نفاد فرص منع حرب شاملة في الشرق الأوسط!
إن الضربات الجوية واسعة النطاق التي قام بها كل من إسرائيل وحزب الله اللبناني في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد، تشكّل أول تصعيد خطير للصراع العسكري في الشرق الأوسط منذ اغتيال أحد قادة حزب الله في بيروت، وزعيم حماس في طهران نهاية شهر يوليو/ تموز.
وتعدّ هذه الهجمات تهديدًا بالانتقال إلى مرحلة جديدة وأكثر خطورة من الحرب في قطاع غزة وما حولها، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل من الأمل في احتواء هذا الصراع المستمر منذ عشرة أشهر.
وتعدّ هذا الضربات بكل المقاييس ضربات قوية وواسعة، ووفقًا لإعلان حزب الله فإن هذه العملية هي المرحلة الأولى في ردّه الذي طال انتظاره على مقتل قائده فؤاد شكر. ووصفت إسرائيل- التي شنت هجماتها أولًا بأكثر من 100 طائرة- ضرباتها بأنها استباقية، بعد أن علمت بهجوم وشيك لحزب الله، كان يستهدف مركز إسرائيل أيضًا.
إن مايخشاه الإسرائيليون بشكل حقيقي هو أن تتمكن صواريخ حزب الله من اختراق نظام القبة الحديدية الدفاعي وضرب تل أبيب، كما حدث قبل شهر تقريبًا عندما قام المتمردون الحوثيون في اليمن بهجوم صاروخي ناجح على تل أبيب. ومن المؤكد أن أي هجوم ناجح على وسط إسرائيل من شأنه أن يدفع الصراع إلى مستوى جديد تمامًا.
إن ادّعاء حزب الله أن هذا الهجوم هو المرحلة الأولى من الردّ يضمن أن إسرائيل وحلفاءها سوف يستعدون للمرحلة التالية، بالإضافة الى انتظار ردّ إيران على مقتل إسماعيل هنية في طهران، بعملية لم تعترف بها إسرائيل. إن التأخير في أي ردّ انتقامي من جانب إيران رفع الآمال في بعض الأوساط بأن الجهود الدبلوماسية المكثفة لثني طهران عن أي عمل مضاد ربما يكون لها بعض التأثير.
وشملت هذه الدبلوماسية سلسلة من الزيارات إلى الشرق الأوسط قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ورحلة ثانية إلى إسرائيل قام بها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، وسلسلة من المكالمات الهاتفية والبيانات المشتركة، التي تضمنت أول محادثة منذ ثلاث سنوات بين رئيس وزراء بريطاني ورئيس إيراني.
كذلك صدرت سلسلة من البيانات المشتركة التي تدعو إلى ضبط النفس، وصدر أحد هذه البيانات من زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وفي الوقت نفسه صدر بيان أوسع نطاقًا، بادرت إليه الولايات المتحدة، بدعم أوروبي، وتعهد باتخاذ إجراءات مشتركة للدفاع عن إسرائيل في حالة وقوع هجوم عليها، وأن إيران ستتحمل عواقب غير محددة.
وفي حين أن حزب الله- وهو أحد وكلاء إيران- معروف لإسرائيل، وقد تمكنت من احتوائه إلى حدّ ما، فإن إيران تعد مسألة أخرى، وأي عمل عسكري مباشر من جانب طهران ضدّ إسرائيل من شأنه أن يغير الصراع الحالي، ويدفع باتجاه حريق إقليمي. وفي حين أن ردها بالكثير من الطائرات بدون طيار على هجوم إسرائيلي على قنصليتها في دمشق، يبدو أنه كان مصممًا ليكون غير عادي، فمن غير المرجح للغاية أن تكرر هذا العمل مرة أخرى.
وحتى لو أمكن إقناع إيران بوقف إطلاق النار في الوقت الراهن، فإن الهجوم الأخير بين حزب الله وإسرائيل يهدد بانتشار الصراع إلى جنوب لبنان وربما إلى لبنان نفسه، ولهذا السبب وُجهت دعوات للأجانب- بما في ذلك البريطانيين- لمغادرة لبنان، كما أن المخاوف المستمرة من التدخل الإيراني المباشر، تجعل من الضروري وقف الصراع في وضعه الحالي بشكل أكثر إلحاحًا.
وهذا يعني بدوره معالجة فشل إسرائيل وحماس- على الرغم من الجهود الدولية المكثفة- في الاتفاق على وقف إطلاق النار، إلى جانب إطلاق سراح السجناء، بما في ذلك الرهائن الناجين من 7 أكتوبر/ تشرين الأول، الذين ما زالوا في قبضة حماس.
لقد أحبطت الانقسامات والتوقعات غير الواقعية من الطرفين هذا الهدف الذي يبدو أنه بسيط، مع فشل كل صفقة مقترحة. ويقال إن آخر نقطة خلاف كانت هي إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بموطئ قدم في غزة، في حين تطالب حماس بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
والواقع أن التحديات كبيرة لكلا الجانبين، ولهذا فإن أي اتفاق من هذا القبيل صعب للغاية، ذلك أن تخلّي حماس عن كل رهائنها يعني التخلي عن كل النفوذ المتبقي لديها على إسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، تشكل العودة إلى غزة ضرورة أمنية رئيسية، نظرًا لما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
إن وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق سراح الرهائن، يقدمان الحل الوحيد للحدّ من خطر التصعيد، إنْ لم يكن تجنبه تمامًا، وهو الخطر الذي تجلى بوضوح شديد خلال عطلة نهاية الأسبوع. وإذا كان هناك أي أمل في التمسك بهذا الحل، فإنه يتلخص في تفضيل إيران لضبط النفس. وحتى الآن، كانت هناك جهود واضحة من جانب طهران لكبح جماح حزب الله، إلا أن أحداث صباح الأحد كانت تحذيرًا بأن الميل الإيراني لضبط النفس ربما يقترب من نهايته.
إن جولة أخرى من الدبلوماسية الأمريكية ربما توفر السبيل الوحيد للمضي قدمًا نحو الحل، لأن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي تتمتع بقدرة على ممارسة الضغوط على إسرائيل، مسنودة باستعراض القوة في وجه إيران.
لقد وصلت حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة للتو، كما بدأ الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جولة في الأردن ومصر وإسرائيل، الأمر الذي أضاف بُعدًا عسكريًا واضحًا إلى الجهود الدبلوماسية الأمريكية.
ويمكن القول إن انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي قد يحرّر الإدارة لتولي دور دبلوماسي أكثر نشاطًا، من دون التأثير على حظوظ الحزب الديمقراطي فيما يعدّ سباقًا انتخابيًا متقاربًا للغاية. لعدة أشهر كان هناك حديث بأن بايدن نفسه يتطلع إلى تسوية أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط، حيث سيكون إنهاء حرب غزة مجرد جزء منها.
الوقت المناسب لإحياء هذا المشروع قد يكون الآن، نظرًا للفشل الذريع للخيارات الأخرى، ونظرًا للمخاطر المتزايدة لحرب واسعة النطاق.
مدونة العرب
إندبندنت
2024-08-30