الخبراء الاستراتيجيون الاسرائيليون : تقييم طوفان الاقصى والمستقبل!
وليد عبد الحي.
للخبراء في اسرائيل دور لا ينكر في اعداد وصنع القرار السياسي الاستراتيجي بالذات،وعليه يمكن تلمس المشاريع المستقبلية الاسرائيلية من خلال متابعة أدبيات هؤلاء الخبراء ، لا سيما ان اغلبهم من العاملين في مراكز الدراسات الاسرائيلية كانوا ضباطا كبارا في الاجهزة الامنية او الجيش او الإدارات السياسية او الدبلوماسية او في الجامعات، فهم يجمعون بين الخبرة العلمية والخبرة الميدانية، كما ان الحرية في التفكير متاحة لهم بالقدر الكافي لطرح آراء مخالفة لما تتبناه السلطة، كما انهم بحكم علاقاتهم ومكانتهم يُطلون على خبايا الامور بل وكثيرا ما كانون من جلساء الغرف المغلقة.
بناء على ما سبق، تتبعت التقرير الذي اعده فريق من الباحثين في معهد الامن القومي الاسرائيلي من المتخصصين في ميادين مختلفة، وموضوعه حول اليوم التالي لمعركة طوفان الاقصى، وسأعرض ملخص التقرير دون اي تعليق، ثم ساحاول عرض اهم استنتاجاتي من التقرير:
التقرير: يبحث التقرير في الآتي:
أولا: ماذا حققت اسرائيل حتى الان في معركتها بعد اكثر من نصف عام : لم يتم الافراج عن الرهائن/ لم تتم هزيمة حماس الهزيمة المأمولة/ تراجع نزعة اجتياح رفح بخاصة ان الاجتياح لن يقود لنتائج افضل، و هذا التراجع في الحرب يمكن أن يؤدي إلى الارهاق المصحوب بالإحباط وخيبة الأمل ، ولكن هذا الوضع ينطوي على فرص يمكن البحث في كيفية استثمارها.
ويقوم الاستشراف الاسرائيلي على تصور”المدى الطويل” للشرق الاوسط ، وهو استشراف ينطوي على ضرورات الحصول على تنازلات لاسرائيل تتوازى مع ما تحملته في هذه الحرب مع ضرورة التنبيه للقيادة الاسرائيلية ان عليها ان تخطط لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الامد لا مكاسب تكتيكية “قصير الامد”. وينطوي تقييم الخبراء على تنبيه الى أن إسرائيل تواجه حاليا واحدة من أصعب فتراتها، سواء من حيث مكانتها الدولية أو وضعها الداخلي. ومن الصعب تصور تحسن في هذا الواقع دون اتخاذ قرارات عملية، استجابة لجملة التحديات التي يواجهها…
ثانيا: الظروف الميدانية للمعركة: يرى التقرير ان اسرائيل تواجه:
أ- انزلاق اسرائيل في حرب استنزاف طويلة،وهو ما يجعل احتمال اعادة الرهائن تتراجع ،ويتراجع مع ذلك احتمال احلال سلطة بدلا من حماس في غزة ، ولكن هذه السلطة-اي سلطة حماس- لها بدائل مستقبلية من ناحية ولكل بديل تحديات عدة مثل ما يلي:
1- حكومة عسكرية في غزة تديرها اسرائيل: وهو امر له بتعات سياسية واقتصادية وعسكرية كثيرة.
2- نقل مسؤولية قطاع غزة الى مصر(لكن مصر ترفض ذلك تماما)
3- توكيل السلطة للقبائل والعشائر،لكن الفشل في مثل هذا المشروع سيقود الى فوضى
4- انشاء حكومة بمشاركة عربية ودولية، لكن غياب الدور الفلسطيني يخلق مشاكل لهذا الحل
5- انشاء حكومة فلسطينية مؤقتة ومنفصلة عن السلطة في رام الله.
6- اعادة السلطة الفلسطينية بعد تجديدها للسيطرة على غزة بمساعدة عربية ودولية.
والحل الامثل بين هذه البدائل هو الحل رقم 6، مع ضرورة مراعاة ما يلي:
-ضمان مساندة عربية ودولية
-تسريع ادخال المساعدات الانسانية على ان تتولى حركة فتح الاشراف على ذلك بمساعدة عربية ودولية
-وقف اطلاق النار مع حزب الله شريطة انسحاب قوات الرضوان من الحدود وضمان تفعيل الرقابة الدولية لمنع المتسللين ومنع وصول الصواريخ المضادة للدروع لحزب الله في هذه المنطقة.
-ان الاعلان عن وقف اطلاق النار في غزة لا يعني امتناع اسرائيل عن استمرار التخطيط للعمل على تفكيك حماس ونزع سلاحها.
وهذا الامر يتطلب تولي سلطة التنسيق الامني السلطة في غزة مع احتفاظ اسرائيل بادارة الشأن الامني في القطاع.
ثالثا: يجب القبول – وبسرعة – بصفقة لاطلاق سراح الرهائن حتى لو تطلب عقد هذه الصفقة وقف الحرب.: وعلى اسرائيل ان تعمل في هذا الجانب ان من حقها في مرحلة لاحقة ان تتراجع عن اي شروط تقتضيها الصفقة( الانسحاب مثلا وبعد الصفقة تعود للحرب.) وعلى اسرائيل من جانب آخر في هذا الموضوع ان تعطي الاولوية للرهائن المدنيين وتفصلهم عن العسكريين. اما بخصوص المعتقلين الفلسطينيين العاديين الذين يمكن ان يفرج عنهم في التبادل فمن حق اسرائيل اعادتهم للاعتقال إذا استشعرت اي خطر منهم.اما المعتقلين من الخطرين (القيادات و ذوي الاحكام العالية..الخ) فيجب ربط اطلاق سراحهم بتنازلات اقليمية مثل توسيع دائرة التطبيع العربي الاسرائيلي وهو ما يزيد شعور الامن لدى الاسرائيلي.
رابعا: لا بد من تجنب وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة، ولابد من دمج تنظيم المساعدات الإنسانية مع عملية إنشاء كيان مدني بديل لحماس، مع منع وقوع المساعدات في أيدي هذه المنظمة ، ومن الافضل ان تاتي المساعدات الى ميناء اسدود ثم يتم نقلها لغزة، لان اعادة تأهيل ميناء غزة سيعطي حماس ميزة ومشهدا من مشاهد السيادة.
خامسا: إن التوصية بوقف الحملة الحالية والانتقال إلى نمط عملياتي مختلف لا يمنع من استئناف الحرب في رفح، شريطة اعتماد اسرائيل مسار عمل وتوقيت مختلف يخدم الهدف الاستراتيجي المطلوب.وعليه لا بد من مراعاة ما يلي:
1- ترتيب الحدود المصرية مع غزة وبالتعاون مع امريكا (واعلام اسرائيل بكل خطوة)لضمان عدم التهريب وبخاصة للاسلحة.
2- اذا لم تهاجم اسرائيل رفح يجب ان تبقى مطالبها هي: استسلام السنوار والضيف واستسلام كتائب القسام، وفي حالة الرفض يتم الاستمرار في عمليات اغتيال القيادات وتدمير البنية التحتية المدنية والعسكرية واغلاق ممر فيلادلفيا تماما .
3- يمكن تحقيق الاهداف السابقة بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة من خلال الضربات البرية والجوية والعمليات الخاصة .
4- يتم القيام بهذه العمليات بعد الافراج عن الرهائن.
سادسا: إن تعزيز القدرة الوطنية على الصمود في إسرائيل من خلال رأب الصدع الداخلي في اسرائيل سيمكن من القدرة على الاستمرار والتعافي السريع من الصدمة الجماعية نحو الرخاء والنمو ، وهو ما يتطلب استعادة الرهائن ، ضمان اعادة المهجرين من المستوطنات شمالا وجنوبا، وضمان اعادة التماسك بين الحكومة والمجتمع.
سابعا: إن تشكيل وتماسك جبهة المقاومة المكونة من ايران ومنظمات المقاومة الفلسطينية أدى إلى تآكل الردع الإسرائيلي وزيادة خطيرة في الشعور بالثقة بالنفس لدى أعداء إسرائيل في هذا المحور، لذلك يجب التعاون مع امريكا ودفع الحكومة اللبنانية لترتيبات تعزز دور القوات الدولية وتبعد عناصر حزب الله عن الجنوب.
اما بخصوص ايران لا بد من زيادة العقوبات عليها، وزيادة اعداد المراقبين من وكالة الطاقة النووية على مشروعاتها النووية ، وربط تخفيف العقوبات بخطوات تراجعية من ايران في مشروعها النووي، وعدم استبعاد القيام بضربات عسكرية ضد المشاريع النووية الايرنية.
ثامنا: العمل على الحفاظ على متانة وتطور العلاقات الامريكية الاسرائيلية بخاصة ان الدعم الامريكي في هذه الحرب يتوازى مع الدعم لاسرائيل خلال حرب 1973، ولن يكون هناك ازمة كبيرة بين امريكا واسرائيل الا بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، وهناك مشاعر كامنة لدى ترامب ضد نيتنياهو ،كما ان حزب بايدن الديمقراطي تتزايد فيه نزعات الموقف السلبي من اسرائيل، وهي امور يمكن ان تزداد بين الطرفين على المدى الطويل، لذا على اسرائيل ان تعمل على استعادة الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط وان تكون اكثر حذرا في خطاباتها السياسية تجاه الولايات المتحدة.
ما الذي نخلص منه من هذا التقرير الاسرائيلي :
1- ان المعركة مع المقاومة لم ولن تنتهي في المدى المنظور ، فقد تعرف هدوءا مؤقتا ،ثم لا تلبث ان تنفجر.
2- ان موضوع الرهائن- وهو ما يتضح من التقرير- يشكل عاملا ضاغطا بشكل كبير على الموقف الاسرائيلي ،وهو ما يستوجب من المقاومة تبني “استراتيجية الابتزاز” للحصول على افضل النتائج، ولعل الاعلان بين الحين والآخر عن مقتل بعض الرهائن” بسبب القصف الاسرائيلي” هو عامل مهم في تأجيج الجبهة الداخلية وإحراج صانع القرار الصهيوني.
3- ان الرهان الاستراتيجي من اسرائيل على دور سلطة التنسيق الامني كبير للغاية، مما يؤكد ان ما خفي من علاقات بين الطرفين اعمق مما يبدو على السطح، ويستوجب على المقاومة خنق اي دور مقترح لسلطة التنسيق الامني.
4- ان جوهر التفاوض الاسرائيلي يقوم على عدم الإلتزام بأي التزام مهما كان ، ويمكن التحلل منه في اي لحظة مواتيةن وهو ما يتضح في التوصية باستئناف العلميات العسكرية بعد الانتهاء من صفقة الرهائن، وهو ما يستوجب علىا لمقاومة ان تجعل موضوع الرهائن هو آخر موضوع للتفاوض مهما كانت الظروف،وعليها ان تماطل في الموضوع الى ابعد الحدود، وان توزع من الرهائن على تنظيمات المقاومة الاخرى للهروب من الضغط القطري والمصري لان التنظيمات الاخرى اكثر تحررا من سياج قطر ومصر.
5- أن اسرائيل تثق بتوجهات السلطة المصرية من حيث عداء هذه السلطة لحركة التحرر الفلسطيني دينية او علمانية، وان مصر لا تريد العودة لميدان الصراع العربي الاسرائيلي مهما كانت الظروف.
6- على المقاومة ان تسعى لتوسيع اطراف التفاوض باشراك دول أخرى لها علاقات مع الجميع، ونعتقد ان تركيا يمكن ان تكون افضل كثيرا من قطر لان درجة استقلالية القرار التركي اعلى كثيرا من درجة استقلالية القرار القطري او المصري(رغم النهج الاردوغاني المثير للجدل)، او يمكن مشاركة اسبانيا أو ايرلندا او احياء دور اللجنة الرباعية، اما الاستمرار في التفاوض مع الرباعي الحالي فتكرار “للايتام على موائد اللئام”.
7- تعتقد اسرائيل ان أمنها يمكن ان يبقى في حالة خطر مع استمرار وجود “محور المقاومة” ،لذا فانها ترى ضرورة شد الولايات المتحدة للتواجد الاعمق في الشرق الاوسط ليكون رافعة الضغط الاهم لشل الدور الايراني واستعادة اسرائيل مكانتها في اولويات السياسة الامريكية وتعزيز دورها الوظيفي في الاستراتيجية الامريكية.
https://www.facebook.com/walid.abdulhay?mibextid=ZbWKwL
2024-04-24