من يقبض على الجمر!
سعادة أرشيد
يوم الثلاثاء الماضي داهمت قوات الاحتلال رام الله في قلب الضفة الغربية والعاصمة المؤقتة لفلسطين ومقر قيادة السلطة الفلسطينية وقامت بتجريف الشوارع ومصادرة الاموال واعتقال المواطنين واصابت في رصاصها الحي قرابة الخمسين مواطنا فلسطينيا.
وعلى بعد ما يقارب 15 كيلو مترا داهم المستوطنون قرية المغير فاقتلعوا الاشجار واحرقوا الحقول وبعض المنازل وأخبروا أهل القرية أن لا مكان لهم في قريتهم. أما اليوم الذي تلاه فكان من نصيب مدينة نابلس التي دوهمت بقوات كبيرة استهدفت اتلاف البنية التحتية للمدينة، وطردت بعض الأسر من منازلها وجرحت واعتقلت كما في رام الله. وبالطبع فان ما حدث في نابلس ورام الله هو ما يحدث في طول الضفة الغربية وعرضها من عربدة الجيش والمستوطنين على حد سواء.
أيضا حظرت وزارة المالية الإسرائيلية على بنك اسرائيل المركزي استلام عملة الشيكل من البنوك العاملة في الضفة الغربية مما خلق ازمة اقتصادية خانقة فيما تحتفظ بأموال المقاصة التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي، الامر الذي اوقع السلطة في مازق مالي حيث انها لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها الا بمقدار الثلث تقريبا.
وهكذا فان اسرائيل تتعمد احراج السلطة الفلسطينية واضعافها امام شعبها فيما لم تجدّ نفعا محاولات ومجاملات السلطة للاحتلال ولا الجهود التي تبذلها لقمع المقاومة ان بشكلها المسلح وان بشكلها المعرفي الثقافي والسياسي.
يرى الاسرائيلي ان اتفاق اوسلو الذي ابرم عام 93 قد انتهت صلاحيته كما مفاعيله وما ترتب عليه مثل السلطة الفلسطينية، ويرى ان من ابرم الاتفاق قد غادر العالم المادي بالموت مثل اسحاق رابين وشمعون بيريس كما غادر عالم السياسة بانقراض حزب العمل. والاسرائيلي اليوم يعمل على ضم الضفة الغربية بكاملها ولا يريد وجود حيز مهما كان صغيراً لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة الاحتلال حتى ولو كانت ذات مظهر كاريكاتوري ،لا بل انه يعلن عن مشروعه بإقامة اسرائيل الكبرى التي ستلتهم شرق مصر وكامل الارض القومية وبالتالي فهو يرى ان السلطة الفلسطينية في رام الله قد اصبحت من لزوم ما لا يلزم وان وظيفتها قد شارفت على النهاية، وان عليها ان تتهاوى ان بفعل فشلها في تحقيق رغبات شعبها الوطنية أو في إدارة شؤون حياته اليومية وان بفعلة الاتفاق الذي جاء بها، و تحتاج للانهيار بشيء من المساعدة من دولة الاحتلال.
من هنا نرى ان الحرب التي تعلنها دولة الاحتلال غير مقتصرة على غزة والشام ولبنان وانما اصبحت حربا في الضفة الغربية أيضاً، أنها نظرية الاشتباك الشامل أو الحرب الدائمة التي تتبناها الحكومة الحالية في تل ابيب، وكما ذكرت في مقال سابق فان الحرب وفق هذه النظرية ليست وسيلة من وسائل السياسة وفق ما تقوله مدارس علوم السياسة والاستراتيجية، وانما اصبحت هي الغاية وهي السياسة.
لكن ذلك يجري في وقت تمر به الامة بأضعف احوالها و كذلك العالم العربي، و هو ما يتطلب العمل والاستعداد للوقوف امام ما يجري، وبالطبع لا اظن كما لا يظن كل صاحب عقل ان الحكومات و الجهات الرسمية في طول العالم العربي وعرضه مستعدة لعمل أي شيء مفيد في خدمة التصدي للمشروع الاسرائيلي الذي يزداد شراسة واجراما، لا بل انها تعمل في خدمته تطبيعا وامدادا وفي تخليها عن دورها، وانما المطلوب من القوى الحية ان تبقى قابضة على جمر الايمان بحقها و بإمكانية الصمود وان تجمع عيدانها في هذا الظرف الدقيق، ولهم في ما جرى صبيحة السابع من تشرين اول 2023 الدرس الذي قال يومها ان قوة هذا العدو ليست في داخله انما هي في ضعفنا و تخاذلنا و هواننا.
2025-08-31