جلادو نتنياهو المستعدون للإعدام: كيف تحول الإسرائيليون العاديون إلى قتلة جماعيين؟
فارس جقمان – تقديم وترجمة: غانية ملحيس
تقديم :
ينطوي المقال على اهمية خاصة لأنه يلقي الضوء على الطبيعة البنيوية الاجرامية العنصرية للمجمع الاستيطاني الصهيوني، والذي يشكل نتاجا تراكميا للعقيدة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية الأوروبية المؤسسة للمستعمرة الصهيونية، الهادفة إلى استبدال السكان الفلسطينيين الأصليين بالغزاة المستعمرين اليهود ، ما يجعل الإبادة الجماعية
والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني منهجا مقبولا ومستساغا لدى الغالبية الساحقة من يهود المستعمرة الصهيونية ، بما في ذلك الليبراليين الصهاينه. والمنافذ الإعلاميه والصحفية التي تبدو موضوعية وتقدمية لعرضها لتقارير حول السلوكيات الوحشية والإجرامية للجنود الصهاينه مثل صحيفة هارتس، لكنها تشترك في الوقت ذاته بتأجيج العنصرية والدعوة للإبادة الجماعية .
وتكمن أهمية المقال في أنه يدحض الادعاء والدعاية الغربية والصهيونية التي تحاول قصر مسؤولية حرب الإبادة الجماعية والسلوك الإجرامي الصهيوني الراهن على النخب الحاكمة وفئة محددة متطرفة من اليمين الصهيوني الديني والقومي . رغم أنّ الصهيونية الليبرالية المؤسسة لدولة إسرائيل قد مارست ذات السلوكيات في الابادة الجماعية والتطهير العرقي عند إنشاء الدولة عام 1948، وعند استكمال احتلال باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 ، وواصلت ذات السياسات منذ ذلك الحين بوتائر مختلفة. لكن الابادة الجماعية والتطهير العرقي كانا على الدوام هدفا وسلوكا مشروعا ومقبولا لسكان المستعمرة الصهيونية للقضاء على الشعب الفلسطيني الأصيل واستبداله بالمستوطنين اليهود .
وعليه ، فإن نتانياهو وبن غفير وسموتريتش وعميحاي إلياهو،وياريف ليفين وإسرائيل كاتس وجلعاد أردان ليسوا نبتا شيطانيا في المجتمع الصهيوني كما يروج البعض ، ولا يختلفون في عقيدتهم العنصرية ونهجهم الإجرامي عن هيرتسوغ وغانتس وايزينكوت وجالانت وبينيت ولابيد وشارون وأولمرت وباراك وبيريس وشامير وجولدا مائير وبن جوريون وجابوتنسكي . بل هم نتاج طبيعي للمجتمع الاستيطاني الصهيوني العنصري، الذي يشكل البيئة الطبيعية الحاضنة للمنظومة الفكرية والقيمية للاستعمار الغربي الاستيطاني العنصري الذي يتأسس على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للسكان الأصليين.
ترجمة المقال : ” جلادو نتنياهو المستعدون للإعدام: كيف تحول الإسرائيليون العاديون إلى قتلة جماعيين؟
بعد عشرة أشهر من حرب الإبادة الجماعية التي لا هوادة فيها، من المستحيل تجنب الاستنتاج بأن الدولة والمجتمع الإسرائيليين شركاء في الإبادة الجماعية. والصورة التي تظهر هي إبادة جماعية من الأعلى ومن الأسفل.
في العام 1996 نشر دانييل جوناه جولدهاجن كتابا اقترح فيه إعادة كتابة تاريخ الهولوكوست. وكانت النقطة المحورية في الكتاب أن الإبادة الجماعية النازية أصبحت ممكنة في المقام الأول بسبب وجود شكل عميق من أشكال “معاداة السامية الشيطانية” التي تسربت إلى المجتمع الألماني. فلم يكن هتلر والنظام النازي يحرضون ضد اليهود، بقدر ما كانوا ببساطة يمنحون الألمان العاديين الضوء الأخضر للتصرف وفقا لمواقفهم الخبيثه المعادية السامية بالفعل التي تبرر الإبادة الجماعية .
وبدون هذا الشكل من “معاداة السامية الإقصائية”، والتي كانت وفقا لجولدهاجن جزءا أساسيا من نسيج المجتمع الألماني قبل فترة طويلة من وصول النازيين إلى السلطة، لما كان الهولوكوست ممكنا.
كان كتاب جولدهاجن “جلادو هتلر المستعدون” من أكثر الكتب مبيعا على مستوى العالم. كان هذا الكتاب يهدف إلى إزاحة ما كان يعتبر في السابق الفهم التقليدي بين العلماء لدوافع الجنود الألمان الذين نفذوا الإبادة الجماعية النازية ــ أنهم كانوا في الأساس “رجالا عاديين” بلا أي تلقين أيديولوجي قوي بشكل خاص، وأنهم وجدوا وسيلة لتبرير مشاركتهم في أعمال بربرية بشرية تحت أوامر النظام النازي. وإن كان ذلك عن طيب خاطر وحماس في كثير من الحالات.
وكان أحد أهم الأعمال التي فحصت عقلية الجنود الألمان دراسة كريستوفر براوننج لكتيبة الشرطة الاحتياطية 101- وهي قوة شبه عسكرية متنقلة من المدنيين السابقين – الذين تحولوا إلى “قتلة محترفين” ارتكبوا جرائم قتل جماعي لعشرات الآلاف من اليهود البولنديين في غضون بضعة أشهر في العام 1942.
كما فحصت دراسة دانييل جولدهاجن كتيبة الشرطة الاحتياطية 101، لكنها حددت لنفسها هدف دحض تفسير براوننج لكيفية تحول هؤلاء الألمان العاديين إلى “جلادين طوعيين”. بالنسبة لجولدهاجن، كان ما أسماه “التفسير الأحادي السبب” بأن هؤلاء الجنود كانوا معادين للسامية بالفطرة كافيا لفهم كيف كانوا قادرين على ارتكاب مثل هذه الفظائع.
أحد الأسباب التي جعلت كتاب جولدهاجن يحظى بهذا القدر من الاهتمام الواسع النطاق، هو أنه كان بمثابة لائحة اتهام للمجتمع الألماني بشكل عام، حيث اقترح تحميل كل ألماني المسؤولية الفردية عن المحرقة بدلا من إلقاء اللوم حصريا على عاتق النظام النازي.
انتقد معظم علماء الهولوكوست جولدهاجن بشدة بسبب روايته المفرطة في التبسيط والاختزال، والتي اعتقدوا أنها تسطح العمليات التاريخية المتنوعة التي جعلت مثل هذا العمل المنهجي من القتل الجماعي ممكنا.
في كلمة براوننج الختامية لكتاب “رجال عاديون”، قال إن العديد من ملاحظات جولدهاجن حول التطوع الذي أظهره الجنود الألمان في مذبحة اليهود كانت غير أصلية، ولا تتعارض مع العديد من الأفكار التي وضعها المؤرخون من قبله.
وفي هذا الصدد أشار براوننج إلى رواية راؤول هيلبرج الموثوقة عن الهولوكوست، “تدمير اليهود الأوروبيين”، والتي أكدت أن القتلة “لم يكونوا مختلفين في تكوينهم الأخلاقي عن بقية السكان. لم يكن الجاني الألماني نوعا خاصا من الألمان”، بل كان قادما من ” مقطع عرضي ملحوظ من السكان الألمان”. [1]
يعتقد هيلبرج أن أطروحة جولدهاجن قد ضعفت بسبب عاملين مهمين: –
– ” لم يكن كل مطلقي النار ألمانا “…
– ” ولم يكن كل الضحايا يهودا”.
– ولكن الأهم من ذلك أن تصوير جولدهاجن لـ”الشيطان الكامن في العقل الألماني” الذي اتخذ شكل “مذبحة كبرى على أيدي الرماة والحراس” جعل الأمر يبدو وكأن الهولوكوست كان “مأجورا” بدلا من أن يكون مدروسا ومنهجيا:
”كل شيء آخر، بما في ذلك غرف الغاز التي مات فيها مليونان ونصف المليون يهودي دون أن يلاحظهم الجناة ،ثانوي، مجرد “خلفية” للمذبحة تحت السماء المفتوحة”.
ويكمن الخطر نفسه في استخلاص استنتاجات مماثلة حول المجتمع الإسرائيلي اليوم.
قد يكون من المغري أن نستنتج، بعد عشرة أشهر من الحرب الإبادة الجماعية المتواصلة، وشهادات لا حصر لها من الضحايا عن القتل العشوائي والإعدامات الجماعية والاغتصاب المنهجي في السجون، وعشرات مقاطع الفيديو على تيك توك من الجنود الإسرائيليين المبتهجين الذين يتفاخرون بتدميرهم للبنية التحتية المدنية، ومؤخرا أعمال الشغب والتمرد من قبل الإسرائيليين بذريعة الحق في تعذيب واغتصاب السجناء الفلسطينيين دون عواقب، أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من كراهية شيطانية وإقصائية ضد الفلسطينيين تعود إلى الصهيونية نفسها.
ما من شك أن هذه الملاحظات ليست خاطئة. ولكنها لا تشكل القصة كاملة. فكما خلقت غرف الغاز النازية خط تجميع روتيني للموت يعزل الجناة عن الضحايا، كذلك الحال مع أحدث ابتكارات إسرائيل التكنولوجية من خلال استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف بشكل فضفاض لإسقاط القنابل من مسافة بعيدة.
ولكن بما أن الجيش الإسرائيلي هو جيش شعبي يتألف من شريحة كبيرة من السكان الإسرائيليين، وبما أن العديد من الفظائع على الأرض في غزة كانت نتاجا للتطوع الفردي للجنود الإسرائيليين ــ وقد فسرت منافذ إسرائيلية مثل صحيفة هآرتس ومجلة +972 هذا باعتباره “قواعد اشتباك متساهلة” ــ فمن المستحيل تجنب الاستنتاج بأن الدولة والمجتمع الإسرائيليين شريكان في الإبادة الجماعية. إنها إلى حد كبير إبادة جماعية من الأعلى ومن الأسفل.
حول الإقصاء الصهيوني
إن رسم المقارنات التاريخية أمر صعب دائما، وخاصة لأن الأنظمة السياسية ودوافعها الأساسية لارتكاب الفظائع أثناء الحرب تختلف بشكل كبير. إن نوع التفوق العرقي الامبريالي الألماني الذي كان جزءا من الإبادة الجماعية لليهود الأوروبيين، كان مختلفا عن الحتمية الاستعمارية الاستيطانية المتمثلة في “إبادة السكان الأصليين” التي ميزت الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية في الأميركيتين على يد المستعمرين الأوروبيين، أو حتى التطهير العرقي للفلسطينيين على يد الحركة الصهيونية في العام 1948 ، أو الإبادة الجماعية في غزة اليوم.
ولكن على الرغم من هذه الاختلافات، ما يزال هناك خيط مشترك يمر عبرها، وبالتالي يصبح إجراء هذه المقارنات أمرا لا مفر منه.
على الرغم من كل التحريفات التي ارتكبها جولدهاجن للعمليات التاريخية التي جعلت تدمير يهود أوروبا ممكنا، فإن المناقشة التي أثارها عمله مفيدة في الفهم لمظاهر الإبادة الجماعية الحالية للمشروع الصهيوني، وكيف تنعكس في مواقف “الإسرائيليين العاديين” المجندين للحرب.
سيكون من الصعب أن تلوم الناس على التوصل إلى هذا الاستنتاج عند فحص العقائد التأسيسية للصهيونية، من “الجدار الحديدي” لجابوتنسكي إلى لجان الترحيل ليوسف فايتز، وصولا إلى النكبة ، والإبادة الجماعية في قطاع غزة اليوم. من الصعب أن لا نستنتج أن كل هذا هو النهاية المنطقية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وأن عامة الناس في إسرائيل مصابون الآن بأحد مظاهره الإقصائية بشكل خاص.
وكأنهم يؤكدون هذا الاستنتاج ، فعندما انتشرت أنباء عن احتجاز الشرطة العسكرية لتسعة جنود إسرائيليين يشتبه في اغتصابهم الجماعي لسجين فلسطيني في مركز الاحتجاز سيئ السمعة سدي تيمان لاستجوابهم، توافد المتظاهرون الإسرائيليون الغاضبون إلى السجن بسبب احتجاز الجنود، الذين أطلقوا عليهم لقب “الأبطال”. وبعد فترة وجيزة، أصبح السؤال حول ما إذا كان من المشروع اغتصاب السجناء الفلسطينيين موضوعا جديا للمناقشة في الكنيست.
ولكن تماما كما أخطأ جولدهاجن في التركيز على مثل هذا التفسير الأحادي السبب، فسيكون من الخطأ تجاهل كيف تعايش هذا المرض الحقيقي في المجتمع الإسرائيلي أيضا مع البر الليبرالي الذي تجسده منافذ مثل هآرتس ومجلة +972، والتي على الرغم من كل ادعاءاتها بفضح الفظائع الإسرائيلية في قطاع غزة من خلال المقابلات مع أفراد الجيش، فقد شاركت أيضا في تصنيع الموافقة على الإبادة الجماعية داخل المجتمع الإسرائيلي، وبين الإسرائيليين “الليبراليين”. لا تنظر إلى أبعد من المقالات الافتتاحية والتحليلات التي كتبها مساهمو هآرتس مثل عاموس هاريل، الذي دعا إلى حرب الإبادة الجماعية منذ اليوم الأول، أو الاستمرار في نشر الدعاية الفظيعة المرتبطة بالاغتصاب الجماعي.
والأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الرواية الإعلامية الداخلية الإسرائيلية تم تشكيلها بنشاط أيضا من قبل الحكومة الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين، الذين لعبوا أدوارا رئيسية في التحريض على الإبادة الجماعية. ولكن من المؤكد أنه من الصعب القول إنهم لم يزرعوا الأرض الخصبة بالفعل. فقد كان المجتمع الإسرائيلي مستعدا بعد صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر/، وكان النظام الصهيوني هناك للاستفادة منها إلى أقصى حد. وأصبح المجتمع والدولة متآمرين.
إبادة جماعية من الأسفل
إن الأفعال المركّزة للقسوة الإنسانية من جانب الجنود الإسرائيليين ليست بالأمر الجديد. فما أن بدأ الغزو البري لقطاع غزة حتى بدأ الفلسطينيون في الإبلاغ عما شهدوه. وقد تم التقاط بعض هذه المشاهد بالكاميرات ـ وتجاهلتها وسائل الإعلام الغربية على الفور ـ ولم يتم التقاط معظمها. ولكن كل هذه المشاهد كانت تُروى باستمرار من قِبَل الفلسطينيين الذين عايشوا الأهوال بأنفسهم.
وقد تناول هذا الموقع جزءا من هذه الجرائم، استنادا إلى حد كبير إلى شهادات الناجين، وحتى هذا يشمل مجموعة واسعة من الممارسات السادية، وأعمال العنف التي تظهر درجة عالية من المبادرة الشخصية من جانب الجنود الإسرائيليين.
في تشرين الثاني/نوفمبر/، أفاد فلسطينيون كيف أطلق جنود إسرائيليون النار بشكل تعسفي على الأطفال الذين كانوا في أحضان أمهاتهم أثناء فرارهم جنوبا على طول شارع صلاح الدين، مما أجبرهم على إلقاء أطفالهم على جانب الطريق ومواصلة المسيرة. وأجبر جنود آخرون المعوقين والأشخاص الذين يستخدمون العكازات على المشي دون مساعدة، وعندما سقطوا على الأرض، أجبروهم على الزحف عبر نقطة التفتيش. وأجبر الجنود آخرين على خلع ملابسهم والزحف إلى خندق، حيث قُتل بعضهم بالرصاص. وأجبر آخرون على الجلوس في الخندق لساعات بين جثث آخرين تم إعدامهم، قبل السماح لهم في النهاية بمواصلة طريقهم .
في شباط/فبراير/، أفاد سكان غزة كيف اتبع الجنود الإسرائيليون والطائرات بدون طيار الهجومية سياسة إطلاق النار المفتوح التي تستهدف أي شخص يسير في مناطق محددة، وغالبا ما تقتل الأمهات بجوار أطفالهن أثناء فرارهن من القوات الإسرائيلية.
في آذار/مارس /أطلق الجنود الإسرائيليون النار على سكان غزة الجائعين الذين كانوا يسعون للحصول على المساعدة من قوافل الغذاء، فقتلوا المئات فيما أصبح يُعرف باسم “مجزرة الدقيق”.
كما اختطف جنود الاحتلال المدنيين بشكل روتيني وعذبوهم تعسفيا،وفي بعض الأحيان تم اعتقالهم ونقلهم إلى مكان بعيد في جزء آخر من غزة، حيث تم تجريدهم من ملابسهم ثم إجبارهم على السير عائدين إلى ملاجئهم في ظلام دامس في منتصف منطقة حرب. وتم تجنيد آخرين قسرا كطُعم، ودروع بشرية.
خلال الاجتياح الأول لمستشفى الشفاء في تشرين الثاني/ نوفمبر/ ، أطلق جنود الاحتلال النار على الطاقم الطبي والمرضى عندما حاولوا إخلاء المستشفى. وعندما حاول آخرون الخروج لمساعدتهم، تم إطلاق النار عليهم أيضا وتركهم ليتحللوا في ساحة المستشفى وتأكلهم الحيوانات الضالة.
وخلال الاجتياح الثاني لمستشفى الشفاء في آذار/مارس/ أطلق جنود الاحتلال النار على المرضى في أسرتهم ، وعلى الأطباء الذين رفضوا التخلي عن المرضى، وفصلوا الناس إلى مجموعات بأساور مختلفة الألوان، وأعدموا مئات الموظفين الحكوميين المدنيين الذين تجمعوا في المستشفى لتلقي الرواتب.
في مستشفى ناصر، اكتشف الفلسطينيون عدة مقابر جماعية في نيسان/ أبريل /تشير إلى أن الإسرائيليين أعدموا موظفي المستشفى والمرضى. وعُثر على بعض الجثث والقسطرة الطبية ما تزال متصلة بها، وبعضها الآخر كانت أيديها مقيدة.
كل هذا مجرد غيض من فيض، ولا شيء منه يمس حتى آلية الموت الأوسع نطاقا التي أحدثتها السياسة العسكرية الرسمية. والهندسة المتعمدة للمجاعة، وقصف المخابز والمساعدات الإنسانية. واستهداف المستشفيات بغرض تسريع الانهيار الاجتماعي نظرا للدور المحوري الذي تلعبه مستشفيات غزة كمراكز للمجتمع المدني أثناء الحرب. وقصف المدنيين الفارين على طرق الإخلاء. وتدمير اقتصاد قطاع غزة. وتدمير النظام الصحي. والتعذيب والاغتصاب والإهانة والإبادة الجماعية للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وبالطبع القصف الشامل لكل جزء تقريبا من قطاع غزة بالقنابل التي تهدف إلى محو أحياء بأكملها.
بعد أشهر عديدة من ظهور هذه التقارير من الفلسطينيين، نشرت بعض المنافذ الإعلامية الإسرائيلية والغربية الليبرالية روايات تستند إلى شهادات مجهولة من جنود ومسؤولين عسكريين أكدت ما كان الفلسطينيون يقولونه بالفعل.
في أيار/مايو /، نشرت شبكة سي إن إن تقريرا يستند إلى شهادة المبلغين الإسرائيليين عن المخالفات، والذي يفصل تعذيب السجناء في سدي تيمان. وتبعته صحيفة نيويورك تايمز بتقرير آخر في حزيران/يونيو / يفصل روايات مماثلة من السجن، بالإضافة إلى روايات عن الاغتصاب. ونشرت مجلة +972 عدة تقارير عن أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة التي تستخدمها إسرائيل لاستهداف المدنيين عمدا ، مثل لافندر، والإنجيل، و”أين بابا”.
وفي آذار/مارس/، نشرت صحيفة هآرتس تحقيقا كشف عن كيف كان الجنود الإسرائيليون، “بدون قواعد اشتباك”، يطلقون النار على المدنيين العزل الذين يتعثرون في “مناطق قتل” محددة بشكل تعسفي، وأنهم كانوا يُمنحون حرية كاملة لإطلاق النار على أي شيء يتحرك بمجرد رؤيته، حتى عندما يتم التعرف عليهم كمدنيين لا يشكلون أي تهديد عسكري.
وأكد تقرير آخر في تموز/يوليو/ في +972 سياسة إطلاق النار هذه، موضحا بالتفصيل كيف كان الجنود يقتلون الناس ويعدونهم بعد وفاتهم “إرهابيين”. كيف تراكمت هذه الجثث على جوانب الطرق حتى اضطرت في نهاية المطاف إلى دفنها وإخفائها عندما مرت القوافل الإنسانية. وكيف – حتى عندما لم تكن هناك أوامر صريحة بالانتقام من المدنيين – كان القادة الميدانيون يغضون الطرف عمدا ويعطون مرؤوسيهم الضوء الأخضر لفعل ما يريدون (مرة أخرى، يطلق +972 على هذا بشكل ملطف قواعد اشتباك متراخية). وكيف أحرق الجنود الإسرائيليون منازل الفلسطينيين من أجل المتعة عندما حققت هذه المنازل غرضها العملياتي.
الصورة التي تظهر متعددة الأوجه، حيث يمكن العثور على مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية في كل من أعلى وأسفل التسلسل الهرمي العسكري.
بطبيعة الحال، من المفيد لإسرائيل أن تركز فقط على الأخير، لتصويرهم باعتبارهم انحرافات في السياسة العسكرية وليست امتدادا عضويا لها.
لكن “قواعد الاشتباك المتساهلة” ، إلى جانب التحريض الواضح على الإبادة الجماعية من قبل القادة والسياسيين الإسرائيليين تحكي قصة مختلفة.
يعرف القادة الإسرائيليون مجتمعهم وكان نتانياهو يعرف ما يمكن فهمه عندما توسل إلى الجنود الإسرائيليين “تذكروا ما فعله عماليق بكم”
وكان الرئيس حاييم هرتسوغ يعرف ما قد يستلزمه تفسير “عدم وجود مدنيين غير متورطين في غزة”.
إن تصريحات الإبادة الجماعية التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون كانت بمثابة مبادئ توجيهية عامة بدلا من الأوامر الرسمية وسط غياب غريب لقواعد الاشتباك ـ أو بعبارة أخرى تشجيع “الإسرائيليين العاديين” في الجيش على الانتقام
ولم تأت هذه الرغبة في الانتقام من فراغ. بطبيعة الحال، لعبت العنصرية السابقة ضد الفلسطينيين بلا شك دورا في نزع الصفة الإنسانية عنهم، والتي كانت ضرورية لإنجاز ما فعلوه، ولكن هذه العنصرية تم تأجيجها إلى أبعاد شيطانية من خلال الانتشار المستمر والواسع النطاق للدعاية الفظيعة حول أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ ، والاستفادة من الغضب والرغبة في الانتقام بين الإسرائيليين الذين سيتم تجنيدهم قريبا في الجيش لحملة الإبادة الجماعية.
ربما كانت إسرائيل في فترات أخرى من التاريخ الاستعماري الصهيوني راضية بحكم الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثانية في ظل نظام الفصل العنصري- كما فعلت على مدى السنوات الخمس والخمسين الماضية- طالما لم يقاوموا بعنف شديد. إن إسرائيل قادرة على تنفيذ عملية تطهير عرقي بطيئة في غضون ذلك، ودفع الفلسطينيين إلى جيوب أصغر حجما حتى يضطروا إلى المغادرة من تلقاء أنفسهم.
وفي فترات تاريخية أخرى ، وخاصة أثناء الحرب، كان بوسع إسرائيل أن تطرد الكثير من الفلسطينيين من أراضيهم بشكل جماعي، كما فعلت في عامي 1948 و1967.
ولكن بما أن النمط الصهيوني للاستعمار الاستيطاني يرغب في استبدال السكان الأصليين بالكامل، فمن المنطقي أن يكون اللجوء إلى الإبادة الجماعية خيارا دائما إذا وصلت المقاومة الفلسطينية إلى المستوى الذي وصلت إليه في نهاية المطاف في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ ــ أي ضرب قلب عقيدة الردع الأمنية الإسرائيلية وصورتها المصاغة بعناية كجيش لا يقهر.
وما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ تجاوز إلى حد كبير ما كان بوسع إسرائيل في احتقارها الاستعماري أن تتخيل أن الفلسطينيين قادرون على تحقيقه.
ملاحظات
[1] مقتبس من: هيلبرج براوننج،
عاديون، ص 11. 192.
[2] براوننج، رجال عاديون، ص 200-201.
فارس جقمان رئيس تحرير مجلة موندويس.
المصدر: https://mondoweiss.net/2024/07/netanyahus-willing-executioners-how-ordinary-israelis-became-mass-murderers/?fbclid=IwY2xjawEXdmpleHRuA2FlbQIxMQABHRAKx4KuMPWy28hk9QCKbSysK7oiwVFiWCVp-mGLCVQy1Plki2rLn9J1gA_aem_YhfRvnE4aVQdvipRD3ALsQ
2024-08-02