لماذا ترفض الشعوب المتحضرة الخدمة العسكرية الالزامية؟
د. صلاح حزام
عندما ذكرت في منشور سابق ان الجيش لايمكن ان يكون مؤسسة عظيمة ،لاحظت ان بعض الاصدقاء المحترمين لم يكونوا موافقين على هذه التسمية وقالوا ان تصرف الضابط المسؤول بذلك الشكل هو تصرف فردي ولايعكس طبيعة المؤسسة .
اود القول ان الجيش بطبيعته لايشبه باقي المؤسسات، لانه مؤسسة عنيفة وظيفتها الحرب والقتل والتدمير اذا اقتضى الأمر.
لذلك فانه ليس مناسباً لكل الناس ، لان الطبائع والأفكار والعقائد والاستعدادات الجسدية تختلف بين الناس.
بعض الناس يكره العنف ولايستطيع إطلاق النار ولايتحمل التدريب.
بعضهم لديهم عقائد دينية تحرّم العنف والقتل .
أنا كنت اكره لفظ كلمة سيدي عندما اقولها لشخص لايساوي شيئاً سوى انه ضابط.
الخدمة العسكرية الالزامية تسوق هؤلاء جميعاً للجيش بالقوة دون اكتراث بالاختلافات فيما بينهم وتجبر الجميع على الخضوع لنفس القواعد والشروط والظروف.
انها استكمال لسياسة الخنوع والعبودية وكسر الكبرياء التي تبدأ في مدارسنا والتي تقوم بإعداد الناس لقبول هيمنة نظام القمع والتسلط.
لذلك الغت الدول المتحضرة فكرة الخدمة الالزامية وجعلتها تطوعية وبموجب عقد لفترة معينة قابل للتجديد او الالغاء، وبرواتب مجزية.
اصبح الجيش ميداناً لمن يجد في نفسه الرغبة والقدرة والاستعداد لأداء وظيفة الجيش العنيفة.
ماعدا حالات الحرب الشاملة التي تهدد البلد ، لاتوجد خدمة عسكرية الزامية.
نعم هنالك افراد من منتسبي الجيش يتميزون بالخلق ،ولكنهم استثناء وقلّة فقط.
كما ان الضباط الطيبين يُنظَر لهم باعتبارهم ضعفاء ، حتى من قبل الجنود وليس فقط من قبل زملائهم الضباط.
ملاحظاتي تستند على تجربتي مع الخدمة الالزامية وخدمة الاحتياط للفترة منذ العام ١٩٧٦ والى العام ١٩٩٥.
القول بأن الجيش يصنع الرجال ويعلم الناس على الانضباط ويحسّن سلوكهم، هو كلام تعوزه الدقة ، نعم انه يسحقهم ويحولهم الى كائنات خاضعة ومطيعة.
هنالك قول لتولستوي الأديب الروسي العظيم ورد في روايته
المشهورة : قصص من سيباستيبول ، يقول فيه :
(التقيت بمجموعة من الجرحى الأسرى من الجنود الانجليز. والفرنسيين في المستشفى وتحدثت اليهم.
كانوا مثقفين ولهم ثقة كاملة بأن دولهم سوف تستعيدهم وهم شجعان ويحبون اوطانهم ويفخرون بها مع انهم اسرى لدينا.
قارنتهم بجنودنا الذين هم قطعان من العبيد الذين ارهقهم الانضباط والقسوة الى حد الخَبَل ).
النظام العسكري في العراق، لايختلف عن نظام القياصرة الذي تحدث عنه تولستوي.
2021-11-22