ترامب… طموح فارغ وخطر وجودي: هوس المجد الشخصي واستنساخ عقلية الاحتلال الإسرائيلي!
ترجمة وتحرير / نسيم الفيل
في زمنٍ يزداد فيه الترويج للذات وقمع الحقائق، يبرز دونالد ترامب كنموذج صارخ لقائد مهووس بالمجد الشخصي على حساب مصلحة شعبه. لكن إرثه، الذي يتطلع إلى تخليده على شاكلة وجوه جبل راشمور، يبدو اليوم أقرب إلى كارثة تاريخية من أي إنجاز عظيم.
يقول ستيفن وولت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، في مقاله بمجلة «فورين بوليسي» إن ترامب جعل من منصب الرئاسة أداة لتضخيم صورته الشخصية، ساعيًا إلى نحت اسمه في التاريخ ولو على ركام الديمقراطية الأمريكية.
يختلف ترامب عن أسلافه الذين، على الرغم من غرورهم، سعوا لإرساء إرث نافع للبلاد. هو يريد كل شيء لنفسه، ولا يخجل من الإعلان عن ذلك. من تفاخره المكرر بذكائه الخارق، إلى رغبته الصريحة في الحصول على نوبل للسلام نكاية بأوباما، بل حتى اقتراحه الغريب بنحت وجهه على جبل راشمور.
والأخطر من كل ذلك أن سجله الرئاسي متخم بالإخفاقات. لقد أدار أزمة كورونا بفشل مذهل، زاد الدين الأمريكي بأكثر من 8 تريليونات دولار، أفسد علاقات واشنطن مع حلفائها التقليديين، وفشل في إقناع كوريا الشمالية بالتراجع عن برنامجها النووي. حتى الحرب في أفغانستان انتهت بمهانة وطنية، ليُطاح به لاحقًا بقرار شعبي صارم.
ومع ذلك، لا يزال الرجل يرى نفسه أعظم من لينكولن وواشنطن. ويصف وولت هذا الهوس بالوهم المقصود: فترامب أستاذ في خلق انطباعات زائفة. بدأ حياته بوراثة ثروة طائلة، أهدرها في إفلاسات متتالية وعمليات احتيال، لكنه سوّق نفسه كعبقري أعمال عبر برنامج تلفزيون الواقع، مبيعًا للعالم قصة نجاح ملفقة.
في جوهر طموحه، تظهر ملامح نفس الذهنية الاستعمارية التي جسدها الاحتلال الإسرائيلي لعقود: التوسع لأجل المجد، لا لأجل أمن أو مصلحة حقيقية. مثلاً، رغبته المعلنة في “شراء” غرينلاند لا تختلف كثيرًا عن مشروع الضم الإسرائيلي للأراضي المحتلة. لا اعتبار لإرادة السكان الأصليين، لا منطق أمني جاد، لا خطة اقتصادية واضحة، فقط وهم “توسيع الدولة” من أجل رفع راية “العظمة”.
ترامب تجسد في شخصه نزعة الهيمنة واحتقار القوانين الدولية. تماما كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي حين يقوض القانون الدولي، يهدد ترامب قواعد النظام الديمقراطي الأمريكي نفسه. يرى أن الرئاسة ملكية شخصية، لا خدمة عامة. يضغط من أجل الولاء الشخصي، يقوض المؤسسات المستقلة، ويروج نظريات المؤامرة لإسكات المعارضة.
يرى وولت أن هذه العقلية تشبه ما حذر منه الآباء المؤسسون في الدستور الأمريكي: الطموح الفردي الذي لا يردعه طموح مضاد، فيتحول إلى استبداد مدمر. فالدستور الأمريكي صُمم كي يجعل السلطة التشريعية رادعًا للسلطة التنفيذية. لكن ترامب يريد أن يقلب هذا النظام، تمامًا كما يقلب الاحتلال الإسرائيلي كل قرار أممي ينص على حقوق الفلسطينيين.
الحقائق الصلبة تقول إن ترامب لم يكن مفاوضًا محنكًا ولا مصلحًا شجاعًا. لم يقدم أفكارًا مدروسة لتحسين حياة الأمريكيين. لم ينجح في بناء بنية تحتية جديدة أو تقليل التفاوت الاقتصادي. بل على العكس، أدى حكمه إلى أمة أكثر انقسامًا، أقل احترامًا في العالم، وأكثر مديونية وفقراً ومرضا.
ومع ذلك، يملك موهبة شيطانية في إقناع مؤيديه بأنه بطل شعبي. هذه القدرة على خلق وهم الإنجاز رغم الحقائق المدمرة، هي أخطر ما في إرثه. تمامًا كما يروج الاحتلال الإسرائيلي لروايات براقة تخفي تحتها واقعا من القمع والتمييز والفصل العنصري.
يختم وولت تحليله بنبرة تحذيرية: التاريخ مليء بأمثلة قادة طموحين ذوي كاريزما فائقة، حوّلوا بلادهم إلى أنقاض من أجل مجد شخصي. نابليون، هتلر، ستالين، صدام حسين. هؤلاء لم يخلدهم التاريخ كعظماء، بل كدروس موجعة في خطر عبادة الفرد.
في النهاية، قد يقنع ترامب ملايين الأمريكيين بأنه عظيم، لكن الحقيقة ستبقى عصية على التزوير: رئيس مزّق القيم الديمقراطية، وأعاد إنتاج عقلية الاحتلال، وترك بلاده أضعف وأفقر وأشد انقساما. ولن تكون له أبدا عباءة العظمة الحقيقية، إلا إذا قبل الأمريكيون العيش في ظل دولة أقل ديمقراطية، وأكثر شبها بالأنظمة الاستعمارية التي كانوا يدعون معارضته
– عرب جورنال
2025-07-04