بادئ ذي بدء ، يمكننا القول بان تلك الفترة المُثيرة من الناحية الفكرية خلال القرن الثاني عشر ، أي ( الفترة التي أُطلق عليها لاحقًا نهضة القرن الثاني عشر ) لم تشهد أوروبا الغربية لها مثيل
والتي غذتها إعادة اكتشاف المفكرين الكلاسيكيين لليونان وروما (خاصة روما بعد تحول قسطنطين للمسيحية) ، والاتصال بالعالم العربي وتقاليده الفكرية الغنية في علوم الفلك والطب والموسيقى والهندسة المعمارية والرياضيات
ولقد كان لمرحلة التعليم في حياة هنري أثرًا واضحًا وجليًا فلقد كان يُجاهر بإعجابه بالاسلام ، وذلك لأن والده استعان بأفضل المعلمين في أوروبا
حيث كان من بينهم العالم اللغوي الشهير أديلارد من باث ، الذي كان له التأثير الأهم لِمَ وصل اليه هنري ، لقد كان أديلارد قد كرس نفسه لـ “دراسات العرب ” فسافر لمدة 7 سنوات إلى إيطاليا وصقلية وأنطاكية والساحل الجنوبي الذي أصبح فيما بعد تركيا ، وقد اشتهر بترجماته من العربية إلى اللاتينية ، وإدخال الابتكارات العربية في الرياضيات إلى إنجلترا وفرنسا
فضلاً عن أنه درس أعمال بيتروس ألفونسي ، طبيب جده هنري الأول ، الذي كتب أقدم رواية موثوقة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك بطرس المبجل ، [[ الذي أمر بالترجمة الأولى للقرآن إلى اللاتينية ]]
واستمر اهتمام هنري بالثقافة العربية حتى بعد جلوسه على العرش حيث رحّب بالعلماء العرب في قصره ، وقد أعجب بالفنون الإسلامية كثيرًا لدرجة أنه عندما بنى قصرًا لعشيقته ( روزاموند كليفورد في وودستوك ) ، قام بتقليد قصور صقلية حيث احتوى القصر على النوافير ناهيك عن أسلوبه الغني بالزخارف العربية الذي كان فريدًا في شمال أوروبا ، ولقد تم تدمير القصر في وقت لاحق
بهذا نجد ، أن هنري كان يعرف الكثير عن الإسلام والثقافة العربية ، وكان لديه أيضًا الكثير من التقدير للإسلام والثقافة العربية عندما أرسل رسالته الشهيرة في ربيع عام 1168 للبابا مهددًا إياه إشهار إسلامه
والسؤال الذي طرحه العديد هو ، ما الذي دفع هنري للقيام بهذا التهديد ؟
في المقام الأول يقول المؤرخون بأن الإجابة تكمن في الرسالة نفسها
حيث أخبر البابا ألكسندر( بابا الفاتيكان ) أنه “سيقبل قريبًا طريق نور الدين (سلطان حلب) بسبب ما يعانيه من سيطرة توماس بيكيت على كاتدرائية كانتربري”
لم يكن من غير المعتاد أن يواجه هنري التهديدات التي كانت أساسية لترسانته الملكية ، ولكن يحضر سؤال بديهي ، هل كان هنري جادًا ؟؟؟
كتب هنري إلى البابا ألكسندر الثالث ، كخطوة ديمومية كان يمارسها ، إلا أنه اختلفت هذه الرسالة تحديدًا عن سابقاتها فلم تكن طبيعية
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هنري الثاني الذي وُلد في 4 مارس/آذار من عام 1133 في لومان شمال غرب فرنسا حاليًا
والمتوفي في 6 يوليو/ تموز من عام 1189 بالقرب من تورز
ناهيك عن أنه لم يكن مجرد ملك إنجلترا ، فقد كان أيضًا دوق نورماندي وأكيتاين ، وكونت مين وأنجو وتورين ، ومالك مساحات شاسعة من فرنسا
وكان أحد أقوى الرجال في العالم ، حيث امتدت سطوته من الحدود الاسكتلندية إلى الشرق الأوسط حيث حكم أعمامه المملكة اللاتينية في القدس
والده الكونت أنجو ووالدته ماتيلدا ، ابنة هنري الأول ملك إنجلترا
وكان هنري الأول قد نصب ابنته ماتيلدا خلفًا له ، لكن ابن عمها ستيفن استولى على العرش
ومع بداية عهده ، وجد هنري إنجلترا في حالة من الفوضى ، وقد دمرت الحرب الأهلية وعنف كبار الإقطاعيين السلطة الملكية في البلاد
وفي الأشهر الأولى من الحكم ، قام الملك ، بمساعدة مستشاره النشط والمتعدد المواهب توماس بيكيت ، بضرب كبار الإقطاعيين المتمردين وقلاعهم ، وبدأ في إعادة النظام إلى البلاد
لكن بعد بضع سنوات ، دخل في صراع مع بيكيت عقب توليه منصب كبير الأساقفة ، وكان الخلاف حول الحق المزعوم لرجال الدين في أن يحاكموا في حالة ارتكابهم لجرائم من قبل محكمة كنسية
ثم اندلع الخلاف مع بيكيت ، مستشار هنري الموثوق به والناجح في الفترة بين عامي 1154 و 1162 ، وذلك بعد فترة وجيزة من انتخاب بيكيت رئيسًا لأساقفة كانتربري في مايو/أيار من عام 1162
وقد أسفر الخلاف عن قطع العلاقات تمامًا بينهما ، كما أدى إلى توتر في علاقات هنري مع كل من ملك فرنسا لويس السابع الداعم لبيكيت ، وبابا الفاتيكان ألكسندر الثالث
كان هنري غاضبًا عندما اكتشف أنه نصب ( مُتعصبًا دينيًا ) حسب وصفه ، كما غضب أيضًا عندما استقال بيكيت من منصب المستشار بعد انتخابه رئيسًا للأساقفة
وفي محاولة لدفع الفاتيكان لإقالة بيكيت من منصب رئيس أساقفة كانتربري ، جاءت رسالة هنري الثاني في عام 1168 التي هدد فيها بإشهار إسلامه
ولقد كان الصليبيون الأوروبيون يقاتلون الجيوش الإسلامية في الشرق الأوسط ويتشبثون بإصرار بالأراضي التي استولوا عليها وهي مملكة القدس وإمارة أنطاكية ومقاطعات الرها وطرابلس منذ عام 1097
وكان يُنظر إلى المسلمين على أنهم أعداء العالم المسيحي
وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)
ما ادى ذلك ، الى حدوث تحولات كبيرة وملموسة بين الإسلام والمسيحية خلال مئات السنين ، لكن المتحولين لم يكونوا ملوكًا أو ملكات ، وهذا ما نفى إحتمال مصداقية تنفيذ ما قد هدد به هنري ، كما انتقد المؤرخون افتقاره الى التقوى ، حيث انه في الواقع لم يكن يبدي اهتمامًا بالدين ، مدّعين أنه كان يشعر بالملل في الكنيسة ، فلا يجلس ساكنًا من ثم يهم بالمغادرة على عجل