ذكرى مجازر الثامن من أيار 1945 بالجزائر!
الطاهر المعز
عَيْنة من التّجاهل الأوروبي لمساهمة جنود المُستعمَرات، وخصوصًا تجاهل مُساهمة الجيش السوفييتي في دَحْر جيش ألمانيا النّازية وهزيمتها، خلال الحرب العالمية الثانية
كان يوم الثامن من أيار/مايو 1945 يوم فرح في فرنسا، وكان يوم حداد في الجزائر، حيث بدأت المجازر في ذلك اليوم، عقب مظاهرة احتفالاً بالنصر على ألمانيا النازية، لأن دولة الإحتلال الفرنسي وعدت الجزائريين بالإستقلال إن شاركوا معها في التّغلُّب على جيش ألمانيا النّازية التي احتلت فرنسا واحتلت كذلك مستعمراتها، واستمرت المجزرة حتى يوم السادس والعشرين من شهر حزيران/يونيو 1945، وأدت إلى مقتل عشرات الآلاف…
احتل جيش ألمانيا النازية تونس خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1942 إلى غاية شهر أيار/مايو 1943، وكانت ليبيا مُحتلّة من قِبَل إيطاليا ( 1911 – 1943 ) وأدّى الإحتلال إلى المزيد من اضطهاد السكّان المحليين ( مسلمين ويهود )، وعبّرت الوثائق المكتوبة آنذاك ( رسائله ومُذكّرات ويوميات وقصائد…) والروايات الشفوية عن الحصار والعُنف والعُنصرية والإرهاب اذي مارسه الإحتلال الألمان، والذي يفوق إرهاب الإستعمار الفرنسي، ولكن التاريخ الفرنسي والتاريخ الأوروبي لا يذكره مُعاناة الشعوب الأخرى خارج أوروبا، بما في ذلك شُعُوب الإتحاد السّوفييتي، وتم تَجَاهُلُ الإرهاب الذي مارسه الجيش الألماني في الوطن العربي ( شمال إفريقيا والمشرق العربي )، بل ارتكب المُقاومة الفرنسيون للإحتلال النازي مجزرة ثيراواي في السينغال بسبب مُطالبة الأفارقة المُسرّحين من الجندية بجراياتهم وارتكب الجيش الفرنسي – الذي قاوم النازية – مجزرة في دمشق سنة 1946 وقصف مبنى البرلمان وبداخله نُواب الشعب السوري الذين كانوا بصدد التصويت من أجل استقلال سوريا عن الإحتلال الفرنسي ( من 1918 إلى 1946 ) كما ارتكب مجزرة سطيف وقالمة وخَرّاطة، شرقي الجزائر ضد الشعب الذي طالب بتنفيذ وعود الإستعمار الفرنسي، بعد مساهمة الجزائريين بشكل كبير في تحرير فرنسا، واعتقد كثيرون أن سقوط النازية يبشر بسقوط الاستعمار الوشيك، لكن بمجرّد تلويح الشاب “بوزيد صال ” بالعلم الجزائري، أطلق ضابط فرنسي النار عليه في رأسه وأرداه قتيلا، وانطلقت “أعمال شغب” وفق الإعلام الفرنسي الذي أعلن وقوع 102 قتيل أوروبي، لتبرير إطلاق النّار على المتظاهرين، خلال عدّة أسابيع في عدد من مُدُن الشرق الجزائري وقَدّرت المصادر الفرنسية عدد القتلى ما بين عشرة آلاف و ثلاثين ألف جزائري، فيما قدّر الجزائريون عدد ضحايا المجزرة بنحو 45 ألف شهيد، ويمكن اعتبار هذه المذبحة الجماعية بمثابة واحدة من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الفرنسي لقمع المطالب الوطنية للشعب الجزائري ولقمع شعب مدغشقر يومي 29 و 30 آذار/مارس سنة 1947 ( أكثر من مائة ألف ضحية ) وقتل عشرات الآلاف – بين 1956 و 1960 – من أعضاء “اتحاد شعب الكاميرون” الذي كان يُطالب بالإستقلال الكامل…
استخدم الإستعمار بشكل عام والإستعمار الفرنسي في الجزائر – وفي غيرها من المُستعمَرات – العنف الجماعي من أجل الاستيلاء على الأراضي وكشكل من أشكال إدارة شؤون السّكّان المحلّيّين ولم يتردّد الجيش الفرنسي في ارتكاب المجازر، وتندرج مجازر الثامن من أيار/مايو 1945 ضمن هذا التاريخ الإستعماري الدّموي، منذ 1830، إلى مجازر كانون الأول/ديسمبر 1960 وتفجيرات 1961 و المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية في باريس ضد المقيمين الجزائريين ( الذين كانوا فرنسيين وفق القانون الفرنسي لكن قررت الحكومة فرض حظر التجوال على الجزائريين دون غيرهم) يوم 17 تشرين الأول/اكتوبر 1961، وكان والي الشرطة في باريس هو موريس بابون عميل النازية ضد شعبه الفرنسي، ومنحه شارل ديغول العفو وعينة محافظ شرطة ولاية باريس، ثم تم تعيينه وزيرًا فيما بعد… ولما تظاهر الجزائريون سلميا ضد هذا القرار تم قتل حوالي مائتَيْن منهم واعتقال إحدى عشر ألف ورمْي العشرات في نهر السين…
انضم المدنيون الأوروبيون المُسلحون إلى المليشيات التي كانت تُساعد الجيش النازي وحكومة فيشي الفرنسية العميلة لألمانيا بزعامة الماريشال فليب بيتان، إلى الجيش والشرطة لقتل السكان الأصليين الذين ساهم أبناؤهم في تحرير فرنسا من الإحتلال الألماني النّازي، وكان الشعار الذي رفعه آنذاك ( يوم الثامن من أيار 1945) نحو عشرة آلاف متظاهر في شوارع مدينة سطيف “تسقط النازية، يسقط الاستعمار!”…
لم تجر مُحاكمة القَتَلة – فهم كُثر ويمثلون الدّولة والإيديولوجيا والسلطة الإستعمارية – ولم يحقق القضاء الفرنسي في الوقائع أو في تحديد المسؤوليات، وتم مَنْع الباحثين والمُؤرّخين من الإطّلاع على الوثائق التاريخية ( الأرشيف)
2025-05-09