ميثاق الأمم المتحدة بعد ثمانين عاما!

د. محمد عبدالشفيع عيسى
يمرّ هذا العام -2025- وقد مضى على إبرام «ميثاق الأمم المتحدة» ثمانون عامًا بالتمام والكمال (26 يونيو 1945 بمدينة سان فرانسيسكو. ويبدو أن منظمة الأمم المتحدة وميثاقها العتيد بلغا قمة نضجهما عند مرور أربعين سنة، أى نحو 1985، قبل حدوث التغير الدراماتيكى المذهل بانهيار القوة العظمى الثانية أو القطب الثانى فى النظام الدولى» آنئذٍ، الاتحاد السوفيتى، عام 1991. أما منذ 1991 حتى الآن، على مدى خمسة وثلاثين عامًا تقريبًا، فقد خضع النظام الدولى لسطوة قوة منفردة، هى الولايات المتحدة الأمريكية ، «القوة العظمى الوحيدة»، كما قيل، برغم بزوغ النجم الساطع (الصين) وكواكب عديدة فى قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .
بذلك، أمكن القول بتغير وجهة النظام العالمى وتحوُّل ميثاق الأمم المتحدة إلى مجرد وثيقة تصلح للحفظ فى الأدراج، ولا تمثل قوة محركة للنظام الدولى كما كان عليه خلال الخمسة وأربعين عامًا الزاهرة (1945-1990).
وقد يكون من المفيد أن نلقى نظرة مقارنة بين ما نصّ عليه «الميثاق» وما يكون عليه الحال الآن، حتى ندرك ما حلّ بالكوكب الأرضى من تغير (سلبيّ غالبا) فى جميع المجالات تقريبا (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفى البيئة المحيطة، وغير ذلك ..). وسوف نجرى المقارنة انطلاقًا من نصوص الفصل الأول من الميثاق (الأهداف والمبادئ) وأحكام تسوية المنازعات فى الفصلين السادس والسابع، وذلك حتى تتبين لنا طبيعة الدعوة التى ذكرناها فى عنوان لمقال لنا فى (الأهرام) العتيد منذ وقت قريب، عن ضرورة (تجديد الغلاف القانونى للمجتمع العالمى)، سعيًا إلى ما يبدو أنها « المهمّة الصعبة» بإعادة صياغة «الميثاق» أو وضع ميثاق جديد تمامًا.
تتمثل أهداف أو «مقاصد» الأمم المتحدة، – حسب النص – فيما يلى: حفظ السلم والأمن الدوليين. وتحقيقًا لهذه الغاية تتخذ الأمم المتحدة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التى تهدّد السلم لإزالتها، وتقمع أعمال العدوان ..إلخ. إنماء (تطوير) العلاقات الودية بين الأمم، على أساس احترام مبدأ المساواة فى الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها حق تقرير المصير ..إلخ. تحقيق التعاون الدولى من أجل حل المشكلات الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية …الخ. أما عن المبادئ فيتمثل أهمها فى: المساواة فى السيادة بين جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة. قيام أعضاء المنظمة بالالتزامات المنصوص عليها فى الميثاق- بحسن نيّة. حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية. الامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأى دولة ..الخ. ولنا أن نُعلّق على الأهداف والمبادئ السابقة، بأنها لم تعد مطبقة أو قابلة للتطبيق فى الواقع الدولى الراهن.
أما عن أحكام تسوية المنازعات المثبتة فى الفصلين السادس والسابع، فيكفى -مبدئيًا – أن نشير إلى أن كليهما غير مطبقين، ولا هما قابلان للتطبيق أيضا، فى الواقع الدولى الراهن.
عنوان الفصل السادس (فى حل «المنازعات حلاًّ سلميا) وخلاصته أنه يحيل إلى «مجلس الأمن» – وهو الفرع المكلف بحفظ السلم والأمن الدوليين من بين فروع منظمة الأمم المتحدة- مسئولية التشجيع على حل المنازعات (بالمفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، وعن طريق اللجوء إلى الوكالات والمنظمات الإقليمية، أو غيرها من الوسائل السلمية). ويوكل الميثاق إلى مجلس الأمن مسئولية التوصية بما يراه ملائمًا لحل النزاعات سلميًا، بما فى ذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ..الخ.
وفى تعليقنا على الفصل السادس، نشير إلى أنه يقدم منظومة للحلول (بغير أسنان)، إذ لم يتضمن ذراعًا قادرة على التدخل «العملياتى» للمساعدة على حل النزاعات حلاً سليمًا بحق. نشير بصفة خاصة إلى قرار مجلس الأمن الشهير، المعروف بالرقم (242) خاصًا بحل مشكلة الاحتلال الإسرائيلى بعد وقوع عدوان الخامس من يونيو (حزيران). ولم يكن لدى مجلس الأمن ما يجب أن يتسلح به من أدوات لضبط مسار الصراع، ولو عن طريق تحميل الطرف المسئول عن استمرار الصراع مسئولية ذلك، ويضعه أمام واجبه الملزم باحترام ما ذكر فى أهداف الميثاق، خاصة احترام سلامة الأراضى للدول الأعضاء، واحترام مبدأ حق تقرير المصير للدول المختلفة. لذلك انتهى الأمر بفشل الحل (الدبلوماسى) فشلاً ذريعًا (إن صح التعبير)، وترك الحل لمن يمكنه استخدام الوسائل الكفيلة بذلك. وهذا ما أصبح عليه الحال عن طريق قيام مصر العربية بالعمل على (إزالة آثار العدوان) وخوض (حرب الاستنزاف) طوال ثلاث سنوات (1967-1970)، ثم ما جرى بشأن الحرب الفعلية من الطرف العربى الجماعى فى أكتوبر 1973 (مصر وسوريا).
أما الفصل السابع فعنوانه ( فيما يتخذ من الأعمال فى حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان). وخلاصة الفصل أنه يصرح باستخدام القوة المسلحة بشكل جماعى من قبل منظمة الأمم المتحدة لقمع العدوان، (بما فى ذلك المناورات والحصار والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة). ومن أجل ذلك تُشكل لجنة دولية من أركان الحرب، ووضع الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب.
ولنا أن نعلق على ذلك بأن هذه النصوص لم يقدر لها أن تطبق أصلاً، فلم يمنح مجلس الأمن صلاحية استخدام القوة المسلحة لقمع أعمال العدوان. لذلك بقى المعتدى (يسرح ويمرح) إزاء الضعفاء والمعتدى عليهم دون رادع بأىّ سبيل. ومن ثم رأينا ما رأينا من انتشار الفوضى المسلحة خلال أعوامنا هذه الأخيرة دون ردّ حقيقى فعال. فإلى أين..؟.
2025-07-03