الاعتراف المنقوص!
هاني عرفات
الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية أمر جيد، لكنه غير كافي ولا حتى لإيصال شربة ماء، لهؤلاء الذين يتعرضون لأبشع حملة إبادة عرفها التاريخ.
لا نقول هذا من باب المناكفة السياسية، بل لأن هذه الاعترافات متأخرة كثيراً وقليلة جداً ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ، الواقع على الأرض، لو كان هذا حصل قبل سنوات، لتفائلنا خيراً، وقلنا أن الضمير الدولي قد تغير أخيراً.
علينا بدايةً أن نفهم الدوافع الحقيقية لهذه الاعترافات ، وفي هذا التوقيت بالذات.
أغلب هذه الدول التي اعترفت مؤخراً، كانت وأظن أنها لا زالت، جزء من الحملة الظالمة على الشعب الفلسطيني، سواءً لناحية المشاركة الفعلية في الجهد العسكري، أو لناحية التمويل وتوفير الغطاء السياسي لحكومة الاحتلال.
الذي تغير عليهم أمران، أحدهما الضغط الشعبي الهائل في هذه البلدان ، وافتضاح المشروع الذي تجاوز كثيراً، الحدود المتفق عليها.
لو كانت هذه الحكومات تعني ما تقول ، لكانت بدأت من حيث ممكن أن تدفع دولة الاحتلال ، لأن توقف عدوانها، أي من حيث إحداث ضغط حقيقي ، وليس مجرد اعتراف رمزي. أي بفرض عقوبات صارمة، و مقاطعة حقيقية و طرد سفراء..الخ.
الاعتراف لوحده قد يكون الهدف منه فقط ، الإنحناء أمام عاصفة الضغط الشعبي، و تفادياً لإتخاذ إجراءات حازمة و حقيقية، وهو المقياس الحقيقي لجدية التوجهات.
ليس هذا فحسب، بل إن هذه الاعترافات لم تشر، إلى حدود هذه الدولة المعترف بها، مما قد يعني أن هذه الدولة من الممكن أن تكون على رقعة من عدة أشبار ، بعد أن يكون نتنياهو ، قد أنجز مشروعه في ضم غالبية أراضي الضفة الغربية ، وهجر سكانها منها. ناهيك عن الاشتراطات المسبقة بضرورة استبعاد قوى فلسطينية من أي عملية سياسية لاحقة.
الإنجاز الحقيقي يتمثل، فيما يجري في الساحة الخلفية لهذه البلدان، في هذه الحشود التضامنية الجبارة ، وليس في الاعترافات الشكلية التي لا ترافقها خطوات عملية ، و لذلك يجب عدم المبالغة والتهويل في إنجاز، قد يؤدي إلى فتور الحالة التضامنية، وكأنها حققت أهدافها.
منذ إعلان الدولة في العام ١٩٨٨م ، دول كثيرة اعترفت بدولة فلسطين، لكن هذا لم يمنع إسرائيل من مواصلة احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني، ولم يوقف بناء مستوطنة واحدة.
إذاً الاعتراف ليس الأساس. الأساس هو اتخاذ إجراءات حقيقية و فورية على الأرض ، من شأنها أن تلجم هذا الوحش المنفلت من عقاله.
2025-09-23