سفاحٌ ام مناضل ؟!
عارف معروف
نشرَ صديقٌ على الفيس بوك صورةً قديمة اعتقدَ انها لناظم كزار فثار جدلٌ بين بعض المعلقين بشأن المرحوم ” كزار” وهل كان مجرماً وسفّاحا اوغلَ في دماء ضحاياه وفي ممارسات التعذيب والانتهاكات بحق المعتقلين حينما كان مديرا للأمن العام ، كما شاع عنه ، ام انه كان مناضلا مخلصا ، صلبا وعنيدا ، في الدفاع عن عقيدته وعن مصالح الناس ، وان محاولته الانقلابية التي روج لها نظام البعث في 1973 واعدمه إثرها كانت محاولة منه لتصحيح مسار النظام والحزب باتجاه الدكتاتورية والطغيان الفردي وحكم العشيرة والعائلة ، كما دافع آخرون ، بل وزادوا ان مسار العراق كان سيكون افضل لو قُدّر لتلك المحاولة النجاح لان المشكلة ، كل المشكلة ، في صدام حسين وشخصه وتكوينه !
هل الامر على هذه الصورة حقاً ، وهل كان مسار الامور في العراق سيختلف كثيرا ، ومآلاتها ستتبدل ، لو قُدّر لناظم كزار ان يحل محل صدام حسين ؟!
موضوع يغري بالمناقشة المستفيضة والبحث الجدّي المعمق حقا !
و لكن يمكن ، كما اعتقد ، اختصار الامر بالتركيز على جوهر المشكلة الذي يكمن في هذه الصيغة تحديدا : المناضل الصادق والمخلص والعنيد !
واكثر منه في مفهوم الحزب الثوري الذي يعبر عن ارادة الجماهير واهدافها او ” الطليعة ” كما كان يعبر حزب البعث اوالقيادة الثورية بحسب غيره ، او اية نخبة مصطفاة عرفَتْ ما تريده الجماهير و” تمثلت روحها ” واستبطنت اهدافها ونابت عنها كجماعة ثورية مقاتلة ، مخلصة وحالمة ، تمكنت من السلطة ومن الدولة نيابة عن الشعب واصالة عن الجماهير التي غابت عن ساحة القول او الفعل ” لأسباب تاريخية ” لسنا بصدد بحثها في هذا المقام !
سيمثل الحزبُ الشعبَ وحاجاته ، وتختصر القيادةُ الحزبَ وروحه في مجموعة ” المناضلين ” المحنكين ، وسيبرز من بينهم القائد الذي يمثل ويختصر روح القيادة !
سيكون اي اختلاف عن مفاهيم الحزب انحرافا ومؤامرة تستوجب المعالجة والقمع باعتبارها انحرافا عن ارادة الشعب وخيانة للوطن ، وستستبعد بل وتستأصل اية مجموعةٍ او افرادٍ حتى ضمن اطار الحزب نفسه ممن يرون رأيا مغايرا او يقترحون طريقة مختلفة للادارة ، وسيدور دولاب القمع والعنف و التصفيات والدماء..
وكلما تعززت نجاحات القائد كلما ترسخت القناعة لديه ولدى اتباعه بصحة النهج ومشروعية الطريقة حتى يصل الامر ، ربما عن قناعة ذاتية او ايحاءات من آخرين ، الى ان المسار كله كان تعبيرا عن ارادة ربانية وعناية الهية .. وعند ذاك سنكون امام طاغية يؤله ذاته بل وتؤلهه الجماهير … وحينها سيكون من تحصيل الحاصل ان يتحول ” الصدق والصلابة ” الى فرادة تاريخية ليس لها نظير ، و” موهبة القيادة ” الى ملك يوّرث ، و” التضحية والاقدام ” الى ميزة يتعين على الشعب دفع ثمنها لاجيال وربما الى الأبد !
اذن فلو آل الامر الى ” ناظم كزار” ، او ” سعدون شاكر ” ، او حتى ” عزة الدوري ” ، فالطريق سيكون نفسه والمسار سيكون عينه …
بل ولوتمّكن حزبٌ جماهيري آخر ، غير البعث ، من السلطة والدولة ، بالوسائل نفسها تأسيسا على افكار ورؤى مقاربة ، لما اختلفت النتائج كثيرا …
والدليل ان الحكاية السوداء نفسها رويت في اكثر من مكان وعبر اكثر من حقبة ، وتلضّت على جمرها العديد من الشعوب والمجتمعات …
نعم ، قد نكون امام طغيان وجبروت اقل او اشدّ..
قد نواجه عنفا وقمعا اكثر او اقل … …
قد يكون مسيل الدماء اكبر سعة او اقل …
لكن المسار او التاريخ لن يكون جدّ مختلف ، ذلك انه يستند الى الاسس نفسها ، ويتأطر بالاطر عينها ضمن الواقع التاريخي ذاته !
2025-04-17