعبد العقول، وتطبّع الاستهلاك والنجاح الفردي، وتراكم الثروات.
إنهم يخدّرون النّاس من خلال لوجستيات الاستقطاب، ويموّهون أنفسهم بالخطابات “التقدمية” أيضًا. ويحاولون تبرئة السّياسات النيوليبرالية من الإحباط العام الناجم عن الكوارث الاجتماعية.
تعاونهم في ذلك شركات التكنولوجيا مثل Google وMeta (Facebook) وTwitter التي تقوم بسرقة المعلومات، وتقسيم الجماهير، والتلاعب بالخوارزميات لتعزيز الخطابات المهيمنة، والفقاعات الإيديولوجية، وتحدّ من التفكير النقدي المشكّك.
إنّ المعركة الثقافية برمتها، أو الحرب المعرفيّة (وفقًا لتعبير حلف شمال الأطلسي) هي عدوان متعدّد الأوجه، مندمج بعمق في المؤسسات البرجوازية للمجتمع الحديث الذي اختطفته الرأسمالية. هدفها ترسيخ استغلال البشر، وتدمير الكوكب بدون عقاب. لذلك فإنّ فهم هذه الجبهات والاستراتيجيات، يسمح لنا بتحديد المقاومة اللازمة وما تستهدفه، وبناء البدائل التي تقودنا نحو التغيير البنيوي الاقتصادي والفكري: ثورة الوعي.
لقد عرّف المثقفون الثقافة باعتبارها حقلاً للصراع، حيث تتواجه الأيديولوجيات من أجل الهيمنة.
“إنّ أساس كل هيمنة هو الاتجاه الثقافي.”
أنطونيو غرامشي
من وجهة نظرنا، الثقافة ليست ظاهرة معزولة، بل هي بناءٌ اجتماعي تحدّده الممارسة البشرية، ويشمل الإنتاج المادي والمعنوي.
إنّها ساحة المواجهة بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتمّ الصراع على هيمنة المعنى. إنّها تعكس مصالح الطبقات المهيمنة ضد الثقافة الشعبية التي تعبّر عن تطلعات المضطهدين.
”الثقافة ليست مجرد انعكاسٍ سلبيٍّ للواقع الاجتماعي؛ إنّها أيضًا مساحة للنضال، يستطيع فيها المضطهدون تغيير هذا الواقع.“ (الأفكار الجمالية عند كارل ماركس، 1965)….
فرناندو بوين أباد دومينيغيز
أستاذ جامعي مكسيكي، دكتور في الفلسفة، متخصّص في فلسفة الصّورة، وفلسفة الاتصال، ونقد الثّقافة، وعلم الجمال والسّيميائيّة…
2025-01-10