الموقف من إيران في الخطاب الديني العربي!
محمّد جبر الريفي
في مسألة الموقف من إيران، الجمهورية الإسلامية التي تدين الغالبية العظمى من مواطنيها بالمذهب الشيعي، والتي لها تاريخها الحضاري الفارسي العريق، والتي كانت تشكل قبل الفتح الإسلامي على أثر معركة القادسية القطب الثاني في العالم القديم في مواجهة الإمبراطورية الرومانية التي كانت تدين بالنصرانية، يجب أخذ مقتضيات الضرورة الوطنية والقومية من هذه الدولة الإسلامية الإقليمية الكبرى، خاصة أنها تتعرض في هذه الأيام لتهديد إسرائيلي أمريكي، بضرب منشآتها التي تعمل على امتلاك السلام النووي، ولذلك تقتضي الضرورة التفريق بين مشروعها الديني الطائفي الشيعي المرفوض بالطبع من غالبية الشعوب العربية السنية، وبين موقفها السياسي الحالي من قضايا الصراع في المنطقة، خاصة في مسألة الصراع العربي الصهيوني، ذلك أنه من المعروف قديمًا أن هناك خلافًا تاريخيًا بين السنة والشيعة (الرافضة)، في مسألة نظام الحكم في الإسلام وفي بعض المسائل الدينية الأخرى، وقد يرقى في بعض المسائل إلى حد التكفير، خاصة في موضوع الخلافة والصحابة والسيدة أم المؤمنين عائشة.
أما الموقف السياسي الإيراني الذي يناصر القضية الوطنية الفلسطينية ويقف مع خيار المقاومة والمعادي لأمريكا وللكيان الصهيوني، فلماذا نتخذ منه موقف المعارض الذي قد يصل إلى مرحلة العداء والصدام وهو بمفرداته على المستوى النظري بخلاف المشروع الديني الطائفي؟ لماذا لا تظل القضية الوطنية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني بشكل عام بمنأى عن الصراع الطائفي بين السنة والشيعة الذي يدور الآن في المنطقة، وبعيدًا أيضًا عن الانغماس في الخلاف المذهبي والسياسي بين تركيا وإيران الدولتين الإسلاميتين المتنافستين تاريخيًا على زعامة العالم الإسلامي، والتي تربطهما حدود برية طويلة تقارب الأربعمائة كيلو متر وقد سبق أن اشتعلت قبل مائة عام الحرب بين دولة الخلافة العثمانية والدولة الصفوية وكانت ساحة تلك الحرب بينهما على أرض الشام والعراق، تمامًا كما يحدث الآن، حيث التدخل التركي والإيراني في الأزمة السورية وفي الوضع بالعراق؟
إيران لا تعترف بالكيان الصهيوني ولا تقيم علاقات دبلوماسية معه وخطابها السياسي الرسمي يقوم على ضرورة القضاء عليه، باعتباره الكيان العنصري القائم في المنطقة على اغتصاب الأرض العربية وتشريد الشعب الفلسطيني، ومع ذلك يهاجمها بعض الخطباء في المساجد العربية ويمجدون في مقابل ذلك تركيا أردوغان التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتفتح حدودها لحشد العديد من الإرهابيين التكفيريين ليلتحقوا بالتنظيمات التكفيرية، ولعملاء أمريكا لينشروا الفوضى السياسية والأمنية في سوريا والعراق و ليبيا وسيناء وعموم المنطقة. خطباء بعض المساجد العربية، يمدحون تركيا ذات الماضي الاستعماري الأسود التي نصبت المشانق لأحرار العرب في أوائل القرن الماضي، لأنهم قاوموا سياسة التتريك والتمييز العنصري وطمس الهوية القومية العربية، التي مارستها دولة الخلافة العثمانية، خاصة في فترة حكم جمال باشا وجماعة الاتحاد والترقي. تركيا التي اغتصبت لواء الإسكندرونة العربي السوري، والعضو الفاعل في حلف الناتو الاستعماري، الذي يقوم بمهمات عدوانية على الدول العربية والإسلامية، كما حصل في احتلال أفغانستان والعراق والتدخل العسكري في ليبيا .هكذا فإن الخطاب الديني العربي الذي يتسم بهذا الموقف، قد فقد البوصلة حقًا لأنه انغمس في الصراع الطائفي في المنطقة، بعيدًا عن المصالح الوطنية والقومية والاجتماعية، وهو بذلك محتاج إلى عملية تصحيح عاجل، لأن الاستمرار في هذا الموقف، قد يلحق أكبر الأضرار بمصالح الأمة العربية وبالقضية الفلسطينية بشكل خاص التي تراجعت أولويتها في الاهتمام العربي والدولي.
الذي نقوله أخيرًا في هذه المسألة، هو أن المشروع الديني الطائفي الإيراني المرفوض سنيًا على المستوى القومي العربي، يبقى هو مجرد مشروع فكري خاص بإيران، التي تشكل المرجعية الرئيسية للطائفة الشيعية الإسلامية في العالم وهو شيئًا، والموقف السياسي للنظام الإيراني شيئًا آخر، وقد سبق أن كان للاتحاد السوفييتي مشروعه الفكري القائم على نظرية الاشتراكية العلمية (الماركسية ال لينين ية)، وهي نظرية فكرية لها موقف سياسي ونظري من الدين، باعتباره يقوم على وجود الفكرة المطلقة التي تخالف الاعتقاد المادي في وجود الكون، ومع ذلك قامت علاقات سياسية وعسكرية وثيقة بينه وبين النظم العربية الوطنية في مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن، لأن الاتحاد السوفييتي كان يقف مع القضايا العربية العادلة في مواجهة الهيمنة الغربية الرأسمالية.
وخلاصة القول بأن العدو الرئيسي للأمة العربية والإسلامية هو الكيان الصهيوني الغاصب وحده، الذي يغتصب الأرض ويهود المقدسات ويرفض مبادرات السلام، والذي يزيده الآن تعنتًا وصلفًا هو ما يجري في المنطقة، من صراع على خلفية طائفية وعرقية وعمليات تطبيع غير مسبوقة من بعض الدول العربية
2021-12-18