من حيفا إلى الخليج: مشروع أمريكي إسرائيلي يهدّد قناة السويس!
منذ عام 2017، وتحت مسمّى “مسارات من أجل السلام الإقليمي”، يحاول كيان العدو الإسرائيلي الترويج لمشروع ربط سككي يربط ميناء حيفا مع دول الخليج وصولاً إلى الموانئ الإماراتية. وبعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” أخذ هذا المشروع زخماً كبيراً وتزايدت الخطابات الإسرائيلية التي تروّج له. وفي تموز الماضي،
نشرت المواقع الإسرائيلية أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تعملان على خطة لمشروع ربط بري للشاحنات التي تتنقّل بين “إسرائيل” والإمارات مروراً بالأردن والسعودية. وبالتالي يصل المشروعان بين البحر الأبيض المتوسّط والخليج الفارسي.
مشروع الربط السككي
عام 2017، عرض وزير النقل الإسرائيلي حينها يسرائيل كاتس، الذي يشغل حالياً منصب وزير الطاقة، رؤيته لمشروع “مسارات من أجل السلام الإقليمي”. والمشروع عبارة عن خط سكك حديد يربط ميناء حيفا بخط سكك الحديد في الأردن ومنها إلى السعودية والإمارات. وبحسب المعلومات، تمت مناقشة المشروع مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومع بعض الدول العربية قبل أن تعلن حكومة نتنياهو عنه.
يعتمد المشروع المُقترح على استخدام الأراضي الفلسطينية المحتلة كجسر بري بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي، والأردن كمركز نقل إقليمي. وبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، سينقل المشروع، في مراحل لاحقة، المسافرين الآتين من أوروبا والراغبين بالذهاب إلى دول الخليج.
ينطلق المشروع المُقترح عبر خط قطار المرج، الذي يمتد من مدينة حيفا إلى مدينة بيت شيعان، القريبة من الحدود الأردنية. من هناك، يكمل المشروع طريقه نحو الأردن مروراً بمعبر نهر الأردن، أو ما يُعرف بجسر الشيخ حسين، ليتّصل هناك بخط السكك الحديدية الداخلية للبلاد ليربط الخط بميناء العقبة المطل على البحر الأحمر.
من الأردن يُكمل الخط طريقه إلى السعودية وثم الإمارات، ومن المحتمل أن يمتد إلى عمان. وبالتالي يكتمل الربط بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والموانئ المطلة على الخليج الفارسي. وبحسب كاتس قد يتطوّر المشروع ليشمل العراق والكويت مستقبلاً.
بالنظر إلى الخريطة التي يمتد فيها المشروع، من الممكن القول إن كيان العدو يحاول إعادة إحياء خط الحجاز القديم، مع استثناء سوريا نظراً إلى موقفها من الصراع مع “إسرائيل”. وخط الحجاز هو خط سكك حديد، بلغ طوله 1464 كيلومترًا، أنشأته السلطنة العثمانية لنقل الركاب والبضائع من فلسطين المحتلة إلى سوريا ومنها إلى السعودية مروراً بالأردن. افتتح الخط عام 1908 من قبل السلطان عبد الحميد الثاني شخصيًا.
وفي عام 1909، جرى تنظيم رحلات يومية بين حيفا ودمشق، وثلاثة رحلات أسبوعيا بين دمشق والمدينة المنورة، تم من خلالها نقل الركاب والبضائع التجارية، كما جرى تنظيم رحلات إضافية لنقل مواد البناء والإمدادات العسكرية والحجاج. وبالتالي، الطرح الإسرائيلي الأخير هو رؤية تطويرية لخط الحجاز القديم مع استبدال سوريا بالإمارات.
مشروع الربط البري
ضمن نفس المسار، ومن أجل كسب الوقت وجر بعض الدول العربية نحو تطوير علاقاتها مع كيان العدو الإسرائيلي طرحت “إسرائيل” على الولايات المتحدة، عبر مُقترح قُدّم من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، خطة لمشروع ربط برّي للشاحنات يصل ميناء حيفا بالإمارات مروراً بالأردن والسعودية.
وبحسب الخطة التي قدّمتها “إسرائيل” إلى واشنطن، من المحتمل أن تنضم البحرين وعُمان إلى المشروع. ورغم تأكيد عدّة شخصيات سياسية إسرائيلية أن العمل بين واشنطن وتل أبيب جار على خطة المشروع، إلا أنه لا يوجد حتى اللحظة أي تبنّي رسمي له. ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين كبار، كان الأميركيون متحمّسين للخطة وبدأوا في الترويج لها مع الدول المعنية، الإمارات والسعودية والأردن.
ولذلك، سيمكّن هذا المشروع الشاحنات من نقل البضائع مع تقليل تكاليف النقل والوقت بشكل كبير مقارنة بالوضع الحالي. ووفقًا لدراسة أجرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية والحكومة الأميركية، يُقدَّر تقليل وقت نقل البضائع بين كيان العدو والإمارات بفترة تراوح بين يومين وثلاثة أيام إلى عدة أسابيع، وتوفير ما يصل إلى 20٪ في تكاليف الشحن.
في الوقت الحالي، تواجه الشاحنات التي تغادر الإمارات إلى ميناء حيفا إجراءات بيروقراطية، بما في ذلك تغيير السائقين والأوراق وفترات الانتظار الطويلة. في المقابل، يطرح المشروع المُقترح إمكانية تنقّل سائق واحد وشاحنة واحدة بين دبي وميناء حيفا من دون تغيير السائقين والشاحنات عند المعابر الحدودية بين الدول.
مكاسب كيان الاحتلال
المستفيد الأكبر من الربط البري هو كيان الاحتلال الإسرائيلي. بشكل أساسي يخدم هذان المشروعان ثلاثة أهداف إسرائيلية، تندرج ضمن المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية. أولا، انعكاسات هكذا مشاريع على المستوى الاقتصادي مهمة جدا لكيان العدو. فبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، حجم التجارة الإسرائيلية سيزيد بنسبة 400 في المائة نتيجة لمشروع الربط السككي. وبحسب الوزير كاتس في العام 2030، يتوقع أن تصل حجم التجارة المتوقّعة عبر المسار، في العام 2030، إلى 250 مليار دولار.
ثانيا، تستفيد “إسرائيل” من المشروعين المُقترحين من أجل تخفيف المخاطر الأمنية عليها. فمن خلال هذين المشروعين سيلتف الكيان على “المخاطر الأمنية” التي تشكّلها إيران عليه في مضيق هرمز واليمن في مضيق باب المندب. كما يساهم المشروعان في ربط أمن “إسرائيل” بأمن الخليج، أو ما يسمّى بالتشبيك الأمني بين أطراف المشروعين.
فمن خلال الربط البري ترتفع مصلحة دول الخليج في الحفاظ على أمن “إسرائيل”، وهو ما قد يفتح الباب نحو تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الأطراف المشاركة. وبالتالي، نجاح الربط البرّي يدعم جهود “إسرائيل” المستمرة لتوحيد الدول العربية معها ضد “أعدائها”، على رأسهم إيران.
القلق المصري
مع طرح مشروع الربط بين كيان الاحتلال ودول الخليج برز القلق المصري من تأثير هذا الأمر على قناة السويس. يمر حوالي 12٪ من التجارة الدولية، و10٪ من شحنات النفط والغاز الدولية، و22٪ من تجارة الحاويات عبر قناة السويس. هذه النسبة تصبح مهدّدة بالتراجع في حال وجود ممر بري يصل الغرب بموانئ الخليج الفارسي وهو ما سيقلّل من أهمية قناة السويس التي تربط البحرين المتوسط والأحمر،
وبالتالي يشكّل خطراً كبيراً على مصر التي تستفيد من عوائد نقل البضائع عبر القناة. ففي العام المالي الماضي، الذي انتهي في حزيران 2023، سجّلت هيئة قناة السويس المصرية إيرادات بلغت 9.4 مليار دولار، وهو رقم قياسي. وقد سجّل العام المالي الماضي مرور ما يقارب 26،000 سفينة عبر القناة.
إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن انتقال البضائع عبر قناة السويس سيظل الأفضل من ناحية الكلفة والوقت. ولكن في حال توافر شروط معيّنة في مواصفات السكك الحديدية، أبرزها سرعة السكة ولوجيستيات الشحن والتفريغ من السفن إلى القطار الإسرائيلي، من المتوقّع أن تتراجع عائدات مصر. وهنا تكون “إسرائيل” قد وجّهت ضربة قوية للدولة العربية التي وقّعت معها أول اتفاقية تطبيع للعلاقات.
أقلام حرة
2023-08-19