التهجير.. جريمة ضد الإنسانية!
د.نهلا عبدالقادر المومني
يعد التهجير أحد الأشكال المباشرة وغير المباشرة للإبادة الجماعية، وفي الإطار الممنهج هو أداة من أدواته ومعولا أساسيا في طمس هوية الشعوب وأرادتها في الوقت ذاته.
وعبر التاريخ استخدمت عمليات التهجير القسري للسكان أو دفعهم إلى ذلك بإخضاعهم إلى ظروف تؤدي إلى إهلاكهم كليا أو جزئيا على نطاق واسع.
وانطلاقا من ذلك وبالنظر إلى أن عمليات التهجير طالما شكلت قلقا للمجتمع الدولي نظرا لاستخدامها كأداة عسكرية حربية في النزاعات كافة سواء الداخلية أو الخارجية، تم إقرار العديد من الاتفاقيات التي جرمت هذا الفعل أو أي جرائم أخرى قد تؤدي إليه لمحاولة وضع حد لهذه الجريمة.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي جاء في مقدمته أن الأمم المتحدة قد عقدت العزم ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة، لغايات وضع حد للإفلات من العقاب، هذا النظام اعتبر وفي المادة السابعة منه أن إبعاد السكان أو النقل القسري لهم يشكل إحدى صور الجرائم ضد الإنسانية.
نظام المحكمة الجنائية الدولية ذاته عرف إبعاد السكان أو النقل القسري لهم على أنه نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
ليس هذا فحسب بل أن نظام روما الأساسي اعتبر أن الإبعاد أو النقل غير المشروعين وقيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها يعد أحد أشكال جرائم الحرب.
في إطار القانون الدولي الإنساني، أكدت اتفاقية جنيف الرابعة على حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للسكان أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي أي دولة أخرى أيا كانت الدواعي والأسباب.
اما اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فقد اعتبرت أن أحد أشكال الإبادة الجماعية يتمثل في نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى، ناهيك عن أن التهجير القسري يعد أحد الأشكال غير المباشرة لعملية الإبادة الجماعية؛ لاستهدافه في إبعاده فترة طويلة الأمد، أو انهاء وجود إحدى الجماعات أو التأثير عليها، وهذه الجريمة أي جريمة الإبادة الجماعية ونظرا لجسامتها فإنها وفق نظام روما الأساسي تدخل في اختصاص المحكمة وولايتها.
ولأن جريمة الإبادة الجماعية تتطلب أدوات دولية واسعة للتصدي لها تم إقرار مادة فريدة من نوعها في هذه الاتفاقية، تنص على أن تعرض على محكمة العدل الدولية بناء على طلب أحد الأطراف ما يتعلق بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال المتصلة بهذه الجريمة والواردة في المادة الثالثة منها وهي التآمر على ارتكاب هذه الجريمة والتحريض المباشر والعلني على ارتكابها ومحاولة ارتكابها والاشتراك في الإبادة الجماعية.
إذا وفي ظل دعوة الرئيس الأميركي اليوم إلى نقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر، لا بدّ أن يكون هذا المشهد القانوني حاضرا؛ فالولايات المتحدة ممثلة برئيسها تدعو اليوم بشكل أو بآخر إلى ارتكاب جريمة تعد إحدى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية متناسية أن اتفاقية جنيف الرابعة تضع مسؤولية على الدول كافة حتى تلك التي ليست طرفا في الحرب أو العدوان على أن تضمن احترام بنودها وعدم التجاوز عليها.
بسياق آخر وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ما تتم الدعوة إليه يدخل في إطار التحريض على ارتكاب هذه الجريمة وهو تحريض وفق الاتفاقية يستوجب المساءلة.
أما في اطار نظام روما الأساسي فإن النصوص القانونية الواردة في صلب النظام واضحة بأن نقل السكان وتهجيرهم يعد جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب في آن واحد، أي أنها ترتقي إلى أن تكون أشد الجرائم جسامة وخطورة على المستوى الدولي.
2025-02-03