جماعة “العدل والإحسان”.. والملكية والديمقراطية
كمال السعيدي
أجرت يومية العلم، حوارا في عدد 20-21 يونيو الجاري مع الأستاذ محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان حول العديد من القضايا والمستجدات في المشهد السياسي كما تمت عنونته و إعادة نشره على موقع الجماعة.. ومما جاء فيه : ” نحن نقول أن المخرج هو المضي نحو ديمقراطية حقيقية تضمن نزاهة الانتخابات وحرية الاختيار وفصل السلط والاحتكام لدستور ديمقراطي يخضع لمقتضياته الجميع وحكومة مسؤولة مسؤولية كاملة أمام الشعب وذات صلاحيات حقيقية وغير محجر عليها من قبل أي كان. ونحن نعتبر أن موقفنا صائب، وأن موقعنا الآن هو موقف سليم، بالمعطيات التي نقدم، ودائما نحن نقدم اقتراحات من أجل أن ينهض المغرب نحو المستقبل و في تقديرنا أن المغرب سيضطر عاجلا أو آجلا للذهاب إلى ما ندعو إليه، إما أن يتوافق الناس حول مشروع تغييري، وإما أن نكون أمام عواصف. الله أعلم بها، لأن الوضع الآن سيء للغاية”.
استوقفني في الجواب أعلاه أمران سأحاول التعليق عليهما هنا لدرء بعض الغموض الكامن فيهما وفتح باب نقاش نتمناه مفيدا للجميع :
– مقولة الديمقراطية الحقيقية:
دأب الخطاب السياسي اليساري على استعمال هذه المقولة في سياق أخد المسافة مما يسميه الديمقراطية البورجوازية (حينما يتم اختزالها في بعدها السياسي) أو الديمقراطية المخزنية (تلك القائمة على تزوير إرادة الناخبين) التي يعرف أنها في عمقها ديمقراطية مزيفة ولا تستجيب لمصالح أوسع الطبقات الشعبية الكادحة التي يمثل هذا اليسار تعبيرا سياسيا عنها و لكنه بالمقابل كان يطرح (وهنا أقصد اليسار الديمقراطي) بديلا عن تلك الديمقراطية الناقصة عبر ما يسميه بالديمقراطية الاجتماعية أو التقافية أو التشاركية و هكذا.
ورغم أنه في الأصل لا توجد ديمقراطية حقيقة و أخرى زائفة فالديمقراطية إما تكون أو لا تكون فإن تحفظات اليسار على ما يسميه بالديمقراطية غير الحقيقية هو من باب الإغناء الإيجابي و الدفع بتلك الديمقراطية إلى أبعد مدى ممكن حتى أن هناك من يعرف اليسار بهذا الذهاب البعيد في الدمقرطة بمعنى أن اليسار لا يرفض الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية لكنه يرفض أن يتم الإكتفاء فيها بما يخدم مصالح الطبقات المستحكمة و جعلها وسيلة لإعادة إنتاج سيطرتها بطرق “ديمقراطية .. مزيفة”.
لكن هل هي نفس المقاربة التي تتبناها الجماعة في نقدها للديمقراطية؟ ما هي البدائل الديمقراطية التي تقترحها الجماعة لتجاوز حالة الزيف التي تعرفها تجربتنا السياسية؟
لا أعرف في أدبيات الجماعة ما يمكنني من القول بوجود جواب في هذا الاتجاه فالجماعة ظلت كما قال زعيمها الراحل تعتبر الديمقراطية نقيض للإسلام و لا يمكنهما التعايش في ما بينهما في القطر الواحد، ومع ذلك سأعتبر جواب الأستاذ الحمداوي نوعا من التطور في هذا المجال، ولا أخفي أن هذا الكلام الذي ورد على لسانه من حيث المفردات المستعملة لا يختلف عن كلام أي سياسي ينتمي لليسار المعارض، لولا أن المفردات لا تعطي وحدها مضمونا للخطاب عموما والسياسي على وجه الخصوص.
لذلك أرى أن هناك طلب على تصليب تلك المفرادت بممارسة واقعية داخل الجماعة و خارجها تدعمها و اجتهادا يزيدها وضوحا و ترسيخا .
_ في مقولة التوافق حول المشروع التغييري:
أجد أن دعوة الأستاذ الحمداوي إلى التوافق دعوة حميدة وجيدة في فضائنا الإقليمي الذي تتهدده كل المخاطر بسبب العنف و التفكك المجتمعي و انهيار الدولة القطرية و العودة إلى العصبية للهويات الفرعية الإتنية و القبلية وكل ما ينتمي إلى ما قبل الدولة العصرية و دولة المواطنة..
ولكن الأستاذ الحمداوي يغفل هنا الإجابة على تساؤل كان من المفروض أن يطرحه على نفسه أولا.. هل التوافق المطلوب يتم أيضا مع المؤسسة الملكية بصفتها الجهة الممسكة بقواعد الحكم و السلطة في البلد أم على حسابها..
وأعتقد من خلال القراءة المتفحصة لكلام ذ الحمداوي أنه لا يقصد التوافق على إسقاط الملكية بدليل قوله أن البديل عن التوافق هو العواصف التي لا يعلمها إلا الله، وطبعا من البديهي أن نعرف أن إسقاط نظام وملكي على وجه الخصوص ليس مسألة سهلة وأن دونها دماء تسيل وخراب يعم وكلفة غالية، لذلك أفترض أنه يدعو لتوافق على مشروع تغييري بدون عواصف، ولا أرى لهذا المشروع تجسيدا أكثر وضوحا من ما نسميه ”الملكية الديمقراطية البرلمانية” التي تضمن كل ما جاء على لسان الأستاذ الحمداوي أي نظام يسود فيه الملك ولكن الحكم الحقيقي فيه يكون للشعب.. فما الذي منعه من مزيد من الوضوح الذي سيخدم مصلحة الجماعة قبل تلك الأطراف التي يدعوها للتوافق؟
باعتبار أن جماعة العدل والإحسان مكون سياسي له وزنه في المشهد السياسي المغربي، وكل تقدم في خطابها حول الديمقراطية وكل وضوح في الأهداف البعيدة والقريبة هو في النهاية يصب في خدمة المشروع الديمقراطي الذي لا بديل عنه لمستقبل أفضل بالنسبة لشعبنا، فسنظل نتابع بكل الحذر الضروري ما يصدر عن الجماعة ونحلله ولكننا لن نكتفي بذلك، فالأهم بالنسبة إلينا والمؤشر الأكثر مصداقية هو أساسا الخطاب الذي توجهه الجماعة لأعضائها ومتعاطفيها في الجلسات الخاصة كما في العلن، وليس فقط الخطابات الموجهة لباقي الفاعلين السياسيين من باب رفع التحفظات والتخوف من المشروع الحقيقي الذي لم تعد الجماعة تعلنه بالوضوح الكافي.
26/06/2015