لعنة ليبيا …. ساركوزي سقوط ما قبل السقوط الأكبر!؟”
بقلم :هشام الهبيشان.
أنها لعنة ليبيا ،فهزيمة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الدورة الأولى في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي، واعتزاله الحياة السياسية بسببها ، جزاء بسيط لما يستحقه ساركوزي بعدما اقترفه من جرائم بحق الشعب العربي الليبي ، فاليوم عندما نتحدث عن دور الفرنسيين وتحديدآ دور ساركوزي بما يسمى بالثورة الليبية «المصطنعة» وتزويد ما يسمى بالثوار بالسلاح والمال لاسقاط نظام الزعيم الراحل القذفي ،ً مقابل تعهّدات كاملةللفرنسيين بتفضيل الشركات الفرنسية في مختلف الصفقات التي ستطرحها الدولةالليبية في مرحلة ما بعد معمر القذافي، هي بعض التفاصيل التي نشرها «سيدني بلومنتال» مستشار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون،والخاصة بالإيميلات التي نشرتها وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً حول دعمالاستخبارات الفرنسية لـ«ميليشيات» بنغازي في أوائل العام 2011، ومدّهمبالأموال مقابل تعهّد قادة هذه الميليشيات بتفضيل الشركات الفرنسية فيمختلف صفقات الدولة الليبية مستقبلاً.
هذه المعلومات كشفتها مجموعة من الرسائل الالكترونية الخاصة بوزيرةالخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون والتي تلقتها من مستشاريهابخصوص الوضع في ليبيا منذ عام 2011، ومفادها، أنّ الرئيس الفرنسي السابقنيكولا ساركوزي كانت لديه مطامع في ليبيا، وأنه استغلّ الاضطرابات التيحصلت ضدّ نظام العقيد معمر القذافي لتكريس فرنسا كقوة عسكرية وتحقيق أهدافوطموحات سياسية واقتصادية.
وبيّنت هذه الوثائق التي نشرتها صحيفة «فيتيران توداي» الأميركية بعدأن أفرج عنها من قبل لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للتحقيق في الهجوم الذي وقعفي بنغازي وقتل فيه السفير الأميركي كريس ستيفنز، أنّ برنار هنري ليفيالمعروف بتبنّيه للنظرية الصهيونية وولائه المطلق لـ«إسرائيل» كان مساهماًفي خطط ساركوزي لتشريع التدخل العسكري في ليبيا، وأنه ساهم في تشكيل ماسُمّي غرفة عمليات بنغازي، وكان له دور أيضاً في تشكيل المجلس الانتقاليالليبي.
فهذه الوثائق التي اختار مستشار كلينتون عنواناً لها: «كيف خلقالفرنسيون المجلس الوطني الليبي؟» أو «عندما تتكلم الأموال»، وتتحدّث بشكلمطوّل كيف أنّ ضباطاً من الاستخبارات الخارجية الفرنسية كانوا قد انتقلواإلى ليبيا للقاء مصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس في شباط 2011، أيّ قبلبداية القصف الفرنسي، وهنا يقول سيدني بلومنتال: «إنّ مجموع هذه التنقلاتللضباط الفرنسيين إلى ليبيا كانت تتمّ بتعليمات من الرئيس ساركوزي، وقدتمّت اللقاءات فور انشقاق جليل ويونس عن حكومة معمر القذافي»، ويكمل مستشاركلينتون أنه «خلال اللقاء سلّم ضباط الاستخبارات الفرنسية أموالاً إلىهذين الشخصين لكي يشرفا على المجلس الوطني الانتقالي وعلى العملياتالعسكرية ضدّ نظام القذافي.
وحسب الوثائق المنشورة فإنّ «ساركوزي أعدّ وكان يرغب فعلاً بالحرب علىليبيا من أجل أهداف عسكرية، وأنّ برنارد هنري ليفي انضمّ إلى مؤسسة كلينتونخلال الاضطرابات في ليبيا وتمكّن من تأسيس شراكات مع بعض رجال الأعمالالأميركيين في محاولة لفتح أسواق في مرحلة ما بعد القذافي، وبناء على ذلكأرسل سيدني بلومنتال مستشار كلينتون السابق في البيت الأبيض إلى ليبيا،وبدأ بإرسال عشرات الرسائل الالكترونية والمذكرات السياسية والأمنية حولالوضع في ليبيا ابتداء من شهر شباط 2011 وحتى كانون الأول 2012، وهيبالتحديد الرسائل التي تمّ الكشف عنها مؤخراً.
وحسب ما اعترف به بلومنتال فإنه قام وبشكل أساسي بإرسال رسائل البريدالإلكتروني إلى كلينتون، والتي تمّ قصّها ولصقها من رسائل وصلته من تايلردرامهيلر وهو من قدامى المحاربين في وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آي» والذي غادر الوكالة في عام 2005 على خلفية معارضته للتلاعب بالمعلومات منقبل إدارة جورج بوش على العراق، الأمر الذي يدلل على احترافية الوثائقوصدورها عن خبير استخباراتي أمضى 25 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزيةوشغل منصب رئيس العمليات في أوروبا.
وفي إحدى الوثائق يفيد المستشار الاستخباري بلومنتال بأنه «يوم 20 آذار 2011 قال أشخاص مقرّبون من القيادة العسكرية والأمنية الفرنسيةوالبريطانية إنّ ساركوزي يخطط لأن تقوم فرنسا بقيادة الهجمات ضدّ ليبيا علىمدى فترة طويلة من الزمن»، ويشير في تعليقه إلى «أنّ القادة العسكريينالفرنسيين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة جراء ما يعتبرونه اختلافات السياسة بينفرنسا والولايات المتحدة والتي منعتهم من المشاركة في غزو العراق عام 2003،ولذلك فإنّ ساركوزي ومستشاريه العسكريين اعتقدوا بأنّ العمليات في ليبياستعيد بناء سمعة القوة العسكرية الفرنسية والتي أيضاً تضرّرت بسبب غزوالعراق للكويت.
وتتحدث الوثائق عن الآلية التي صنع عبرها الفرنسيون المجلس الانتقاليالليبي وأعطيت الوثيقة عنوان «كيف يتكلم المال»، وتنص على أنه «في أواخرشهر شباط عام 2011 بدأ ضباط من الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجيبسلسلة من اللقاءات مع مصطفى عبد الجليل والجنرال عبد الفتاح يونس الذيأصبح لاحقا قائداً لقوات المتمرّدين في محيط بنغازي بعد أن ترك الاثنانللتو حكومة القذافي حيث كان عبد الجليل وزيراً للعدل ويونس وزيراًللداخلية.
وحسب هذه المصادر المطلعة فإنّ «الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجيأمّنت المال والإرشاد للمساعدة في تشكيل المجلس الانتقالي، وبيّن هؤلاءالضباط إلى عبد الجليل ويونس أنهم يتحدثون بناء على أوامر من الرئيسالفرنسي ساركوزي وتعهّدوا بأنه حالما يتمّ تنظيم المجلس الوطني الليبي فإنّفرنسا ستعترف به باعتباره الحكومة الجديدة في ليبيا.
وفي مقابل هذه المساعدة أشار ضباط الإدارة العامة الفرنسية للأمنالخارجي إلى أنهم «يتوقعون بأن تمنح الحكومة الجديدة في ليبيا امتيازات إلىالشركات الفرنسية والمصالح الوطنية الفرنسية، ولا سيما فيما يتعلق بصناعةالنفط في ليبيا حيث وافق عبد الجليل ويونس على ذلك.
وفي الثالث من نيسان 2011 وبعد أسبوعين من ضربات «الناتو» الأولى علىليبيا وقّع المجلس الانتقالي الليبي رسالة أخرى كشفت عنها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية في أيلول اللاحق تقول إنه «وفي ما يتعلق باتفاق النفطالموقع مع فرنسا مقابل الاعتراف بمجلسنا في قمة لندن كممثل شرعي لليبيافإننا فوّضنا الأخ محمود جبريل بتوقيع هذه الاتفاقية بتخصيص 35 بالمئة منإجمالي النفط الخام للفرنسيين مقابل الدعم الكامل والمستمرّ لمجلسنا» ووفقاً لـ«ليبراسيون» كانت هذه الرسالة موجهة إلى مكتب أمير دولة قطر معنسخة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وفي دليل آخر على تورّط فرنسا يصرّح مستشار كلينتون في أحد رسائله بأنّ «هناك عمليات توريد لا حدود لها لرشاشات «ايه كيه» والذخائر حتى لأنظمة «زد اس يو 23 4 و23/2» وتقوم القوات الخاصة المصرية والبريطانيةوالفرنسية بتدريب قوات المتمرّدين غرب مصر وإلى درجة محدودة في الضواحيالغربية من بنغازي، وفي نيسان 2011 تحدث بلومنتال عن وصول مستشارين عسكريينبريطانيين إلى ليبيا ما سمح لفرنسا وبريطانيا الاستفادة من معلومات أفضل،إلا أنّ المجلس الانتقالي الليبي كان قلقاً لأنّ فرنسا وبريطانيا لم تبديارغبة في تقديم دعم كاف لتحقيق التغيير وقال: «إنّ الليبيين كانوا يشعرونبالمرارة على وجه الخصوص من الموقف الفرنسي نظراً إلى أنه وفي وقت مبكر منالتمرّد التقى ضباط من مجموعة العمل في جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسيةمع قادة المتمرّدين وشجعوهم على الانتفاض ضدّ القذافي مع إعطائهم وعوداًبتقديم المساعدات الفرنسية مع بدء القتال.
وعنون بلومنتال إحدى رسائله على الشكل التالي: «رجال الأعمال الفرنسيونلصوص إنسانيون» وذكر في مضمونها أنه في منتصف شهر نيسان عام 2011 بدأ سلاحالجو الفرنسي عملية منظمة بالتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية الفرنسيةبجلب الإمدادات الطبية والإنسانية الأخرى إلى بنغازي باستخدام الطائراتالمدنية، لكن هذه الرحلات أحضرت في الوقت نفسه ممثلين عن كبرى الشركاتالفرنسية بالإضافة إلى مسؤولين من المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي،وكلّ هؤلاء كانوا يتطلعون لتأسيس علاقات عمل مع قادة المجلس الانتقاليوكانت الطائرات الأولى تقلّ مسؤولين تنفيذيين من شركة «توتال» الفرنسيةللنفط وشركة «فينشي» للبناء وشركة الدفاع الجوي والفضاء الأوروبية «ايادس»،وكانت الطائرة المستخدمة في الرحلة مقدّمة من شركة «ايرباص» التابعة لشركة «ايادس»، كما حضر ممثلون لشركة «تاليس» العملاقة بالإضافة إلى شركاتفرنسية كبرى أخرى، وكلهم كانت لهم صلات وثيقة مع حكومة الرئيس الفرنسيالسابق ساركوزي.
وتؤكد الوثائق أنّ هنري ليفي عاد في زيارة ثانية إلى ليبيا وحصل علىتوقيع القادة المناسبين للمجلس الانتقالي حول مذكرة تفاهم تعزز على أرضالواقع حصول الشركات الفرنسية على تقدير خاص في كلّ القضايا التجارية،وتشير إحدى الوثائق إلى أنّ هنري ليفي أخبر قادة المسلحين في ليبيا أنّتوقيع العقود معه سوف يرفع عنهم شبهة العداء لـ«اسرائيل» والتي تسبّبعراقيل لسياسة ساركوزي المنفتحة تجاههم، وهنا سمع منهم كلاماً واضحاً: «نحننركز تماماً على قتال قوات القذافي وأولاده وقد سمحنا للبحرية الإسرائيليةفي بداية الثورة بدخول ميناء طبرق.
ختاماً، وحسب الوثائق فإنّ هنري ليفي استخدم مكانته كصحافي لتوفير غطاءلأنشطته رغم أنه كان يعمل بناء على أوامر مباشرة من ساركوزي حيث اشتكتالاستخبارات الفرنسية وضباط عسكريون ليبيون من أنّ هنري ليفي يعامل كـ«هاويتمتع بمزايا كبيرة» ولكنهم أقروا بأنه فعال جداً في التعامل مع «المتمرّدين» ويحمل ثقة ساركوزي الكاملة، ووفقاً للوثائق فإنّ ساركوزي كانيفاخر بأنه لولا الدعم الفرنسي لما كانت هناك «ثورة ليبية» وبأنّ على حكومةالمجلس الانتقالي الوطني أن تظهر بوضوح إدراكها لهذه الحقيقة… واليوم بدورنا نقول أن ساركوزي يستحق هذا العقاب ،فمكانه المستقبلي الوحيد هو وكل أمثاله معروف للجميع.