فهم التحولات و دور آليات التدمير الذاتي!
هاني عرفات
في إحدى الندوات التلفزيونية الحوارية، سئل أحد المحللين: لماذا استيقظ الشارع الاميركي الان بالذات ؟
تلعثم الضيف و أجاب كيفما اتفق.
سوف أجتهد ، في محاولة للإجابة على هذا السؤال، والأمر يتلخص في مسألتين، الاولى تتمثل في تراكم الأزمات الداخلية المتفاقمة في الولايات المتحدة، وعجز كلا الحزبين عن إيجاد حلول لها، وصل أوباما إلى الحكم تحت شعار التجديد وفشل ، ثم جاء طرامب بفكره القومي الانعزالي ، ليطلق شعار أميركا أولاً لتخليص اميركا من أزماتها .
لم يكن في ذهن طرامب ، وأنصاره من المحافظين الجدد، و ما يسمى بتيار المسيحية الصهيونية ، ولا لوبيات الضغط الصهيونية في حينه، أنهم بهذا الشعار يطلقون النار عن غير قصد ، على الحلف المقدس ما بين أميركا و إسرائيل.
جاء العدوان الاسرائيلي على غزة، وبدأ نتنياهو وصحبه ، وحلفاؤهم في أمريكا ، يعلنون نواياهم الحقيقية، في التهجير والتطهير العرقي، وبدأوا بتنفيذ المخطط على الارض، وبدأت الصور تتسرب من غزة ، صورة تلك الفتاة وهي تمشي على الجمر، هروباً من المحرقة التي سببتها القذائف الاسرائيلية وقتلت عائلتها، و تلك الأيدي الغضة لأطفال برزت أصابعهم من تحت الأنقاض، و صور العائلات المحترقة في الخيام، وتلك الطفلة التي هتفت من تحت الأنقاض: من شأن الله طلعوني عمو، صوت هند رجب يستغيث وغيرها من الفظائع..
لم يكن بالإمكان حجب هذه المناظر، حتى عن المشاهد الأميركي، وهنا ارتفعت أصوات لتقول : ليس بإسمي تقتلون الأطفال ، وليس بأموالنا تلقى الحمم على رؤوس الأبرياء.
رد فعل السياسيين على هؤلاء، كان بمزيد من الدعم المطلق لجرائم إسرائيل، عندها أدركت قواعد التيار اليميني ، مدى تورط الطبقة السياسية في ذلك، أكثر من أي وقت مضى ، واتضح لهم بأن نفوذ إسرائيل في بلادهم قد تجاوز كل حدود..
و فجأة تذكروا شعار أميركا أولا، الذي رفعوه على طول الطريق، وقالوا للسياسيين: كيف يمكن أن تكون اميركا اولاً ، وهي ألعوبة بيد إسرائيل، والسياسيين في بلادنا يأتمرون بما تقوله لهم تل أبيب، و نحن نخوض الحروب نيابةً عنّ إسرائيل.
هكذا بدأت تتفاعل المسألة ، و تدريجياً بدأت تستقطب أصوات ، كانت حتى الأمس القريب، من أشد المدافعين عن الحلف المقدس، حتى صحيت على واقع ، يتم من خلاله إذلال قوة عظمى ، من قبل دولة صغيرة و بعض وكلائها من السياسيين في البلاد. هكذا بدأت تتبلور هذه الحركة المعارضة ، في أحشاء اليمين الاميركي.
هؤلاء النشطاء والمؤثرين ، تحرروا من الأكاذيب الدينية والسياسية، التي شحنوا بها على مدى سنوات طويلة، دينياً مثلاً، إسرائيل القائمة هي دولة علمانية، لا علاقة لها بإسرائيل الانجيلية، واكتشفوا أن مصالح اميركا لا تمر فقط من خلال إسرائيل، ومواطني إسرائيل الذين يمتصّون المساعدات ، على حساب دافع الضرائب الأميركي، يعيشون في رفاهية أعلى من نظرائهم الأميركيين.
مع الوقت بدأت تتكشف أمور أخرى، لم تكن الطبقة السياسية الاميركية، وعبيد إسرائيل يرغبون في أن تكشف، لكن كرة الثلج بدأت تتدحرج وتكبر يوماً بعد يوم، ولم يعد نقد إسرائيل وسياساتها وعلاقاتها و لوبياتها أمراً ممنوعاً ، كما كان طوال السنوات الماضية.
على الجانب الآخر، وفي ترابط وثيق مع هذه التحولات، نشط اليسار الأميركي، من خلفيات سياسية و عرقية واجتماعية وفكرية وثقافية متنوعة، في نشر الحقائق وتوعية المجتمع الأميركي لحقيقة الصراع، هؤلاء كانوا على الدوام ، الطلائع الحقيقية الذين شقوا جدار الصمت والتواطؤ بجرأة و حماس و تضحية منقطعة النظير، و بمساندة من الجاليات العربية والإسلامية إلى حد ما.
فوز المرشح التقدمي ممداني في نيويورك ، ما كان ليحصل دون هذه المقدمات، التي بنت رأس الجسر لهذا التحول .
عجلة التغيير تسير قدماً، ولن تستطيع أي قوة وقفها بعد اليوم إلا…
إلا إذا تم تنشيط قوى التدمير الذاتي . أرسل لي أحد الأصدقاء أمس، تسجيلاً لأحد شيوخ المسلمين على ما يبدو، يجول على متاجر المسلمين، في أحد الأحياء الأميركية، يدعو أصحاب هذه المتاجر إلى التوقف عن بيع الخمور ولحم الخنزير و اليانصيب في متاجرهم، و يمهلهم ثلاثين يوماً لتنفيذ ذلك، ولم أفهم ما هو الإجراء المتخذ بحقهم ان لم يفعلوا، ربما الدعوة لمقاطعة متاجرهم!!
ماذا لو قامت مجموعات مسيحية متطرفة، بمطالبة أصحاب المتاجر إلى تعليق الصلبان في متاجرهم ، وإلا فإنها سوف تدعو المسيحيين إلى مقاطعة متاجر المسلمين مثلاً؟؟
الغريب أن هذا الشيخ لم يتطرق إلى مقاطعة البضائع الاسرائيلية مثلاً ، أو الشركات الداعمة لحملات التطهير العرقي.
في المقابل هناك من يمثل الجانب المشرق ، والذي يجب أن يعمل الجميع على ترسيخه ، مقطع ڤيديو نشرته نشيطة أميركية، من باب التجربة الاجتماعية ، تواصلت مع عدد من الكنائس للحصول على علبة حليب لصغيرها المفترض، و بينما قوبلت بالرفض من أكثر من كنيسة، فوجئت بإمام المسجد الذي اتصلت به، يسألها ما نوع الحليب وعمر الطفل، و متى تريد الحضور لأخذ الحليب، دون سؤال عن جنسها و ديانتها و عرقها.
ملاحظة: بعد فوز ممداني بانتخابات عمودية نيويورك، انتشرت ڤيديوهات تصور احياء في نيويورك، تسير فيها الجمال ، و ترتفع مآذن إسلامية جديدة، و كأن هناك غزو إسلامي للمدينة. والباقي عندكم.
2025-11-13