عندما يتحول ظلم الرعيّة إلى أسلوب حياة!
د. عدنان عويّد
من المفارقات العجيبة في الأنظمة الشموليّة, أن يقوم الحكام في هذه الأنظمة بتشكيل الدستور على مقاسهم, وكذا الحال البرلمان والحكومة وقيادات الجيش, مثلما يحددون هم صيغ الحكم التي تناسب استمرارهم في السلطة. الأمر الذي سيؤدي إلى غياب الرقابة والمحاسبة والرأي والرأي الاخر, وهنا يُغَضُ النظر عن الفساد بكل أشكاله, ومنه نهب أمواد الدولة وانتشار الرشوة وقهر المواطن وظلمه وعدم السؤال عنه, إن جاع أو مرض أو شُرّد أو فقد أبسط مقومات حياته كالماء والكهرباء والطاقة, والتنعم بدفء الشتاء القارص وبرد الصيف اللاهب, وهو يرى أمامه تشكل طبقة من اللصوص وتجار الوطن والدين الذين راكموا الثروات الطائلة وبنوا القصور العظيمة وركبوا السيارات الفارهة دون سؤالهم من أين لك هذا.
نقول أمام كل ذلك: نجد الحاكم ومؤسساته الدينيّة توجه خطباء الجوامع أن يخاطبوا (الرعيّة) المسحوقة لتتمسك بالفضيلة والصبر على جوعها وحرمانها وفقرها ومرضها الذي حل عليها, كون ذلك كله ابتلاء من رب العالمين الذي يريد امتحان عباده الصالحين, ومدى قدرتهم على التحمل كونهم هم الذين سيحوزون في النهاية على دخول الجنة, وهناك سيعوضهم الله بكل ما فقدوه في حياتهم تحت مظلة هذه الأنظمة.. وهو الذي وعدهم بحور العين بدل من نسائهم اللواتي فقدن زهوهن وأهملن أنغسهن بسبب الفقر والجوع وشقاء الحياة . كما سيعوضهم بالمناخ اللطيف بدل برد الشتاء وحر الصيف الذي عانوه بسبب فقدان الكهرباء ووسائل الطاقة التي حرموا منها لسنوات طويلة, وسيجدون دون عناء البامية والبندورة والبطاطا والكوسة والفواكه مجاناً, بعد أن فقدوا القدرة على شرائها بسبب الغلاء الفاحش الذي كانوا يعيشونه, وسيؤمن لهم أنهارا من الخمر الفاخر العالي الجودة دون حساب, بدلا ً عن عرق (البطة) أو (أبو كلبجة) الذي لم يعد لديهم القدرة على شرائه, أو لم يعودوا بحاجة له كونهم فقدوا الاحساس بنشوة الحياة. وسيؤمن لهم أنهاراً من اللبن الذي لم تعد لديهم القدرة على شرائه.
حقيقة إن المواطن الذليل المعدم لم يعد يريد شيئاً في حياته تحت مظلة هذه الأنظمة سوى أن يحاسب (السفلة) من تجار الوطن والدم, والفاسدين في هذه الأوطان الذين أفسدوا حتى الملح.
كاتب وباحث من سورية
d.owaid333@gmail.com
2022-08-07