زلزال نيويورك…مهما كانت النتائج!
هاني عرفات
أمام الكابيتول ،هتفت جيل ستاين أمام المتظاهرين احتجاجاً على زيارة نتنياهو ،العام الماضي : نحن لا نتظاهر من أجل تحرير فلسطين، بل من أجل أن تحررنا فلسطين هنا في اميركا ، حينها لم يدرك كثيرون ، معنى هذا الكلام.
اليوم ونحن نتابع انتخابات نيويورك ، ندرك أكثر من أي وقت مضى ، ما الذي كانت تعنيه ستاين…
صحيح أن البرنامج الانتخابي الذي يحمله ممداني، وكذلك شخصيته الكاريزماتية ، لهما الدور الأساسي، في هذه الشعبية الجارفة، التي حظيت بها حملته، لكن من الصعب استبعاد تأثير حرب الإبادة، التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والتي شحنت إلى حد كبير، مرجل قاطرة ممداني ، وأمدها بزخم منقطع النظير.
يقول أحد النشطاء اليهود في المدينة، معقباً على حملةً الاتهامات التي يشنها خصوم ممداني عليه، ومفادها بأن انتخابه يشكل خطراً على اليهود في نيويورك، يقول الناشط اليهودي: في الحقيقة أن الخطر على اليهود في نيويورك، يعود إلى تلك المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وليس إلى زهران ممداني. هذا الناشط هو جزء، من حركة قوية مناصرة للمرشح ممداني في أوساط الشباب اليهود، حيث أظهرت استطلاعات الرأي هناك، أن ٦٧٪ من يهود نيويورك تحت سن الخامسة والأربعين عاماً ، يدعمون المرشح اليساري زهران ممداني.
أنظار العالم كله وليس فقط الاميركيين تتجه اليوم ، نحو مدينة المال والأعمال، في انتظار ما سوف تسفر عنه المعركة الانتخابية المحتدمة ، والتي سوف تظهر نتائجها ،خلال الساعات القليلة القادمة، إحدى علامات هذا الاهتمام، هو توجه وفود من أحزاب يسارية أوروبية إلى نيويورك ، لمتابعة والتعرف عن قرب ، على سر نجاح حملة المرشح زهران ممداني الانتخابية.
سر هذا الاهتمام المحلي والعالمي ، هو أن نيويورك ليست أي مدينة أميركية ، حيث أكبر جالية يهودية في العالم بعد تل أبيب، وهي مركز المال والأعمال، ليس فقط في لأميركا بل وللعالم كله.
نيويورك بلد المليارديرات ، حسب مجلة فوربس يوجد في نيويورك، ١٠٣ مليارديرا ، بمجموع ثروات تتجاوز الثلاثة تريليونات دولار، وفيها ثلاثمائة وأربعين ألف مليونير، سبعمائة وأربعة وعشرين منهم، تزيد الثروة الشخصية لكل منهم، عن مئة مليون دولار.
ميزانية بلديّة نيويورك مئة وخمسة عشر مليار دولار، وتشغل ثلاثمائة ألف موظف، هي عملياً دولة بحجم مدينة، وفيها المقر الرئيسي لهيئة الأمم المتحدة.
المفارقة التي تستدعي الاهتمام ، هو أن هذه المدينة التي تعطي زخماً لمرشح مسلم اليوم و مؤيد للحق الفلسطيني ، هي ذاتها المدينة ، التي انتخبت العمدة اليميني الصهيوني جولياني، قبل اربعة وعشرين عاماً ، الذي رفض مساعدة مالية لنيويورك مقدمة من أحد الأمراء السعوديين، بعد هجمات سبتمبر على أبراج نيويورك.
المفارقة الأخرى في هذه الانتخابات ، هي أن المؤسستين التقليديتين للحزبين و رموزهما، تتفقان على نفس المرشح ، بهدف إسقاط المرشح اليساري، الرئيس طرامب و ايلان ماسك الجمهوريين يدعمان كومو ، وتخليا عن مرشح حزبهما سليوا ، بلومبيرغ الديمقراطي وعمدة نيويورك الأسبق ، يدعم نفس المرشح أيضاً ، تبرع بحوالي عشرة ملايين دولار لحملة كومو و هؤلاء جميعاً تشاركوا بقذف المرشح ممداني، باتهامات متناقضة ، تارةً يصفونه بالمسلم الذي يدعم الإرهاب، وتارةً أخرى بالشيوعي المتطرف.
هذا عدا عن الإنفاق المالي السخي، من قبل أساطين المال على حملة كومو ، مثل بلومبيرغ و بيل آكمان المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل تبرع بما يقارب المليون دولار.
بلغ مجموع ما أنفقته اللوبيات المعروفة باسم السوبرباك، على هذه الانتخابات ، ما يقارب الثلاثين مليوناً، كلها مخصصة لدعم منافسي زهران ممداني.
نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، تظهر أن كومو استطاع تقليص الفجوة بينه وبين ممداني، رغم تقدم أرقام ممداني ، ويعود السبب في ذلك ، إلى الميزانيات الضخمة لحملة كومو من ناحية ، و الدعوة الصريحة من قيادات الجمهوريين لدعم كومو، بهدف اسقاط ممداني من ناحية أخرى.
في المقابل يعتمد ممداني على قاعدة شعبية واسعة، من المتطوعين الشباب يقدر عددهم بمائة ألف متطوع ، و يشاركون بشكل فعال في هذه الانتخابات. وهذا مؤشر طيب لحملة ممداني، ومما يؤكد ذلك، الإقبال الكبير للشباب في الانتخابات المبكرة، حيث بلغت نسبة المشاركة ، أرقاماً قياسية لم تسجلها مدينة نيويورك من قبل.
ربما تكون النتائج ، متقاربة أكثر مما تظهره نتائج الاستطلاعات، نتيجة للهجوم و التخويف والتشكيك، الذي يمارسه خصوم ممداني من قبل المؤسسة العميقة وأساطين المال ، مع كل ذلك من المرجح فوز زهران ممداني بالعمودية، و سواء حصل عليها أم لم يحصل، فإن هذه الحملة الانتخابية ،بكل ما تحمله من معاني مهمة، هي علامة فارقة في تاريخ أميركا، و سوف يسجل لهذا الشاب ، أنه استطاع إذلال و تركيع مؤسسة الحكم التقليدية في أميركا، وتؤذن أيضاً لعصر جديد وحقبة جديدة.
2025-11-06