أنقرة وتل أبيب: صراع أم تقاسم…؟
سعادة مصطفى أرشيد*
لطالما كان أبو محمد الجولاني قائد الجماعات الإرهابية مصنّفاً مجرم حرب إرهابياً مطلوباً للعدالة ومسجلاً على قوائم الإرهاب العالمي ومتّهماً بارتكاب جرائم في العراق والشام، ومنها جريمة إحراق الطيار الأردني معن الكساسبة، ولكنه بعد مروره بمسار إنجليزي – خليجي شذّبت فيه لحيته وأعيد تشكيل ملامحه واختيار ملابسه تحول إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع منقذ دمشق من طغيان النظام السابق وهو الرجل الذي يلتقي الرئيس الأميركي ثلاث مرات في عامه الرئاسي الأول كان آخرها في البيت الأبيض وبعد أن تمّ شطب اسمه من قوائم المطلوبين للعدالة الدولية.
سبقت هذه الزيارة جهود أميركية لعقد اتفاق سوري (إسرائيلي) يعالج الملفات الأمنية الساخنة، وتوقع الجميع أن ذلك سوف يحصل في آب أو أيلول الماضي، وكان ذلك يجب أن يسبق زيارة الجولاني – الشرع إلى نيويورك لحضور جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن حكومة نتنياهو كانت تصرّ على جعل جبل حوران منطقة منزوعة من السلاح وخالية من الجيش السوري وعلى فتح طريق آمن بين الجولان المحتل والسويداء عاصمة الجبل، الأمر الذي لم يرق لأنقرة المشغّل الأول للجولاني – الشرع ولنظامه طالما أن حكومة نتنياهو لا زالت تعمل على شق طريق داوود الملتفّ على كامل الحدود السورية مع الأردن والعراق والذي يفتح الأبواب لإقامة الدولة الكردية في شمال الفرات، والتي تمثل تهديداً من الدرجة الأولى للأمن القومي التركي.
هكذا لا زال الخلاف التركيّ – الإسرائيلي هو سيّد الموقف على الأرض السورية وهو مَن يحدّد مسار السياسة في دمشق وبما أن الحرب واحدة والبلاد واحدة من غزة إلى دمشق إلى بيروت، فنرى كيف تتمّ ممارسة فنون الشطرنج بين أنقرة وتل أبيب، فقد صرّح الناطق الرسميّ باسم رئيس وزراء الاحتلال يوم أول أمس الأحد أن حكومة الاحتلال لن توافق على مشاركة الجيش التركي في أي قوات دوليّة لحفظ السلام في غزة والتي نصّت عليها قمّة شرم الشيخ (خطة ترامب)، تلك القوات التي من مهماتها نزع سلاح المقاومة الفلسطينية والسيطرة على قطاع غزة، وترى واشنطن أن المشاركة التركية مهمة جداً في هذه القوة إنْ بسبب تعاظم دور تركيا الإقليمي وإن بسبب تحالفها العميق مع الولايات المتحدة وإن بسبب قربها من حركة حماس وقدرتها على التأثير عليها.
هذا بدوره يتعارض مع ما قاله توم برّاك السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث صاحب الصلاحيات الواسعة في الملف اللبناني الذي أكد مراراً ضرورة مشاركة تركيا في القوات الدولية لحفظ السلام وهو ما سبق وتحدّث به نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس حيث وصف الدور التركي في غزة بالدور البناء.
ومع دخول أحمد الشرع دائرة الرضا الأميركي تتعاظم التهديدات الأميركية – الإسرائيلية للبنان دولة وجيشاً ومقاومة، مطالبة بنزع سلاح المقاومة، ويتبجّح وزير الحرب (الإسرائيلي) بعدد الخروق التي قامت بها حكومته لوقف إطلاق النار، ويعد بتصعيدها ملوّحاً بالحرب التي لا بدّ منها طالما يرى أن الدولة والجيش عاجزان عن نزع سلاح المقاومة، ويرى أن جيشه هو فقط القادر على ذلك، فهل نرى بعد زيارة الشرع للبيت الأبيض مرشحاً آخر مستعداً لنزع سلاح المقاومة، ولكن من الشرق هذه المرّة؟
من الواضح أن الإدارة الأميركية لا تزال تقف على المسافة ذاتها من تل أبيب وأنقرة في كامل الملفات السورية الشرق الأوسطية من دمشق إلى بيروت إلى غزة وهي ترى أهمية كليهما لخططها في التنفيذ، وهي فقط القادرة على تقسيم الحصص بين حليفيها التركي والإسرائيلي عندما يحين الوقت لذلك.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة
2025-11-12