منظمة التحرير الفلسطينية في ذكراها الخامسة والخمسين!
ابو زيزوم.
المناسبات النضالية محطات شماء لتأكيد المبادىء التي قامت لها وبها الثورة ، يستذكر فيها الثوار ايّام البطولة ومواقف الشهداء ، ويجددون العهد على مواصلة الكفاح حتى تحقيق الهدف. وقد مرت علينا امس ذكرى انطلاق حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير ، ولم اكن أتوقع كلاماً ذا بال عن مبدأ من مبادىء الحرية والتحرير ، غير اني لم اكن أتوقع أيضاً ان تخرج علينا زوجة عرفات من خلال صحيفة اسرائيلية لتبرىء الصهاينة من دم زوجها ولتدين الانتفاضة الثانية . ما كنت أتوقع ذلك لكني لم أفاجأ به . وهل تعاتَب سهى الطويل بينما المنظمة برمتها تحولت الى ذراع قذرة من أذرع الاحتلال ؟.
لا شك ان عوامل كثيرة ساهمت في إيصال الوضع الفلسطيني الى ما هو عليه الان ، ولكن وفي كل الأحوال لا يجوز توزيع المسؤولية بالتساوي ، فعرفات الذي كان ولأكثر من ثلاثين عاماً صاحب القرار والكلمة الفصل لا يمكن تبرئته من المآل المخزي الذي آلت اليه الأحوال . عندما تولى قيادة المنظمة بعد حرب حزيران كانت الشعوب العربية من أقصاها الى اقصاها تتوقد لهباً وتتبرع بكل ما تملك من لقمة الخبز الى معين الدماء انتصاراً لفلسطين ورفضاً للضيم . كان الفدائيون الفلسطينيون يزلزلون الارض تحت اقدام المحتلين . وكان احرار العالم يأتون من اليابان وإيطاليا وأفريقيا ليموتوا بسعادة غامرة تحت لواء هذه الثورة الساطعة الشمس . وبعد بضعة اشهر فقط من توليه قيادة المنظمة عكس اتجاه البندقية الى الوراء معتبرا الاْردن وليس اسرائيل هو العدو . الاْردن الذي فقد نصف المملكة دفاعاً عن فلسطين ، والذي كان يقاتل بجيشه وشعبه واقتصاده الى جانب الفدائيين وجد نفسه بقدرة قادر مهدداً من قبل المنظمة لا لشيء الا لأنه أراد الإبقاء على مؤسسات الدولة وقانونها . ومن بين علامات الاستفهام المتشابكة اندلعت أسوأ حرب في التاريخ العربي الحديث عام 1970 لتؤدي الى النتيجة الطبيعية وهي إغلاق الجبهة الاردنية الى الأبد .
المقاومة ضد التمييز العنصري في جنوب افريقيا تعتبر الأكثر شبهاً بالمقاومة الفلسطينية ، سجن قائدها نيلسون مانديلا 29 عاماً ، فلم يساوم ولم يهادن ولم تضعف عريكته ، وما خرج من السجن الا منتصراً قد حقق شعبه حريته وافرة غير منقوصة . وهوشي منه … قائد الثورة الڤيتنامية كان مقاتلاً في الصفوف الاولى والخنادق تحت القصف الامريكي الرهيب ، هزم اليابانيين وهزم الفرنسيين وهزم الامريكان ولم يلق السلاح الا وقد توحدت بلاده حرة كريمة بعد ثلاثين عاما من القتال المتواصل قدمت فيها ثلاثة ملايين ضحية على مذبح الحرية . والأمثلة كثيرة . عرفات لم يقضِ ليلة في السجن ولم ينم ليلة بلا عشاء ولم تنقصه صغيرة من متطلبات الحياة ، قضى عمره متجولاً بين العواصم تنقله طائرة خاصة ويُستقبل كملك وينال الدعم الخيالي من مستقبليه . في الاْردن كان إمبراطوراً غير متوج يحسده الملك حسين على ما يتصرف به من أموال . وفي لبنان أحدث هو وأتباعه مشكلة لبنانية لفرط الترف والإسراف الذي يتمتعون به . لم يكن يقاتل في لبنان وانما يقيمون دولة داخل الدولة لها جيشها وشرطتها وسجونها . وتحول بعضهم الى مأجورين ينفذون المهام الوسخة للأنظمة العربية بخطف المعارضين او تصفيتهم مقابل المال.
عرفات دكتاتور متجبر كأي حاكم عربي ، لا يسمح بصوت مرتفع او كلمة معترضة . لا يتردد عن تصفية الثوار اذا انتقدوه او أشاروا الى عشيقاته في الاعلام . ووصل به الانحطاط ان يشي بمعارضيه الذين لا تصلهم يده الإجرامية ، يشي بهم لدى الأجهزة المعادية كي تتولى القبض على اشرف الثوار لأنهم اغضبوه بكلمة حق.
عرفات لا يحمل في نفسه اخلاق الثوار الابية القويمة ، ولم يؤمن يوماً بأن القضية الفلسطينية قضية حياة او موت ، وانما يراها حقلاً للمساومات والصفقات والألاعيب غير النظيفة . فقاد بنفسه مسيرة التنازلات الكارثية التي انتهت به ومنظمته مخبرين لدى جيش الاحتلال عن الثوار والأحرار والمقاومين . فلما انجز كل ذلك صفاه الصهاينة لعدم امتلاكه خدمة إضافية يقدمها لهم .
كان محمود عباس قائداً من الدرجة الثالثة يفصله عن عرفات حشد مهيب من قادة الثورة المخلصين جرى التخلص منهم تباعاً وبطرق كثيرة ، صهيونية او عرفاتية ، فأخلي الطريق أمامه ليصبح الرجل الثاني في القيادة الفلسطينية ، وعندها اتخذ قرار تصفية عرفات ليصبح تلقائياً الرئيس الأوحد بعدما ألغيت نتيجة الانتخابات التي فازت بها حماس عام 2006 . ومنذ ذلك اليوم وهو يمارس عمله في اعتقال وتعذيب وتصفية كل فلسطيني يفكر بمقاومة الاحتلال .
هؤلاء الحثالات الوضيعة من قادة الثورة الفلسطينية وصمة عار في جبين حركة التحرر العالمي على امتداد التاريخ . أخس قيادة لأشرف شعب وأعظم ثورة . وما يزال شعب فلسطين المقاوم الصامد حجر عثرة وشوكة في الحلق يغص بها كل المطبعين والمتخاذلين والخونة ، وسيبقى كذلك حتى إحقاق الحق .
( ابو زيزوم _ 962 )
2021-01-04