ميلاد الحرية ومعلمها..!
أصحاب الكساء الصفات النبيلة معسكر الحسين
زمزم العمران
قال تعالى في كتابه الكريم : ( إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًۭا)
الثالث من شهر شعبان المبارك للسنة الرابعة لللهجرة، أثمرت دوحة النبوة وشجرة الرسالة بولادة الإمام الحسين عليه السلام، فأستبشرت الملائكة بولادته واشرقت الأرض بنورهُ البهي، وفرح به الرسول( صل الله عليه وآله وسلم) فرحاً عظيماً.
كان الرسول (صل الله عليه وآله وسلم) ينظر الى الإمام الحسين عليه السلام بأنه حامل فكرهُ على مدى الزمن حياة وشهادة، لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والإجتماعية والسياسية عبر العصور فكان له منزلة ومكانة خاصة لديه فكان في احدى الأيام يخطب في الناس عندما جاء اليه الامام الحسين عليه السلام وهو صغيرا يمشي بإتجاهه ويتعثر، فقطع الرسول صل الله وآله خطبته، واخذ الحسين ورفعه على منبره في دلالة واضحة وحكمة على منزلة الحسين عليه السلام ودوره الكبير في مستقبل الأَمة، فكان الدين محمدي الوجود حسيني البقاء حقيقة ثابتة لقول الرسول الاعظم محمد (صل الله عليه وآله) : (حسين مني وأنا من حسين).
كان له مع أبيه الامام علي عليه السلام يعسوب الدين، دوراً في حرب الجمل ضد الناكثين واشترك في حرب صفين ضد الفئة الباغية التي يرأسها معاوية، واشترك ايضا مع أبيه في حرب الخوارج، وكان بينه وبين اخيه الإمام الحسن عليه السلام فضائل مشتركة فهو احد الخمسة الذين نزل فيهم قوله تعالى ???? إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًۭا)، واحد اهل المودة :(قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى)، واحد الثقلين :(إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي).
فاطمة الزهراء عليها السلام كانت نعم الأم والمربية الفاضلة فهي ربيبة الوحي والنبوة، تعرف جيداً مناهج التربية الإسلامية التي تجلّت في تربيتها دروس التضحية والفداء والصمود أمام الظالمين ونطق الحق أمام جبروت آل أمية (لعنة الله عليهم ) لتتضح خطورة المؤامرة على الدين وعلى أمة سيد المرسلين .
ورث الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) جميع الصفات النبيلة، فكان رمزاً للإنسانية، وأسوة يتأسى به العباد، وقد سماه النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) سيدا وهذا يكفي في بيان عظيم منزلته، فهو سيد من السادات، وأبو الأئمة، وآخر أصحاب الكساء، ومن الشواهد التي ذكرها التأريخ والتي تبين جمالية روح الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) وأي مستوى وصل له هذا الإنسان العظيم في الإنسانية موقفه مع الحر بن يزيد الرياحي ومن كان معه من الجند، فقد وقف هو وخيله مقابل الحسين (عليه السلام) في حر الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين (عليه السلام) لفتيانه: ” اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا ” ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر، حتى سقوها كلها).
هذا هو مبدأ الإمام (عليه السلام) وهذا ما تربى عليه، فلو كان غير ابن بنت رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) في هذا الموقف لادخر هذا الماء ولم يسقِ أعداءه، لكن مبدأ الحسين (عليه السلام)، ونفسه الطاهرة تأبى أن تكون شحيحة حتى مع العدو.
الموقف الاخر للحر الرياحي عندما
سار نحو المشرعة وهو مُطرق برأسه
سأله المهاجر بن أوس عندما رآه مُطرقاً مُفكِّراً: إن أمرك لمريب، والله لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أراه منك ؟
فقال له الحر: إني أخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار …
ثم قال وهو ينظر إلى معسكر الحسين (عليه السلام): والله لا أختار على الجنة شيئاً ولو اُحرقت..
ثم توجّه نحو الحسين (عليه السلام) مُنكّساً رأسه حياءً منه… وقال:
إني تائب فهل ترى لي من توبة ؟
فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام): نعم يتوب الله عليك …
لقد صدقت، وأصابت أمّه حين سمَّته حراً، ولعلها كانت تتوسّم في ابنها هذه الروح الحرّة فكان كما قال الحسين (عليه السلام): (أنت حرٌ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة).
هكذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) الذي كان الناس يحبّونه، ولكنّهم كانوا لا يعرفونه جيِّداً، فلم يواجهوا مسؤوليتهم في اختيار الإمام الذي تتمثل فيه كلّ عناصر الإمامة الحقّة، سواء في شرعيته في الإمامة، أو في صفاته التي يتميّز بها عن الناس كلّهم آنذاك. كانت مشكلة الإمام الحسين (عليه السلام) كمشكلة أبيه (عليه السلام)، وكمشكلة كثير من الأنبياء والمصلحين، الذين جاءوا ليخرجوا الناس من الظُّلمات إلى النور، فاستبدلوهم بالذين جاءوا ليخرجوهم من النور إلى الظُّلمات، ولينحرفوا بهم عن الحق.
2024-02-15