تونس – عن الأوضاع بعد 2010!
الجزء الثاني من ثلاثة أجزاء – بحثًا عن مقومات السيادة
الطاهر المعز
مقدّمة:
جرت انتخابات رئاسية يوم السادس من تشرين الأول/اكتوبر 2024، في ظل مناخ وصفه المُعارضون بالقَمْعِي بفعل تقلّص أو إلغاء المكتسبات الدّيمقراطية، من بينها تجريد المحكمة الإدارية من صلاحياتها في النزاعات الإنتخابية وحل المجلس الأعلى للقضاء، وإلغاء الضّوابط القانونية وأجهزة الرقابة المُؤسّسية، وفصل عشرات الموظفين، من بينهم قُضاة، واعتقال سياسيين مُعارضين وإعلاميين، باسم محاربة الفساد، وانعكس هذا المناخ على نسبة مشاركة المواطنين في الإنتخابات، حيث انخفضت نسبة المُشاركة بعد سنة 2019، خلال الإستفتاء على الدستور الجديد وخلال جولة الإعادة لانتخاب البرلمان الجديد، بفعل عدم وجود مقترحات أو برامج بخصوص مستقبل البلاد والمواطنين وبسبب الوضع الإقتصادي ( شُحّ السلع المدعومة وارتفاع أسعارها، وانقطاع الكهرباء والمياه…) ورغم رفع شعار محاربة الفساد، استمرّ الفساد والرّشوة، وتدهْوَرَ الوضع المالي للدّولة التي أصبحت قواتها المسلحة تحرس حدود الإتحاد الأوروبي، مقابل بعض الفتات، لِمَنْع تدفُّق فُقراء إفريقيا بحثًا عن عمل في أوروبا
أما نتيجة الإنتخابات فهي غير مُهِمّة في حد ذاتها ولذلك فإن الفقرات الموالية تُركّز على الوضع الإقتصادي وعلى مدى التّغيير الذي حصل منذ انتفاضة 2010/2011، أو ماذا تحقّقَ من مطالب مواطني المناطق المحرومة التي أطْلقت انتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2010 والإنتفاضات التي سبقتها، من “انتفاضة الخُبْز” بنهاية 1983 وبداية 1984 إلى سيدي بوزيد 2010، مرورًا بانتفاضات الحوض المنجمي وبنقردان وغيرها…
الدّيْن العام (دّيُون الدّولة والقطاع العام)
تعيش تونس مصاعب مالية خانقة بسبب ارتفاع حجم ديونها وتراجع مداخيلها من العملة الصعبة وصعوبة النفاذ إلى السوق المالية الدولية للاقتراض خاصة في ظل تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدار 4 سنوات
تُقدّر قيمة الدّيُون الواجب على الدّولة التونسية تسديدها سنة 2024 بنحو 25 مليار دينار (حوالي ثمانية مليارات دولارا)، وأعلنت وزيرة المالية التونسية، في بداية شهر تموز/يوليو 2024، خلال جلسة للبرلمان، أن الحكومة سددت قروضا خارجية مستحقة بقيمة 11.6 مليار دينار (3,7 مليارات دولار) من القروض الخارجية خلال النصف الأول من العام 2024، ولجأت الدّولة إلى اقتراض نحو 173 مليون دولارا ( إضافة إلى 16 مليون دولارا خلال شهر أيار/مايو 2024) من المصارف المحلية لتمويل الميزانية الدولة.
تتميز البلاد، سنة 2024 بتواضع الموارد وضُعف قيمة الإستثمار والإدّخار، وارتفاع حجم الدّيون، وانخفاض إنتاج السلع الغذائية جراء الأضرار التي لحقت القطاع الفلاحي بفعل استفحال الجفاف، مع ارتفاع حجم الدّيون وارتفاع حصّة الدُّيُون التي يحل أجل سدادها بالعملات الأجنبية، سنة 2024، في ظل انخفاض مخزون احتياطي النقد الأجنبي، وانخفاض سعر صرف العملة المحلية ( الدينار)، ويتوجّب على الدّولة التّونسية – وفق وثيقة الموازنة العامة لسنة 2024 – تسديد مبلغ أربعة مليارات دولارا من الديون الخارجية سنة 2024، بزيادة 40% عن سنة 2023، وتتوقع الحكومة أن يرتفع حجم الدَّيْن العام سنة 2024 إلى نحو 140 مليار دينار أو ما يُعادل 45,1 مليار دولار، أي نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحتاج موازنة تونس لسنة 2024 تمويلات كبيرة بنحو 28,7 مليار دينار تونسي ( أكثر من ثماني مليارات دولارا) منها 16,44 مليار دينار تمويلات خارجية (أكثر من 5 مليارات دولار)، خاصة بعد تقهقر التصنيف السيادي لتونس من قبل وكالات التصنيف، وكشفت تقرير الحكومة حول مشروع موازنة سنة 2024، أن خدمة الدين متوسط وطويل المدى، سترتفع من 20,8 مليار دينار (6,7 مليارات دولار) سنة 2023، إلى 24,7 مليار دينار (8 مليارات دولار) سنة 2024، وتبلغ الفجوة التمويلية لسنة 2024 – أي الفارق بين المُتَوَفِّر والمطلوب الواجب توفيره – 14 مليار دينار (4,5 مليار دولار) تحاول الحكومة الحصول عليها من الخارج، بالعملات الأجنبية، بينما يمكن للحكومة الضغط على الأثرياء الذين قدّر صندوق النقد الدّولي حجم تهرُّبهم من الضّرائب بنحو 3,5 مليارات دولارا…
بدأت نقاشات ميزانية 2024 من قِبَل أعضاء مجلس النواب الذين تم انتخابهم بنسبة منخفضة جدّا يوم الجمعة 17/11/2023، وأظْهَرت “إن مشروع قانون المالية لسنة 2024، لم يتضمن إجراءات لتطوير الاستثمار ولم يعكس إرادة حقيقية للتعويل على الذات بل ارتكز أساسا على الاقتراض والموارد الجبائية لتعبئة خزينة الدولة…” وفق تعبير العديد منهم…
استضافت تونس بعثةً من صندوق النقد الدّولي بنهاية سنة 2023، في إطار “المُراجَعَة الدّورية” من أجل “تقييم أحدث التطورات الاقتصادية”، وفق صندوق النّقد الدّولي الذي أدّت شُرُوطه المُجحفة ( منها إلغاء الدّعم ) إلى تعثّر حصول الحكومة التونسية على القسط الأول من قرض بقيمة 1,9 مليار دولارا، رغم الموافقة المبدئية للصندوق منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، وسبق أن أعلن ناطق باسم الصندوق إن حكومة تونس لم تُقَدّمْ برنامجًا بديلاً للتفاوض مع الصندوق، وفق مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، وتبحث حكومة تونس عن بدائل محلية لمجابهة المصاعب الإقتصادية الناجمة عن تخريب الإقتصاد من قِبَل التحالف الذي قادة الإخوان المسلمون طيلة عشْر سنوات، قبل انتشار وباء كورونا وارتفاع نسبة التضخم لتفوق 9% خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023 ( 9,3% خلال شهر آب/أغسطس) واستمرار الجفاف للسنة الثالثة على التّوالي، ما خَلَقَ أزمة اقتصادية حادة…
قدّمت وزارة المالية المشروع الأولي لميزانية سنة 2024 (سنة الانتخابات الرئاسية خريف 2024) بعنوان “الفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع موازنة الدولة لسنة 2024″، في هذا المناخ الإقتصادي الصعب، وارتفع حجمها من 69,6 مليار دينارً سنة 2023 إلى 71,7 مليار دينارًا سنة 2024 أو ما يَقِلُّ قليلاً عن 24 مليار دولارا، بزسادة 4,5% عن سنة 2023، وهي نسبة تقل عن مُعدّل التّضخم، أي بانخفاض القيمة الحقيقية للميزانية التي تُشير إلى “عدم القيام بتعديلات في أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات والكهرباء”، خلافًا لموازنة العام 2023، ورغم الرّفض المُعْلَن لشروط صندوق النّقد الدّولي، لا تختلف سياسات الحكومة الحالية والسابقة عن السياسات الليبرالية التي يشترطها الصندوق، من ذلك اعتزام الحكومة، خلال سنة 2024، ” خفض فاتورة الأجور العامة من 14,4% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 إلى 13,5% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024، وترشيد الزيادات في الأجور وحصر باب التشغيل للقطاعات ذات الأولوية”، ويتوقع أن ترتفع نسبة النمو من 0,9% سنة 2023 إلى 2,1% سنة 2024 وخفض عجز الميزانية إلى 6,6%، وقُدِّرَ حجم الإحتياجات المالية بنحو 7,81 مليار دولارا، من بينها 5,2 مليار دولارا من القُروض الخارجية، ومن العسير أن تحصل الحكومة على هذه المبالغ لأن الدّولة مُهَدَّدَة بالتّخلّف عن السّداد، وسجلت خدمة الدين الخارجي ارتفاعاً بنسبة 19,6% خلال الأشهر التسعة الأولى (من سنة 2023) على أساس سنوي، مقارنة بالسنة السابقة، وبلغت 7,6 مليار دينار أو ما يُعادل 2,39 مليار دولار، وفق بيانات المصرف المركزي، واعتمدت خطة التمويل الحكومية لسنة 2023 على أكثر من خمسة مليارات دولار من التمويل الخارجي، ووجب على الحكومة البحث عن تمويلات خارجية بحوالي 4,3 مليارات دولارا سنة 2024، في ظل وصول المفاوضات مع الصندوق إلى طريق مسدودة.، وأوردت وكالة “رويترز” تحليلا يُشير إلى استطاعة الحكومة الإستغناء عن قُرُوض صندوق النقد الدولي على المدى القصير، إذ وقعت الدّولة اتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي للحصول على مبالغ صغيرة – معظمها في شكل مُعدّات رقابة وقمع – لردع فُقراء إفريقيا ومنعهم من الهجرة بَحْرًا إلى دول جنوب الإتحاد الأوروبي، وهي اتفاقيات تتعارض مع السيادة…
تُشير التقديرات الرسمية إلى ارتفاع نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي من 0,9% سنة 2023 إلى 2,1% سنة 2024، في ظل تعثر أداء القطاع الفلاحي بسبب الجفاف الذي لا يزال مستمرًّا، حين بدأ مجلس النّوّاب (يوم الجمعة 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) مناقشة مشروع ميزانية الدولة، ومشروع الميزان الاقتصادي، ومشروع قانون المالية لسنة 2024، حتى يوم العاشر من شهر كانون الأول/ديسمبر 2024، وتجدر الإشارة إلى قِلّة الموارد الحكومية باستثناء العائدات الجبائية التي تُقدر قيمتها بأكثر من 44 مليار دينار أو ما يُعادل 14 مليار دولارا، بنسبة تُقارب 90% من العائدات الصّافية للدّولة، فأين عائدات الصّادرات والسياحة – التي يُصدّع لنا الإعلام والدّولة بها رؤوسنا كل يوم – ورغم إعلان ارتفاع عائدات السياحة بنسبة بلغت 47% طالبَ مُمثلو وكالات الأسفار والفنادق بامتيازات جبائية والإعفاء من الأداء على القيمة المضافة والمعاليم على الاستهلاك وزيادة الدّعم للفنادق وقطاع السياحة الذي لا يعرف أحد حجم إيراداته أو قيمة العملات الأجنبية التي تدخل البلاد بالفعل، لأن السائحين يُسددون ثمن الرحلات والإقامة الرخيصة إلى وكالات الأسفار الأجنبية…
أعلن رئيس الحكومة أمام نواب البرلمان يوم الجمعة 17/11/2023، “تَحَسُّنَ الميزان التجاري بفضل ارتفاع الصادرات بنسبة 7,5% مقابل تراجع الواردات بنسبة 3,7% غير إن حصة الدّيون الخارجية التي يحل أجل سدادها سنة 2024 تتجاوز أربع مليارات دولارا…” أما نقاشات النواب – الذين تم انتخابهم بنسبة منخفضة جدّا فأظهرت “إن مشروع قانون المالية لسنة 2024، لم يتضمن إجراءات لتطوير الاستثمار ولم يعكس إرادة حقيقية للتعويل على الذات بل ارتكز أساسا على الاقتراض والموارد الجبائية لتعبئة خزينة الدولة…”، وتُقدَّرُ الموارد غير الجبائية للدّولة بنحو 9,7% من إيرادات الميزانية أو نحو 4,76 مليار دينار، ولم يُعْلن رئيس الحكومة تفاصيل بخصوص “تحسين قدرة الدولة على استخلاص مواردها والتصدي للتهرب الضريبي وإدماج الاقتصاد الموازي في اتجاه دعم موارد الميزانية وتوسيع قاعدة الأداء”…
ارتفعت قيمة خدمة الدين الخارجي من 6865,6 مليون دينار خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2023، إلى 10,144,7 مليون دينار إلى غاية 31 آب/أغسطس 2024 ويُشكل الدّيْن الخارجي عبئا ثقيلا على المالية العامة، وبالتالي على المواطنين، فيما انخفض صافي الأصول بالعملة الأجنبية، رغم الإرتفاع الطّفيف لإيرادات السياحة وتحويلات العُمال التونسيين المُغْتَرِبِين، واضطرت الحكومة إلى تخفيض الواردات بالعملات الأجنبية، في ظل انخفاض قيمة الدّينار ( دولار واحد = ثلاث دينارات) مما يزيد من تكلفة السلع والخدمات المستوردة ومن العجز التجاري ومن الضغوط التضخمية ويزيد من تكلفة خدمة الدَّيْن الخارجي، وقد يُودّي تراكم هذه العوامل إلى تعميق الأزمة وإلى تباطؤ اقتصادي طويل الأمد…
يرزح اقتصاد تونس تحت عوامل سلبية عدة من أبرزها “الجفاف المستمر وتحديات التمويل الخارجي وتواصل تراكم الديون المحلية لأهم المؤسسات العمومية” وفق “تقرير المرصد الاقتصادي لتونس لخريف 2023” وأعلن البنك العالمي من خلال تقرير نشرَهُ يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 أن الاقتصاد التونسي “تباطأ في النصف الأول من العام رغم انتعاش قطاع السياحة الذي يُعتبر مساهماً أساسياً في نمو البلاد” الذي عرقله انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف، وتراجع إنتاج الكهرباء بسبب انخفاض منسوب مياه السدود، كما أعلن تقرير البنك العالمي “زيادة صادرات قطاعات النسيج والصناعات الآلية وزيت الزيتون”، ورغم هذه البيانات المتفائلة فإن الوقائع تُشير إلى ارتفاع نسبة الدين العام من أجمالي الناتج المحلي، من 67% سنة 2017 إلى 80 %سنة 2022 فيما توسّع عجز الموازنة العامة الذي كانت الحكومات المتعاقبة تُغَطِّيه بقروض جديدة، وأوردت التقارير الإقتصادية التي أصدرتها العديد من المصادر التونسية (معهد الإحصاء والمعهد التونسي للإستهلاك والمرصد التونسي للخدمات المالية…) أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تزداد سوءا من عام لآخر، مع استمرار نسق ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وفقدان الكثر منها وزيادة نسبة التضخم مقابل تدني قيمة الدّخل الحقيقي للأجراء والكادحين والفُقراء، وأدّت المصاعب الإقتصادية إلى استدانة حوالي 75% من الأجراء من المصارف وطلب قروض استهلاك لتسديد مصاريفهم اليومية وإيجاد سيولة مالية للعديد من النفقات، فضلاً عن الاقتراض الشخصي (السُّلْفة) من الأشخاص أو الشركات أو من الجمعيات من أجل تسديد أسعار الرعاية الصحية والطاقة وفواتير الكهرباء والماء وضرورات الإستهلاك اليومي وتعليم الأبناء، بالإضافة إلى القروض السّكنية وشراء السيارات، وقَدَّرَ مرصد الخدمات المالية نسبة تداين الأُسَر التونسية بنحو 34%، وإن المصارف تُشكل المصدر الأول للدّيُون بنسبة فائدة مرتفعة ( 10,6% في بدية سنة 2023 ) ولهذه الدُّيُون تداعيات وخيمة على تلك العائلات التي تُخصّص ما بين 40% و 60% من دخلها الشّهري لتسديد الدّيون وتلجأ – تمامًا مثل الدّولة – إلى الإقتراض مُجدّدًا لتسديد الدّيون السابقة وفوائدها المرتفعة وبلغت قيمة القُرُوض غير المُستخلصة قرابة 400 مليون دولارا سنة 2022…
يُعتَبَرُ الإقتصاد الموازي من ضمن المؤشرات السلبية لاقتصاد البلاد، لأن ارتفاع عدد العاملين في القطاع غير الرسمي إلى ما لا يقل عن 1,6 مليون شخص يُؤَدِّي إلى عدم تأمين العاملين اجتماعيا وصحيا وإلى حرمان خزينة الدّولة من الضرائب والأداء على الخدمات وقَدَّرَتْ منظمة العمل الدّولية خسائر البلاد بأكثر من ثلاثة مليارات دينار، أو حوالي مليار دولارا سنويا، وفق منظمة العمل الدّولية، ويشمل العمل في الاقتصاد المُوازي نحو 50% من الشباب والنساء بالخصوص، وأظهرت التجارب فشل تطبيق “وَصْفَة” صندوق النّقد الدّولي لدمج الإقتصاد الموازي من خلال مطاردة العاملين منهم في الساحات وأرصفة الشوارع، باسم “توسيع القاعدة الضّريبية”، وإهمال من يستوردون الحاويات ويُشرفون على الإقتصاد الموازي والإستفادة من البُنية التحتية وخدمات الدّولة والبلديات دون تسديد الضرائب ولا يُسدّدون رسوم الحماية الإجتماعية والصحية والتقاعد، وكشف المعهد الوطني للإحصاء إن 32% من إجمالي العاملين في تونس يعملون دون تغطية اجتماعية، إضافة إلى 7% يعملون لحسابهم الخاص دون ضمان اجتماعي و 2% يعملون في مشاريع عائلية، ويُقدّر البنك العالمي إن نصف العاملين في تونس يعملون في القطاع الموازي، أو حوالي 1,6 مليون عاملة وعامل، في حين يشمل التّشغيل الهَش 44,8% من العاملين سنة 2023، في المقابل، لا يتجاوز عدد المشتغلين نسبة 47%، وهم ممن تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وعددهم 8,7 مليون نسمة، بينما لم يتحصل 53% على عمل، وتظل نسبة التشغيل في تونس متدنية مقارنة بالبلدان ذات الدخل المتوسط في العالم.
موازنة 2025
بدأت وزارة المالية، منذ الرّبع الثاني لسنة 2024، إعداد موازنة 2025، تحت شعار التقشف والضغط على الإنفاق، في ظل ظرف اقتصادي ومالي حرج ودقيق يستوجب الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد على رغم بعض البوادر الإيجابية في ما يخص نمو القطاع الفلاحي وتطور عائدات السياحة وتحويلات المغتربين، فيما يُعاني الأُجَراء والكادحون والفُقراء من البطالة وانخفاض قيمة الدّخل الحقيقي وارتفاع الأسعار، تحت التهديد بتسريح الموظفين وبتجميد التوظيف في القطاع العام (باستثناء الشرطة) وتتناقض شعارات الحكومة مثل “دعم الاستثمارات العامة وتكريس الدور الاجتماعي للدولة والإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل وتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء ومواصلة مكافحة الإقصاء…” مع بعض القرارت، مثل “التحكم في التوازنات المالية العمومية وخفض عجز الموازنة، والتحكم في النفقات الجارية، وتجميد أو خفض كتلة الأجور وترشيد نفقات الدعم…”
تندرج موازنة 2025 ضمن المخطط التنموي للفترة 2023/2026، ومن المنتظر أن ترتفع من 77,8 مليار دينار (25 مليار دولار) سنة 2024 إلى نحو 79,8 مليار دينار (25,7 مليار دولار) سنة 2025، وتم تصميم الميزانية على أساس رفع حجم إيرادات الضرائب وخفض دعم الطاقة الغذاء والسلع والخدمات الأساسية، من 11,3 مليار دينار (3,6 مليار دولار) إلى 10,5 مليار دينار (3,3 مليار دولار)، في إطار ما يُسمّى “ترشيد النّفقات” بلغة صندوق النقد الدّولي، ورفضت الحكومة تطبيق اتفاقيات وقّعتها حكومات سابقة مع الإتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات الأُجَراء) كما ترفض الحكومة انطلاق مفاوضات اجتماعية جديدة لزيادة الأجور التي انخفضت قيمتها الحقيقية بفعل ارتفاع أسعار إيجار السكن والطاقة والسلع الغذائية والأدوية وغيرها،
جرى إعداد موازنة 2025، وسط مناخ اقتصادي رديء بفعل شح الإستثمارات وانخفاض نسبة النمو وارتفاع نسبة التضخم واستمرار الظروف المناخية غير المواتية لقطاع الفلاحة ( الجفاف المستمر منذ مواسم عديدة)، ويدّعي الإعلام الحكومي “العمل على مقاومة الفقر وضمان الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية لجميع الفئات من دون استثناء، واعتماد سياسة اجتماعية قوامها تكريس مبدأ تكافؤ الفرص وضمان العدالة الاجتماعية والإحاطة بالفئات الوسطى ومحدودة الدخل ودعم القدرة الشرائية للمواطن وتعزيز التمكين الاقتصادي للفئات محدودة الدخل والفقيرة…”، لكن هذه التصريحات الجوفاء تندرج في باب الدّعاية، لأن هذه “النّوايا” تتعارض مع أبواب الميزانية، ومع تأكيد سياسة التّقشّف وخفض الإنفاق الحكومي تحت مُسمّى “ترشيد الإنفاق”، فضلا عن قرارات تجميد أو خفض حجم الرواتب وعدد الموظفين في القطاع العام، وانسداد آفاق التشغيل الخ.
الفقر
ارتفع عدد الفقراء بتونس سنة 2022، وقَدّرت وزارة الشؤون الإجتماعية عددهم بنحو 963 ألف عائلة أي ما يعادل 4 ملايين تونسي، ولذلك تَضَمّن مشروع ميزانية 2024 الذي قدمته وزارة المالية منذ شهر آب/أغسطس 2023 زيادة عدد العائلات المنتفعة بمنحة تعويض الدّخل المحدود بنحو ألف عائلة إضافية وزيادة قيمة هذه المنحة لتبلغ 220 دينار شهريا أو حوالي 73,3 دولارا شهريا، وكان توسّع رقعة الفقر من العوامل التي جعلت الحكومة التونسية تُعلن مواصلة دعم للمواد الأساسية مع العمل على مقاومة المضاربة بالمواد الأساسية والمحروقات والكهرباء سنة 2024، سنة الإنتخابات الرئاسية، وقد تلجأ الحكومة إلى توريد المحروقات والسلع الغذائية ما يزيد من عجز الميزان التجاري، وإلى توفير الموارد عبر فَرْضِ زيادة الضرائب غير المباشرة (19% حالياً ) وخصوصًا الضرائب على شراء الدّخان والكُحول وبعض التجهيزات مثل السيارات وعلى المعاملات الإدارية والمالية وزيادة الأداء على أرباح الشركات الخ، وهو ما يحذّر منه صندوق النقد الدّولي الذي يعتبر إن الضرائب على أرباح الشركات (والقطاع الخاص كالأطباء والمحامين والصيادلة ومكاتب الإستشارات والمُحاسبة) “تَضُرُّ بيئة الأعمال وتُبْعِدُ الإستثمارات المحلية والأجنبية”…
يُهدّد الفقر مستقبل الشباب والأطفال، ففي تونس “يغادر المدرسة مائة ألف تلميذ سنوياً نصفهم لا يتمُّ مرحلة التعليم الأساسي”، وفق أُطْرُوحة الدّكتور بسّام عبيدة بعنوان “التسرب المدرس في المرحلة الإعدادية بتونس” – آذار/مارس 2021، وتُشير دراسات أخرى إلى وجود أكثر من مليون مراهق خارج المدارس التونسية، شكلوا فئة “هشة يصعب دمجها في المجتمع مهنياً”
ازدهار القطاع المالي والمصرفي
كشف التقرير المالي الخاص بالمصرف المركزي التونسي عن تحقيق أرباح صافية بقيمة 145 مليون دولار سنة 2021، وارتفعت إلى ما يعادل 230 مليون دولارا، خلال سنة 2022، أما مصدر هذه الأرباح – في ظل الأزمات المستمرة التي تُعانيها الحكومات المتعاقبة – فهي نتيجة لعمليات إعادة تمويل المصرف المركزي للمصارف المحلية التي تقترض منها الدّولة في شكل سندات خزانة أو قروض مُجَمَّعَة، وهو ما حصل في لبنان حيث أَثْرت المصارف على حساب الدّولة، فضلا عن عمليات تدخّل المصرف المركزي في شكل تسهيلات القروض بين المصارف ( إعادة التّمويل) لمدة تتراوح بين 24 ساعة وأسبوع، كما ارتفعت أرباح المصرف المركزي التونسي من خلال التدخّل في السّوق النّقدية وضخ السيولة للمنظومة المالية، كما مَثَّلَ رَفْعُ نسبة الفائدة الرئيسة إلى أكثر من 8% عاملا هامًّا في ارتفاع موارد المصرف المركزي سنة 2022 حيث يُؤَدِّي ارتفاع نسبة الفائدة الرئيسة إلى ارتفاع موارد المصرف المركزي، وارتفاع موارد المصارف التي تُقْرِضُ الدّولة من مدخرات زبائنها وودائعها أو من الإقتراض المُيَسّر من المصرف المركزي فقد ارتفعت حصة الأقساط التي سدّدتها الدّولة للمصارف من 116 مليون دولارا سنة 2021 إلى 131 مليون دولارا سنة 2022، وهي مبالغ يُسدّدها المواطن التونسي من الضرائب على الدّخل ( الضرائب المباشرة التي لا يُسدّدها سوى الأُجَراء، فيما يتهرب أرباب العمل والأثرياء من تسديدها) والضريبة غير المباشرة، على السلع والخدمات ونسبتها 19% حاليا، وكانت الحكومة التونسية قد وقّعت اتفاقية لتعبئة قَرْضٍ مُجَمّعٍ من قِبَلِ 12 مؤسسة مالية محلية بقيمة تعادل 130 مليون دولارا في بداية سنة 2023، كما لجأت الحكومة إلى الاقتراض بالعملات الأجنبية من السوق النقدية المحلية بسبب عدم قدرتها على الإقتراض من السوق المالية الدّولية، ويبلغ مجموع ودائع المصارف التونسية بالعملة الأجنبية لدى المصرف المركزي ثمانية مليارات دينار أو ما يعادل 2,85 مليار دولارا، يمكن للحكومة الإقتراض منها بفائدة أعلى من فائدة الودائع لدى المصرف المركزي…
السيادة الغذائية
لا يمكن الحديث عن الإستقلال والسيادة الوطنية دون إنجاز السيادة الغذائية التي تعني القُدْرة على إنتاج السّلع الغذائية الأساسية وتوفيرها للمواطنين بأسعار تتناسب مع الدّخل ( ووجب تضييق الفوارق الموجودة حاليا )، غير إن الحكومات المتعاقبة، منذ أكثر من خمسة عُقُود أهملت قطاع الفلاحة، وشجّعت الزراعات الكُبْرى التي تستنزف الأرض والمياه والموارد الطبيعية لإنتاج سلع مُعَدّة للتصدير وتلبية حاجة المُستهلكين الأوروبيين، قبل أن يُؤَدِّي الجفاف إلى انحسار منسوب الأمطار ومياه السّدود وشح المياه وعدم توفر أعلاف الحيوانات (المواشي والدّواجن)، علاوة على تراجع مساحات الفلاحة المَرْوِيّة، وقدّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، انخفاض الموارد المائية التقليدية في تونس بنحو 28% بحلول سنة 2030، وتراجع مساحات الأشجار المثمرة بنسبة 50% مع نهاية القرن الواحد والعشرين، وتراجع مساحة الزراعات الكبرى بنسبة 30% بحلول سنة 2030، كما أكدت دراسة أنجزتها وزارة البيئة سنة 2021 “إن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، مع نقص حاد في محاصيل الحبوب، بسبب الجفاف، وتراجع المساحات المزروعة بـ800 ألف هكتار، بحلول سنة 2030″، وإذا لم تبحث الحكومة الحالية والتي سوف تليها، مع المواطنين والمجموعات المُنَظَّمَة (أحزاب ونقابات وجمعيات…) برامج وخطط للتوعية وإجراءات عملية لتفادي تداعيات وخطورة التغيرات المناخية خطورة فإن الحديث عن السيادة الغذائية يُصبح لاغيًا، فنحن مُطالَبُون بالحفاظ على التوازنات البيئية وعلى الحد الأدنى من الموارد الطبيعية للأجيال القادمة
العلاقات الخارجية:
بعد أكثر من سنَتَيْن من التفاوض مع صندوق النقد الدّولي، فشلت الحكومة التونسية في الحصول على قرض، قد يَفْتَحُ الباب لقروض أُخْرى بنسب فائدة أقل بكثير من السوق المالية الدّولية، لأن حكومة تونس لا ترفض مبدأ خصخصة القطاع العام أو إلغاء الدّعم أو تجميد التوظيف والإنفاق الحكومي، ولكنها ترفض النّسق الذي يفرضه الدّائنون، ولما وصلت المفاوضات إلى طريق مَسْدُود، لجأت الحكومة إلى الإقتراض من المصارف المحلية ( أكثر القطاعات ربحية خلال ثلاث سنوات، بأرباح بلغت 13% على أساس سنوي) وكذلك إلى عقد شراكات مع روسيا والصين كمناورة من السلطات التونسية تجاه أوروبا، فيما تعتبر الصين هذا التّوجُّه خُطوةً مُكَمِّلَة لتواجدها في الجزائر والمغرب. أما الوقائع فتُظْهِرُ تَوَجُّهَ أكثر من 70% من الصادرات التونسية نحو أوروبا المجاورة ولا تتجاوز نسبة الصادرات إلى الصين 1% لذا يعسر على تونس حاليا – أو حتى خلال السنوات القليلة القادمة – أن تتخلص من هيمنة الإتحاد الأوروبي الذي يُعبِّرُ مسؤولوه عن الإنزعاج من توجُّه أي شريك نحو الشرق، لكن قد تكون هذه الخطوات التونسية الصّغيرة مُجَرّد مناورةٍ أو ضرورةٍ فرضتها الأزمةُ الماليّةُ للبلاد، وتندَرِجُ ضمن الرسائل التي يُوجّهُها الرئيس قيْس سعَيِّد إلى الإتحاد الأوروبي كَرَدٍّ على الإنتقادات الأمريكية والأوروبية بشأن وضع الحُرّيات الفردية في تونس، كذريعة لعرقلة حصول الحكومة التونسية على قَرْضٍ بقيمة 1,9 مليار دولارا، مع التّذكير إن الإتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتونس ويرتبط الطَّرَفَان باتفاقيات اقتصادية وتجارية مُكبِّلَة لتونس، مثل اتفاقية الشراكة الشاملة (أليكا) التي تُثِير قلق العديد من الأحزاب والمنظمات والنّقابات في تونس، كما تُشير الوقائع إلى ضُعْف الإستثمارات الروسية والصينية في تونس – رغم ارتفاع العجز التجاري التونسي مع روسيا والصين – مُقارنة باستثمارات شركات أوروبا ( خصوصًا فرنسا وإيطاليا وألمانيا) …
من جهة أخرى، قام الرئيس قيس سعيد خلال شهر أيار 2024 بزيارة إلى إيران، للمشاركة في تشييع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، تُوّجت بإعلان تأشيرة دخول المواطنين الإيرانيين إلى تونس، وفي نهاية مايو/أيار 2024 سافر سعيد إلى الصين للمشاركة في أعمال منتدى التعاون الصيني العربي، وتكللت زيارته بإبرام اتفاقيات اقتصادية في قطاعات متعددة، وصَرّح الرئيس التونسي إن تايوان جزء من الصين، كما قطعت تونس خطوات للتقارب مع روسيا التي زار وزيرها للخارجية تونس بنهاية سنة 2023، وأثارت هذه التحولات والتّوجهات التونسية نحو الشرق بعض القلق لدى مسؤولي الإتحاد الأوروبي، من ضمنهم “جوزيف بوريل” مُفَوّض العلاقات الخارجية الأوروبية
خطاب السيادة يفتقر إلى وقائع مادّيّة
تتعارض السيادة مع الإتفاقيات التي وقعتها الدولة التونسية مع الإتحاد الأوروبي بشأن “مكافحة الهجرة غير النّظامية من إفريقيا إلى أوروبا”، فأي سيادة للدولة التونسية إذا كانت جزءًا من حدود أوروبا وساحة لقمع وسجنًا للفقراء الذين يُحاولون الخروج من تونس باتجاه أوروبا، فالدّولة التونسية “تَخَلّتْ عن بعض مقومات سيادتها”، فالخطاب السياسي الحالي يستخدم مفهوم السيادة الوطنية، لتغطية عجز الدّولة على ضمان السيادة على أراضيها وعلى أمن المواطنين الغذائي والصحي، فالدولة تستورد حوالي 80% من حاجاتها من الحبوب ومن علف الحيوانات، وهي لا تستطيع تأمين الحبوب والخضر والغلال والطاقة والرعاية الصحية والأدوية والعمل والسكن والنقل في ظروف مريحة… . وما زال الاقتصاد التونسي، منذ تدشين عهد السياسات الليبرالية من قِبَل حكومة الهادي نويرة ( من 1970 إلى 1980) ، قائماً على القطاعات الهامشية والهشة التي تُعَمِّق التّبعية كالسياحة والإنتاج الزراعي الموجه للتصدير والتي تستنزف التُّربة والموارد المائية وتصدير المواد الخام…
تغيير نمط التنمية
يتطلب ملف الدين الخارجي الذي يثقل كاهل الأجيال القادمة حواراً واسعا داخل المجتمع، بدل الإستمرار في نهج الاقتراض الخارجي وتهديد مستقبل الأجيال القادمة، فلا معنى لمفهوم السيادة، عندما يكون اقتصاد البلاد تابعًا لرأس المال الأجنبي ولا معنى للسيادة الغذائية إذا كانت البلاد تستورد الغذاء، فهل يستقيم الحديث عن السيادة الوطنية في ظل الإرتهان المالي والإقتصادي (وبالتالي ارتهان القرار السياسي) إلى المؤسسات المالية الدّولية ونادي باريس وغيرهما، وما حدود السيادة وأدوات تحقيقها؟
يمكن الخروج من الحلقة المُفرغة للتداين المستمر واستيراد الضروريات كالطاقة والغذاء والدّواء، بانتهاج نمط تنمية بديل يعتمد على تجنيد الموارد الدّاخلية واستغلالها في الإستثمار في قطاعات منتجة كالفلاحة والصيد البحري وتوليد الطاقة من الرياح والشمس، واستغلال قُدرات البحث والإبتكار للقضاء على الفقر الذي فاقت نسبته 17% وعلى البطالة التي قُدّرت نسبتها ب 18% وعلى هجرة الكفاءات وذوي الخبرات من الأطباء والمهندسين والفَنِّيِّين وغيرهم…
تُظْهِرُ الأرقام الواردة في قانون المالية لسنة 2024 إن الدّيون التي يحل أجل تسديدها تبلغ 3,9 مليار دولارا ( 12,3 مليار دينار) ودأبت كل الحكومات السابقة والحالية على الإقتراض لتسديد الدّيون القديمة، ولذلك تُظهر الأرقام ارتفاع حجم الإقتراض الدّاخلي والخارجي من حوالي 22 مليار دينار سنة 2023 إلى حوالي 28,2 مليار دينار سنة 2024، دُون ذِكْرِ مصادر الإقتراض الخارجي، وعمومًا تُشكل الدّيون خطرًا كبيرًا على الدّولة ومواطنيها ومواردها، في ظل غياب أي برنامج حكومي بديل، فالدّولة تُواصل تقليص دور الدّولة – باستثناء الأمن – وخفض الإنفاق وخصخصة مؤسسات القطاع العام وخفض الضرائب على المصارف والشركات والأثرياء وإعفائهم من الرّسُوم مما يزيد من ثروة الأثرياء، في مقابل زيادة الفقر والبطالة إلى درجة تجعل شبانا في مقتبل العمر يغامرون بحياتهم بحثًا عن عمل وعن ظروف حياة أفْضَلَ…
قُدّرت قيمة التّهرب الضريبي بنحو 25 مليار دينارًا سنويًّا، وبدل العمل على تشديد الخناق على المُهَرِّبين – وهم قطعًا من الأثرياء ومن الشركات الكبيرة – تمنحهم الحكومة، من خلال الميزانية السنوية امتيازات جبائية، أي خفض الضرائب الذي يُؤَدِّي إلى خفض إيرادات الدّولة وإثقال كاهل الأُجَراء والفُقراء، عبر زيادة الضرائب على الدّخل وزيادة الضرائب غير المباشرة ( الضريبة على القيمة المُضافة أو ضريبة الإستهلاك)، فيما يُسدّد المواطنون قيمة الدُّيُون التي استفاد منها هؤلاء الأثرياء، ولذا من الضروري المُطالبة بإقرار الضريبة التّصاعدية، والمطالبة كذلك بإلغاء الدّيُون المُكبّلة بفعل الشّروط المجحفة التي ترافقها وبفعل التّدخّل المُستمر للدّائنين في الشؤون الدّاخلية للبلدان المُقترِضَة..
2024-10-09