المجتمعات لا ترقي ولا تسمو ولا تتقدم إن لم يزرع في أبنائها كل معاني النبل والأصالة والصدق وحب الوطن.. ويقال: إن لم نستطع أن نتحالف فعلينا أن نتعاون، وإن لم نستطع، علينا بالتسامح والمودة والاحترام …الشاعر العراقي الراحل ( يوسف اللمبجي) قال :
لما علمت أن القــوم قـد رحلــــــوا… و راهب الدير بالناقوس منشـغلُ .
شبكت عشري على رأسي وقلت له… يا راهب الدير هل مرت بك الابلُ .
التفاته في منتصف الطريق، ما يقارب ( 50 ) عاما ( 1976 – 2023 ) سنوات من الألم، فقدنا ذلك الدفء وزاد عمق جراحنا، بعدما فقدنا وطنا ومحبين كثر، لا ندري من باب ( الغيرة ) أو ( الحسد ) هذه أمراض، لا نريدها أن تتعمق فينا… تغيرت المعالم ( الأنهر، التلال، الوجوه ) وبقت التقاليد والروابط المجتمعية، تضعف ولا تموت بين الناس، تنتقل من جيل إلى آخر، بحكم التواصل، والعلاقات، ومن أولها روابط القربى… وهنا تذكرت عادة قديمة هي: النهوض من النوم باكراً، وكما يقال : ويشيلة البريج مع استكان الشاي العراقي، أو فنجان القهوة غير العربية ( السويدية ) تأملات تبتعد وتقترب من غبشة، وايضا كما يقال : حسبة تجيبني وحسبة توديني، تعيد بي الذكريات دائما للطفولة ولتلك القرية الجميلة ( عوينة ) وأهلها الكرام، معالمها، مزارعها التي كانت زاهية، أنهارها الجارية، وطيبة فلاحيها، أسمائهم في الذاكرة دائما ( البركات، إلغويثات، أهل السيب، إلكَرينات، السلاطنه، أكرع، السادة الزهاليل والحراكَصه، منهم البدو الرحل ( منسي، وكريم بكال ) وأولاد العم رحمهم الله( عاصس حايف ) والمرحوم (عريبي عداي ) وغيرهم، حيث امتدادهم بين النهرين ( العاصمة بغداد والمحافـظات، واسط، كربلاء، النجف، السماوة، الديوانية والسعودية مروراً بالأقضية والنواحي والقرى مثل ( الخرماشة والنوام ) لهم الذكر الطيب والاحترام المتجدد، ربما كبار السن منهم رحلوا لكن تبقى شخوصهم كريمة وغالية عندي، تحضرني دائما. يقال: ليس عليك أن ترد الجميل، ولكن كن أرقى من أن تنكره. ..وأيضاً يقال: أن الغيرة الفردية، تجربة عاطفية مؤلمة وأحياناً قاتلة، لكنها مهمة وضرورية، يجب عدم تجاهلها، إلا أن هناك أختلافاً كبيراً على المستوى الشخصي، بين الغيرة والحسد، حيث تتميز الغيرة بالشعور الهدام أو التخيل بالتهديد من دخول طرفاً ثالثاً لعلاقة ما، أما الحسد فيحدث بين طرفين فقط، يتمنى فيه أحدهما الضرر بالممتلكات ( المنقولة وغير المنقولة ) للآخر، يعني بيان رقم واحد…ولذلك يقال: الغيرة في الحب كـ( الماء) للوردة ( قليله ينعش ) و ( كثيره يقتل ) !. المحبة قوية كالموت والغيرة قاسية كالقبر!. والغريب في المعادلة هو: أن كل الناس في الفرح ترقص طرباً، إلا نحن العراقيون، حتى أفراحنا تتحول إلى لطم وبكاء، ولاندري ربما الجاي أتعس من الراح!. الشاعر الكبير الراحل ( نزار قباني ) ذات يوم قال: ” لم أحبك كشخص فقط بل أحببتك كوطن لا أريد الانتماء لغيره…تاريخنا ليس سوى إشاعة، من أين يأتينا الفرح ؟.. ولوننا المفضل السواد، نفوسنا سواد.. عقولنا سواد، داخلنا سواد، حتى البياض عندنا يميل للسواد.”. هذا السواد المستمر بكل أشكاله ومضامينه ( الداخلية والخارجية ) أتعب نفوسنا
مربط الفرس: نافذة على طريق قلّت معالمه، تشكيل الأحزاب الجديدة، أو ترميم قديمها في العراق أيضا نوع من الغيرة، ولا يخلو من الحسد…والحكمة تقول: عندما تغار المرأة تكره الرجل، وعندما يغار الرجل يكره حزبه أو عشيرته… ولكن أجمل أنواع الغيرة هي: غيرة الحب، وأسوأ أنواع الغيرة هي: غيرة السياسة، السرقة، الكذب، الحقد، وما يدور في فلكهما، لأنها عدسة تكبّر الأشياء الصغيرة وتلّون مظهرها الخارجي الخدّاع … وبالنتيجة الغيرة مثل ألم الأسنان، يظل مستكيناً، وما علينا إلا أن نسير ( إياباً وذهاباً ) ظنا منا تخفيف آلامنا… وربما الأمثل هو أن نقول: مثل ( حراك – دعايات / ضجيج ) التي أفسدت علينا، طعم ” الديمقراطية المستوردة ” بعدما وصلت مجتمعاتنا ملفوفة كحبوب الكبسلة!.