ما بعد المواجهة بين إسرائيل وإيران: (مصير المليشيات المسلحة في العراق ولبنان)!
البروفيسور وليد الحيالي
مقدمة:
مثّلت المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران تصعيدًا غير مسبوق في سياق الصراع الإقليمي المزمن، لكنها في الوقت ذاته كشفت عن اختلال التوازن في شبكة النفوذ الإيراني الممتدة عبر مليشيات مسلحة في العراق ولبنان. هذه الكيانات، التي طالما أدّت دور “الوكالة” في صراعات الشرق الأوسط، باتت اليوم على مفترق طرق خطير، مع تبدل أولويات طهران، وازدياد الضغوط الدولية على الدول المستضيفة لها.
أولاً: السياق التاريخي لنشوء المليشيات المرتبطة بإيران
تعود جذور هذه الجماعات إلى فترات انهيار الدولة أو ضعفها، مستفيدة من فراغات السلطة كما في العراق بعد 2003 ولبنان خلال الحرب الأهلية وما بعدها.
• في العراق، تأسس “الحشد الشعبي” رسميًا عام 2014 بعد فتوى “الجهاد الكفائي”، لكنه كان امتدادًا عمليًا لتشكيلات سابقة مثل “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، المدعومة إيرانيًا منذ الاحتلال الأمريكي.
• في لبنان، نشأ “حزب الله” في ثمانينيات القرن الماضي كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه تحوّل إلى حزب مسلح له نفوذ سياسي وعسكري واستخباراتي يتجاوز حدود الدولة.
ثانيًا: المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية والتحول في موازين القوى
بحسب دراسة صادرة عن “مركز ستراتفور” الأمريكي في مايو 2025، فإن الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع الحرس الثوري والمليشيات التابعة له في سوريا والعراق استهدفت بشكل ممنهج البنية التحتية اللوجستية لهذه الجماعات، مما تسبب بخسائر فادحة في قدراتها التقنية والبشرية. كما أن الهجوم السيبراني الإسرائيلي – وفق تقارير من تايمز أوف إسرائيل – طال أنظمة الاتصال الإيرانية وأضعف قنوات التنسيق مع وكلائها.
وفي الوقت نفسه، أصبحت طهران – المثقلة بالعقوبات والانهيار الاقتصادي – أقل قدرة على تمويل وتسليح هذه الجماعات كما في السابق، مما يضعها أمام خيارين: التسوية أو الإنهاك.
ثالثًا: شهادات من الداخل العراقي واللبناني
شهادة من العراق:
في لقاء صحفي مع النائب العراقي المستقل “محمد علوش الحسيني” (موقع المدى – نيسان 2025)، صرح:
“الحشد الشعبي فقد جزءًا من شعبيته داخل المدن الشيعية ذاتها، خصوصًا بعد انكشاف ارتباط بعض فصائله بأجندات إيرانية تتناقض مع السيادة العراقية. هناك إدراك متزايد داخل المؤسسة الأمنية بأن دمج الحشد الكامل بالمؤسسات النظامية لم يعد ترفًا بل ضرورة بقاء للدولة.”
شهادة من لبنان:
من جهته، اعتبر المحلل اللبناني “وسيم بزي”، المقرب من حزب الله، في مقابلة مع قناة المنار (أيار 2025) أن:
“أي تسوية إقليمية لن تمر دون الحفاظ على معادلة الردع. سلاح المقاومة ليس مطروحًا على الطاولة، لكننا منفتحون على تطوير العلاقة مع الدولة اللبنانية بما يحفظ قوة لبنان.”
لكن بالمقابل، أظهر استطلاع للرأي أجراه “معهد عصام فارس” في الجامعة الأمريكية ببيروت أن 62% من اللبنانيين يرون في “استقلالية حزب الله العسكرية” خطرًا على الاستقرار الداخلي.
رابعًا: سيناريوهات مستقبلية لمصير المليشيات
1. الاحتواء المشروط:
قد تقبل بعض المليشيات بعملية “احتواء ناعم” تُدمج فيها جزئيًا بالمؤسسة الأمنية، مقابل ضمانات عدم ملاحقة قضائية أو مالية، كما حدث مع “الحرس الجمهوري” في إيران بعد الثورة.
2. المواجهة الداخلية:
في حال اشتداد ضغط الجمهور (كما في احتجاجات تشرين في العراق)، قد تنشأ مواجهات مباشرة بين هذه الجماعات وشارعها، خاصة إذا وُجهت تهم بالفساد أو اغتيال الناشطين.
3. التدوير الجغرافي:
من المحتمل أن تعمد إيران إلى إعادة نشر هذه المليشيات في بؤر صراع أخرى مثل اليمن أو حتى أفريقيا، لتخفيف الضغط عنها داخليًا دون خسارتها استراتيجيًا.
خامسًا: المآل السياسي – بين الدولة والمليشيا
في العراق، سيبقى مصير هذه الجماعات مرتبطًا بشكل الدولة القادمة: دولة مدنية بمرجعية وطنية أم دولة طائفية بهياكل هجينة. أما في لبنان، فبقاء حزب الله كقوة عسكرية مستقلة سيعني استمرار هشاشة الكيان اللبناني، وربما تعثر انتخاب رئيس للجمهورية لفترات إضافية، ما لم تُربط التسوية الإقليمية بتسوية داخلية.
خاتمة: الدولة هي الفيصل
لقد كشفت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية هشاشة بنية المليشيات ما بعد “الوكالة”. فهذه الجماعات، التي تأسست بوصفها أدوات مقاومة، تحوّلت إلى عوائق أمام بناء الدولة. ومع تراجع دور طهران، ستضطر هذه المليشيات إلى إعادة تعريف هويتها: هل تبقى أدوات خارجية أم تتحول إلى شركاء حقيقيين في بناء الوطن؟
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تسمح إرادة الشعوب وصناديق الاقتراع ووعي الجيل الجديد بفرض خارطة جديدة تقصي سلاح ما دون الدولة، وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الجامع؟
المصادر:
1. مركز ستراتفور للدراسات الأمنية – تقرير: “Iran’s Proxy Forces and Israel’s Expanding Shadow War” – أيار 2025.
2. صحيفة المدى العراقية – لقاء مع النائب محمد علوش الحسيني – نيسان 2025.
3. قناة المنار – مقابلة مع وسيم بزي – أيار 2025.
4. استطلاع معهد عصام فارس – الجامعة الأمريكية ببيروت – نيسان 2025.
5. تايمز أوف إسرائيل – “Cyber Attacks Target Iranian Command Network” – آذار 2025
2025-07-03