كيف تصبح يساري(شيوعي) محسن خلال اسبوعين بدون معلم!
سلام موسى جعفر.
لم يكن منشوري التهكمي في الأصل، الذي اعيد بعض صياغاته بما يتناسب وتطورات الوضع السياسي في العراق والأوضاع السياسية في سائر البلدان العربية، يحمل نفس العنوان، لكن محتواه رغم إعادة بعض الصياغات هو ذاته، فتطورات الأحداث المتسارعة قد أكدت على صحته. (بالمناسبة: لم يعد ترديد لازمة ” أثبت التطورات صحة سياستنا” حكراً عل الحزب الشيوعي العراقي، فقد شاع استخدامها مع تطور تكنولوجيا النسخ واللصق)
ارتبطت الشيوعية، بصورة خاصة واليسار بصورة عامة، في بلداننا العربية بالماركسية اللينينية حتى تسعينات القرن الماضي. وكان إطلاق نعت شيوعي على اي شخص، رغم كونها تهمة قد تؤدي بصاحبها الى الموت، مرادفا الى مجموعة من الصفات والقيم الاجتماعية والأخلاقية كالبطولة، التضحية، الثورية، معاداة الامبريالية والصهيونية والرجعية، الصدق والنزاهة في التعامل، الثقافة والتحلي بارفع الاخلاق. ويمكن اختصار هذا النعت بالقول انه مرادف لكل ما هو جيد، ومنافي لكل ما هو سئ في المجتمع. شعار النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية، الذي إبتدعه الشيوعيون في البلدان العربية مثل تجسيداً خلاقاً للماركسية في مرحلة التحرر الوطني في ظروف العالم العربي. وتزداد أهميته الآن مع عودة الاستعمار المباشر الى المنطقة، والاختراق الصهيوني المتواصل للمجتمعات العربية على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والنفسية والهيمنة المطلقة للرجعية العربية التي لم تعد تخفي تعاونها العلني مع الامبريالية والصهيونية. وهذه القوى الرجعية صارت ترتدي مختلف الأزياء والفساتين من ليبرالية الى قومية الى دينية حسب الطائفة أو المذهب.
دعونا نعود بالزمن الى الوراء قليلا، تحديداً، الى فترة انتشار الشيوعية واليسار، فقد شهدت هذه الفترة تبني الأغلبية العظمى من الشباب المتعلم والمثقف لهذه الأفكار، إلا ان أعداد ليست قليلة منهم تبنت الفكري الشيوعي من منطلق ” على حس الطبل، خفاً يا رجلي” ورأى بعضهم في الشيوعية كأي مودة عصرية، حالها حال مودة الچارلس والميني جوب. وبالنسبة لهؤلاء كان الامر لا يتطلب سوى ترديد بعض الجمل المنقولة والصراخ بهتافات لا غنى عنها، معادية للإمبريالية والصهيونية والرجعية، لإثبات عمق الانتماء.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط التجربة الاشتراكية فيه وفِي بقية المعسكر الاشتراكي في أوربا، وجد الهتافون انفسهم في وضع صعب حيث شعروا ان من هتفوا له قد انهزم نهائيا، بينما انتصر من هتفوا ضده. بعد فترة قصيرة من الضياع والهبل اجتمع أهل الحل والعقد من بينهم وقرروا انشاء عيادات لتحسين الشكل الخارجي بما يتناسب مع عصر العولمة، واحداث تغيير جوهري في الأفكار، من خلال عمليات تحديث مستمرة تتطلب تدخل جراحي لتجميل الشكل وتخريب الجوهر عبر شطف الدهون الداخلية، على ان تتم على مراحل ليكون الامر مهضوما عند الناظر والسامع، وعند العدو والصديق.
ولما كانت كلفة انتاج وتسويق شيوعي محسن او يساري محسن باهضة، ووفاءً مني للصداقات القديمة والرفقة، قمت، لوجه الله تعالى، بتجميع الشروط والخطوات المطلوب اتباعها بدقة شديدة، وخلال اسبوعين فقط من الالتزام، سيجد الراغب نفسه وقد تمكن من تحديث شيوعيته في العالم الجديد “السائل” حسب توصيف زيغمونت باومان، والحصول على لقب العصر ” شيوعي محسن” مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الراغب سيجد نفسه في آخر المطاف شخصًا منزوع الكرامة والغيرة والشرف. حيث تتجسد فيه أحقر أشكال الشعور بالدونية والذل. فمن يجد في نفسه الرغبة في خوض التجربة، على الرغم من التحذيرات، ما عليه إلا اتباع ما يلي:
أولاً: التخلي نهائياً عن اللينينية، وحبذا لو يجري تخطئة فكرة لينين القائلة بامكانية انتصار الثورة الاشتراكية في بلد رأسمالي ضعيف. ويستحسن استغلال أي مناسبة، وخصوصا ذكرى ثورة أكتوبر لشن هجوم على لينين سنوياً وتحميله مسؤولية فشل الثورة الاشتراكية، على قاعدة “لو لم يقم لينين بالثورة، لما سقطت هذه الثورة” ” لو لم تلد أمي أخي لما دهسته السيارة”!!
ثانياً: بما ان الماركسية ليست نظرية جامدة، ولازالت تحصل على دعم ، للاسف الشديد، هيئات علمية وأكاديميين، يحبذ الادعاء بالتمسك بها ظاهرياً، فكلما ازداد إدعاءك بالانطلاق منها، توفرت لك فرص أكبر لتشويهها!
ثالثاً: الكف نهائيا عن مهاجمة الإمبريالية الامريكية عبر إبراز افضلياتها مقارنة بالاتحاد السوفياتي. لا تنسى ان تفعل ذلك وانت ماركسي، لان تأثيرها على المتلقي سيكون أكبر وأكثر إقناعاً.
رابعا: التوقف عن مهاجمة مساوئ الرأسمالية نهائياً، وحاول إيصال الفكرة القائلة ان الرأسمالية بدون مساوئ وهي قدر البشرية. اسخر بمناسبة او بدون مناسبة من الدول الصغيرة التي لازالت تقاوم الراسمالية ، مثل كوبا، كوريا الديمقراطية وفنزويلا .
خامساً: التحول من العداء للصهيونية ودولتها الى تشجيع ودعم جميع دعوات التطبيع مع اسرائيل، لا تلتف الى البيانات التجميلية لقيادة حزبك. ساهم بقوة بنشر الفكرة القائلة ان اسرائيل هي البلد الوحيد الذي يمارس الديمقراطية في المنطقة. وأنها قوية جداً للدرجة التي يستحيل فيها الانتصار عليها، ومن الأفضل التعاون والتطبيع معها بدل الحرب التي لا طائل منها. واذا أردت ان تتحسن بسرعة عزيزي الشيوعي عليك إنكار وجود شعب فلسطيني بالأساس، واشاعة ان اسرائيل موجودة منذ الازل وقبل نشأة الأرض نفسها. تجنب عموماً الحديث عن تفاصيل الاحداث المعاصرة او المجازر التي ارتكبتها اسرائيل، وان كنت مضطراً فسمها احداث مؤسفة! يفترض بك استغلال اي فرصة لإطلاق صفة الاٍرهاب على اي نوع من المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، وعدم التطرق للضحايا من الجانب الفلسطيني والتضامن مع الجنود الاسرائليين القتلى باعتبارهم ضحايا الاٍرهاب الفلسطيني من المدنيين العزل جداً! ان اهم نقطة يجب ان تفكر بها اثناء سيلان لعابك من اجل الحصول على لقب شيوعي محسن ان تنشر بين البسطاء فكرة ان التطبيع مع اسرائيل سيجلب السلام والرخاء الفوري. لا تنسى أن تساهم بفعالية بشيطنة الشعب الفلسطيني! حبذا الاكثار من بهارات الشيطنة.
سادساً: اجعل من الحزب هدفا بحد ذاته. دافع عنه بغض النظر عن خطه السياسي العام ومواقفه السياسية المتغيرة. واذا اقتضى الامر غير الأهداف وتشبث بالوسائل.
سابعاً: من الضروري اعلان موقف التأييد بدون تحفظ للحصار الاقتصادي الذي فرض على شعبك أو الذي قد يفرض مجدداً. وهذا سيسهل عليك تأييد سياسة الحصار والتجويع على الشعب السوري واللبناني والإيراني دون ان تشعر بأي وخزة في الضمير.
ثامناً: تأييدك لاحتلال بلدك والمساهمة في العملية السياسية التي أنشأها المحتل أو قد يقوم المحتل بتغييرها، هي احد اهم صفات الشيوعي الحداثوي، ولكي تكون كذلك فعلاً لا قولاً عليك ان تفعل ذلك باسم الماركسية، لأنك ستساهم بتاسيس وعي مزيف من جهة، ومن جهة اخرى ستكفر الوطنيين بالماركسية! فانت الرابح بكل الأحوال ! تجنب الحديث عن القواعد العسكرية الامريكية واذا كنت مضطراً فحاول التركيز على ضرورة وجود هذه القواعد لتحقيق الأمن في البلاد.
تاسعاً: تجنب الاشارة الى الأسباب وركز على النتائج عند تناول أي موضوع يخص الأوضاع التي تتفاقم سوءً. اترك الاولي وتمسك بالثانوي. اترك الرأس وامسك الذيل.
عاشراً: من الضروري الانخراط بقوة في العملية الجارية على قدم وساق لخلق عدو وهمي بديلا عن العدو الحقيقي. حمل هذا العدو الوهمي مسؤولية جميع الكوارث، حتى تلك التي تحدث في الكواكب الأخرى. ولديك فرصة ذهبية يجب استغلالها بتوجيه تهمة التحالف مع الملالي والروزخونية ضد كل من يعترض على استبدال العدو الحقيقي بالعدو الوهمي.
حادي عشر: لكي تكون حداثوياً وعصرياً، عليك ان تتقمص شخصية الليبرالي الجديد الذي يدعو لطمس الهوية الوطنية بحجة ان الوطنية هي مفهوم برجوازي دخيل ولا تتناسب مع عصر العولمة. عليك حصر تفكيرك بالدعوة لنشر مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الانسان، والحيوان في حالة وجود فرصة سانحة، وتجنب الحديث عن تفاهات مثل الصراع الطبقي ، فمثل هذه التفاهات تتعارض مع مفهوم ما بعد الحداثة. الصراع الطبقي من بقايا التاريخ ويتنافى مع قيم عصر العولمة. مودة قديمة فتجنبها بكل قوة. تخلى عن مفهوم العلمانية واستبدله بمفهوم المدنية الضبابي مما يتيح لك الفرصة لتجنب الصدام مع القوى الرجعية سابقاً، والحليفة حالياً.
ثاني عشر: أيد بقوة الحلول المطروحة لحل الأزمة الاقتصادية في بلدك عبر الإبقاء على البنية الريعية وتسليم مفاتيح الاقتصاد للاستثمار الأجنبي والاعتماد على قروض صندوق النقد الدولي، فهذه القروض هي الضمانة لربط اقتصاد بلدك بالمركز الراسمالي العالمي ودفع حكومات بلدك لإطلاق اليد لعملية الخصخصة التي تعتبر احد اهم اركان الحداثوية!
ثالث عشر: إكثر من الحديث عن حق تقرير المصير للاقليات القومية والعرقية في بلدك. يمكنك استغلال ضحايا الاٍرهاب في صفوف تلك الأقليات لهذا الغرض. تجنب المساواة بين الضحايا. ولكي يكون حديثك فعالاً تجنب الإشارة الى الضحايا في صفوف مجموع الشعب. اربط الاٍرهاب بالإسلام وبالعرب.
رابع عشر: إنشر اليأس بين البسطاء وحاول ترسيخ الفكرة القائلة بان جهل الشعب أبدي وان لا امل بالتطور ” وما يصير إلنه چارة”. إسخر وسفه اي وجهة نظر تتهم المركز الراسمالي العالمي او اسرائيل بالوقوف وراء الفوضى والارهاب والفساد في بلدك، لديك عزيزي الشيوعي الحداثوي الحباب ” نظرية المؤامرة” لتسفيه خصومك. 2020-08-23