بنت مكة!
ابو زيزوم.
أغنية راب حجازية ظهرت قبل أيام بهذا العنوان وانتشرت انتشار النار في الهشيم . الاغنية عادية والفتيات المشاركات فيها محتشمات ، وكلماتها نبيلة . وهي جزء من التوجه الرسمي في السعودية لإحلال الرقص والغناء محل المظاهر الدينية . اما الذين روّجوا لهذه الاغنية فليسوا هيئة الترفيه او دعاة الانحلال وانما اصحاب الخط الديني عن جهل وغباء . وهو جهل مزمن عند العرب نتمسك به رغم تأكدنا من مردوداته العكسية مرة بعد مرة .
هؤلاء المتدينون او من يظهرون الحمية على الدين هبوا بنجدة انترنيتية لإنتقاد الاغنية فأعلموا من لم يعلم بخبر الاغنية المثيرة وهرع القوم بالجملة الى اليوتيوب بحثا عنها فارتفع عدد المشاهدات الى نصف مليون في غضون يومين وطبعا سيرقى الى ارقام فلكية قريبا .
عندما تنتقد من خلال التواصل الاجتماعي ڤيديو جديد فأنت بالضبط تدعو متابعيك للبحث عنه ورؤيته . تلك هي الطبيعة البشرية . والذين انتقدوه شاهدوه بالتأكيد وإلا كيف عرفوا انه يتنافى مع القيم الدينية والأخلاقية كما يقولون !. وكل من سمع انتقاداتهم سارع لمشاهدته أيضا . انا علمت به من خلال منتقديه وليس من خلال مؤيديه . فذهبت الى اليوتيوب ورأيته . وأمثالي كثيرون حتى بلغ هذا القدر من الشهرة .
منذ القدم والى ما قبل عدة عقود كان الناس المحترمون يتجاهلون التصرفات الخارجة عن العرف فلا يعيرونها أهمية . لذلك كانت تبقى محصورة في شريحة السفهاء وتبقى موضع احتقار المجتمع . اما الان فإن العقلاء ومن يعتبرون أنفسهم علية القوم يتسابقون لإذاعة كل سلوك غير لائق من خلال مهاجمته فيشيع ذكره . المادح والقادح كلاهما يؤدي نفس الغرض ولكن بطريقتين متعاكستين . كلاهما يجعل من السلوكيات الخارجة عن المألوف حديث الساعة . كلاهما يقدم دعاية مجانية لظواهر الانحطاط والشذوذ والتهتك . المادح مهمته واضحة ولا تحتاج تعليقا . اما المعترض فإنه يفعل عكس ما يريد . يعتقد انه بإعتراضه الصاخب يفعل شيئا جيدا للدين والاخلاق ، والحقيقة انه يساهم من حيث لا يدري في هدم الدين والاخلاق .
السلطات ( إمارة مكة ) وكما في كل مرة قررت إيقاف القائمين بالأغنية والتحقيق معهم ومنع الاغنية . طبعا الاغنية انتشرت ولا يستطيع احد إيقاف تداولها . والمشاركات فيها لن يتعرضن لأذى فالأغنية لا تمثل إساءة قياسا بحفلات المجون التي ترعاها السلطات الرسمية وتستضيف المثليين والداعرات من كل اصقاع الارض . السلطات سعيدة بهذه الضجة التي اثارها الحمقى من ادعياء الدين . فالضجة تخدم السياسة الجديدة للبلاد القائمة على إحلال التحرر الشخصي محل الأحكام الدينية المتشددة التي سادت قرناً كاملا . وسينتهي التحقيق المزعوم الى ان الاغنية لا تمثل اي انتهاك للقيم الدينية او الاجتماعية . والأغنية كذلك بالفعل ، ومصدر الاعتراض شكلي يتعلق بإشارتها الى مكة . ومكة مدينة كغيرها من المدن التي يزورها آلاف الزائرين ، فيها شرائح منحلة ومخالفات خارجة عن القيم الدينية . والصواب ان لا يصبح هذا الجانب الهامشي قضية علنية ذات أهمية . لكن الحمقى مصرون على إثارة ما كان الرسول الأكرم وصحابته يترفعون عنه كي لا يشتهر . وقديما قال المتنبي :
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ بهِ
الا الحماقة أعيتْ من يداويها
طبعا ستفتشون عنها بعد قراءة المنشور وتشاهدونها كما شاهدتُها . وسيعجبكم أسلوب الـ (بريك دانس) الجذاب . وعندما تقارنونها بآلاف الأغاني المنحطة والمبتذلة التي تغص بها قنوات الخليج ذاتها من روتانات وامبيسيات دون ان يعترض معترض او ينبس احد ببنت شفة ستدركون كم نحن أدوات بائسة بأيدي الحكام الفسقة .
( ابو زيزوم _ 793 )
2020-02-22