السيسى فى بغداد.. عشر دلالات أولية!
عماد الدين حسين.
ما هى الدلالات والمعانى الأولية لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للعاصمة العراقية بغداد يوم الأحد الماضى، لحضور الانعقاد الرابع للقمة الثلاثية مع رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى؟
أولا: هى أول زيارة لرئيس مصرى لبغداد منذ أكثر من ٣٠ عاما. آخر زيارة للرئيس الأسبق حسنى مبارك كانت قبل شهور من ٢ أغسطس ١٩٩٠، وهو يوم عربى فاصل، حينما قام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، مما أدى لنتائج كارثية، ليس فقط للعراق، ولكن لكل المنطقة العربية مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن، خصوصا الهيمنة الغربية على منطقة الخليج، ثم احتلال العراق لاحقا، وتفجير النزعات العرقية والطائفية والمذهبية.
ثانيا: إن الزيارة تذكرنا بالتحالف الرباعى بين مصر والعراق والأردن واليمن تحت عنوان «مجلس التعاون العربى»، الذى تشكل بعد عام ١٩٨٨. وكان كثيرون يراهنون عليه، لكن قرار غزو العراق للكويت فى ١٩٩٠، دمر هذا التحالف، الذى ثبت أن صدام حسين دخله بهدف الهيمنة والتوسع، لكن الفارق الآن أن الدول الثلاث صارت أكثر عقلانية ونضجا إلى حد كبير. وسمعنا فى القمة الأخيرة عن الربط الكهربائى والنفطى أكثر مما سمعنا عن «بوابة العرب الشرقية».
ثالثا: مؤسسة القمة الثلاثية المصرية الأردنية العراقية ــ وهى تعقد جولتها الرابعة بعد ثلاث جولات فى القاهرة مارس ٢٠١٩ ثم نيويورك سبتمبر ٢٠١٩ ثم عمان ٢٠٢٠ وأخيرا بغداد قبل أيام ــ هى ورقة مهمة فى يد البلدان الثلاثة جوهرها أن لديها العديد من الأوراق، وأنها ليست حبيسة اتجاه أو تحالف أو تنسيق بعينه.
رابعا: سمعنا خلال هذه القمة حديثا موسعا عن المشروعات الاقتصادية المشتركة مثل خطوط للنفط والغاز والنقل البرى المباشر والاستثمارات والتكامل الاقتصادى، أكثر مما سمعنا عن شعارات هى صحيحة فى ظاهرها لكن من رفعوها استخدموها شماعات، وثبت أن ضررها أكثر من نفعها.
خامسا: ورغم الحديث الكثير عن الاقتصاد، إلا أن الرسائل السياسية كانت حاضرة جدا، خصوصا الدعوة إلى تنسيق أمنى لمواجهة الإرهاب والتطرف، وفى هذا دعمت الدول الثلاثة بعضها البعض فى القضايا التى تهم كل دولة.
العراق والأردن دعما مصر فى قضية سد النهضة ومصر دعمت البلدين فى القضايا المائية الخاصة بهما، ونعلم تماما أن هناك عدوانا مائيا تركيا مستمرا على سوريا والعراق، وعدوانا مائيا إسرائيليا مستمرا على الأردن والفلسطينيين.
إذن القمة طابعها اقتصادى فى كثير من العناوين، لكن جوهرها سياسى.
سادسا: مؤسسة القمة التى اقترح الكاظمى أن تكون لها سكرتارية دائمة لتفعيل قراراتها ومتابعة تنفيذها، قد تمهد لتفاهمات عربية لاحقة، خصوصا فى استعادة سوريا للأسرة العربية، وربما لعب دور مهم فى تسوية الأزمة اليمنية، خصوصا أن العراق لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية، وكذلك بين إيران والولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق نووى جديد، والمؤكد أن العراق يريد ألا يتحول إلى ساحة لتجاذبات وصراعات دولية وإقليمية فى المنطقة.
سابعا: حينما تقول مصر إنها ترفض تهديد الأمن المائى العربى، فهى تبعث برسائل لأكثر من جهة أنها مهمومة أيضا بمحاولات تعطيش العراق وسوريا، مثل إحساسها بمحاولات إثيوبيا تعطيشها، وهى رسالة واضحة بأن من يحاول مضايقة وإزعاج مصر فى ملف ما، فإن مصر يمكنها أن تزعجه فى أكثر من ملف.
ثامنا: أن مصر جادة فى مساعدة العراق على العودة الكاملة والفاعلة لمحيطه العربى، لأن فى ذلك تمتينا للأمن القومى العربى بمعناه الواسع، وأن ذلك سوف يصب أيضا فى صالح الاقتصاد المصرى، علما بأن العراق مثل متنفسا اقتصاديا واسعا لملايين المصريين طوال حقب كثيرة خصوصا فى الثمانينيات وحتى الغزو الأمريكى له عام ٢٠٠٣.
تاسعا: أن مصر تبعث برسائل لمن يهمه الأمر بأن أوراقها العربية كثيرة، وأنها لا يمكن أن تعتمد على طرف واحد أو جهة واحدة، وهى تتحرك فى كل الجهات والجبهات، سعيا لتنويع أوراقها، ولبناء جبهة عربية قادرة على مواجهة التحديات العاصفة من التطرف والإرهاب إلى الأزمات الاقتصادية وتحديات كورونا وصولا للتهديد الإسرائيلى ونهاية بتهديدات دول الجوار سواء فى مياه النيل أو شرق المتوسط.
عاشرا: المؤكد أن تطورات ملف المفاوضات الإيرانية مع أمريكا والدول الغربية الكبرى فى فيينا هذه الأيام بشأن الاتفاق النووى الجديد ستلعب دورا مهما فى التطورات بالعراق والمنطقة، كما أن تركيبة الحكومة العراقية المقبلة عقب الانتخابات، سيلعبان دورا مهما فى التأثير على مؤسسة القمة الثلاثية إيجابا أو سلبا.
2021-06-29