معارك حلب…!
اضحوي جفال محمد*
البُعد العسكري في هذه التحركات غير مهم، فهي معركة تضاف الى مئات المعارك السابقة لها منذ بداية الغزو الارهابي عام 2011. المهم أبعادها السياسية، فسوريا بلد مدوّل تتواجد فيه اطراف كثيرة يتأثر بعضها بتصرفات بعض ويرد عندما تتعرض استراتيجيته لخطر. والمنطقة التي تجري فيها المعارك هـي ساحة صراع تركي روسي، وهناك اتفاقات مبرمة تضبط سلوك الاطراف المحلية والخارجية فيها. والاتفاق الابرز بهذا الخصوص هو معاهدة سوتشي عام 2018 وبموجبها اوجدت منطقة (خفض التصعيد) التي تنص على منطقة عازلة بعمق 20 كيلومتراً تتواجد فيها نقاط تركيّة كضامن للاتفاق. وتعهدت خلالها تركيا بإبعاد الفصائل المسلحة عن المنطقة وتجريدها من الاسلحة الثقيلة. لم تنفذ الخطة بالكامل وتغاضت روسيا عن ذلك لأن هدفها الاساس هو التهدئة وفتح الطريق الدولي بين حلب واللاذقية.
الان تم خرق المعاهدة من جانب الفصائل التابعة لتركيا وتوغلت على جبهة واسعة حتى حلب. لا ريب ان لاسرائيل يداً في الموضوع، وكان نتنياهو قد هدد سوريا قبل انطلاق الهجوم الارهابي بساعات. الدور الاسرائيلي لا يحتاج تحليلاً فهم يستخدمون جميع ادواتهم ضد محور المقاومة. الذي يحتاج التحليل هو الدور التركي، فاردوغان يعلم جيداً انه بهذا الهجوم ينقض التزاماته ويستفز روسيا في الصميم! فلماذا أقدم على هذه المغامرة؟. قبل كل شيء يرى المتابع ان اردوغان بهذا التصرف يعبر عن استيائه من رفض الرئيس السوري دعواته المتكررة للقاء. غير ان المسألة ليست مجرد انفعال وانما قرار سياسي يُفترض انه مدروس. هنا نضع فرضيتين كلاهما تقودان الى فتح باب التفاهم مع سوريا وفقاً لحسابات اردوغان. الاولى انه سيقوم بعد هجوم الفصائل على حلب بالضغط عليها لوقف الهجوم والتراجع مقابل تفاهمات سياسية تحرك الجمود في العلاقة مع سوريا. والثانية ان يتبرأ امام الروس من الفصائل ويبلغهم بالتخلي عنها، وبذلك يدخلها المطحنة ويتخلص منها بطريقة تبدو غير خسيسة، فيصبح الطريق ممهداً للتفاهم مع سوريا، اذ ان تلك الفصائل هي العائق الذي يعيق التفاهم بين البلدين.
ما يقلق اردوغان الان هو الاعراض الجانبية للخطة، فالطيران الروسي والسوري يدك دون توقف مواقع الفصائل بما فيها الواقعة داخل المدن، ومن الطبيعي ان يسفر ذلك عن موجة نزوح، ولن يكون للنازحين وجهة سوى الحدود التركية. أفيخرج اردوغان من المغامرة بمضاعفة عدد اللاجئين السوريين في بلاده؟ ان حدث ذلك يصبح براقش العصر.
من هنا بدأ منذ مساء اليوم باصدار بيانات تدعو لوقف الغارات السورية على ادلب. لقد اختطت اسرائيل سابقة يستطيع الروس تقليدها بيسر وهي دعوة السكان المدنيين الى مغادرة الاحياء السكنية قبل قصفها، وطبعاً سيهرب الناس بالالاف صوب الحدود التركية، وتعال يا عمي شيّلني.
( اضحوي _ 1944 )
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-30