في ذكراها السبعين :
دروس من تجربة ثورة يوليو مع الدواعش القدامي : (الاخوان) ؟
بقلم د-رفعت سيداحمد
تمر هذة الايام الذكري السبعون لثورة يوليو 1952 التي قادا الزعيم القومي جمال عبدالناصر،ولان القضايا بشأن هذة الثورة الخالدة ؛متنوعة وعديدة فهي تمتد من السياسة الي الاقتصاد والثقافة الي دعم ثورات أفريقيا والعالم الثالث الي إنشاء منظومة عدم الانحياز وغيرها من القضايا التي شغلت ولاتزال العقل العربي ولاتزال آثارها باقية ومؤثرة ومن بين أبرز تلك القضايا ؛تأتي قضية التعامل مع الارهاب باسم الدين الذي تقوده هذة الايام جماعات مجرمة تأتي (داعش والقاعدة والاخوان )علي قمتها…وثورة يوليو تعاملت مع الجيل القديم من هذة التنظيمات وهو جيل (جماعة الاخوان ) عبر صداميين شهرين وقع الاول في العام 1954 والثاني عام 1965 ومنهما نستطيع أن نكتشف عشرات العبر والدروس الخالدة . ************.
فاليوم والأمّة تخوض واحدة من أشرس معارك الهوية وصراعات الوجود؛ ونقصد بها المعركة ضد الإرهاب المسلّح والذي تمثل (داعش والاخوان ) نموذجه الأبرز. تُطرح تساؤلات جديدة هدفها الاستفادة من دروس تجربة ثورة يوليو مع ظاهرة الإسلام المسلّح والذي كان (الأخوان المسلمين)قادته في الصدامين سالفي الذكر وكانوا بالضبط مثل داعش وأخواتها من التنظيمات الإسلامية المسلّحة الآن ؛ جماعات غاضبة تحتكر الحديث بإسم الله وتصادر الإسلام لصالحها وتنشر الخراب حيثما حلّت وتضع فوقه لافتة كاذبة تقول إن هذا هو الإسلام الصحيح وما عداه باطل. نفس المنهج وذات الهدف لداعش وأخواتها وإن اختلفت الأزمان.
اليوم نعيد طرح السؤال وبتصوّر تخيّلي: ماذا لو أن عبدالناصر لايزال حيّاَ وعاصر تجربة داعش وأخواتها في بلاد الشام وفي بلاده.. مصر ؟ ماذا كان سيفعل معها؟ وهل كان سيُطبّق عليها نفس المنهج في التعامّل مع الأخوان المسلمين حين اصطدموا به عسكرياً في عامي 1954 و1965؟ أما كان سيختلف سواء في المنهج أو سُبل المعالجة السياسية والعسكرية؟ دعونا نتأمّل ونضع الإجابة:
********
أولاً: لكي نفهم كيف كانت ثورة يوليو وزعيمها عبد الناصر ستتعامل مع تنظيمات مثل داعش التي ابتُليت بها الأمة بعد ما سُمّي بالربيع العربي؛ فإن من المهم هنا تأمّل كيف تعامل مع الأخوان إبان صِدامي 1954 و1965 وماذا كانت حصيلة الصِدام. وهنا مبدئياً نسجّل أن ثوار يوليو تعاملوا بالحُسني ومحاولة إشراك الأخوان في قيادة الدولة والثورة خلال الفترة من 1952 إلى 1954 ولكن الأخوان مثلهم مثل حالهم اليوم ،هم ، وجماعات الإسلام المسلّح أرادوا السيطرة الكاملة وأن يكونوا هم الحكّام وأولي الأمر فقط والقوى الأخري بما فيها قادة الثورة من الضبّاط الأحرار ليسوا سوى (رعية) عليها السمع والطاعة! بالإضافة لهذا فقد تواصل الأخوان وقتها مع الأميركان_ ووثائق تلك الفترة تؤكّد ذلك _ تماماً مثل حالهم اليوم ومثل حال داعش والقاعدة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، فوقع الصّدام الأول والثاني وتكلّم الرصاص والدم بديلاً من الحوار والاحتواء والتعاون.
ثانياً: كانت حصيلة صِدام ثورة يوليو الأول مع الأخوان بعد محاولة اغتيال عبدالناصر في المنشية بالإسكندرية في 24/10/1954؛ مهمة حيث بلغ عدد الذين حكمت عليهم( محاكم الشعب) 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية من المُتّهمين الذين ينتمون إلى الجيش وعددهم 254 ، وصدر الحُكم بإعدام محمود عبداللطيف ويوسف طلعت، وهنداوى دوير وإبراهيم الطيب وعبد القادر عودة ومحمّد فرغلى ونفّذ الحُكم فعلاً، كما صدر حُكم بإعدام حسن الهضيبى ثم خفّف الحُكم إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة، ثم حُكِم على سبعة آخرين بالأشغال الشاقة المؤبّدة.
وهكذا ومع وصول الصِدام الأول بين الثورة والأخوان إلى نهايته الدرامية هذه، كانت الأوضاع فى مصر قد تحدّدت تماماً، فعزل محمّد نجيب من رئاسة الجمهورية، وتم حل جميع الأحزاب السياسية بما فيها الأخوان، ووجود قيادتها داخل السجن، وأغلقت جريدة المصري، والتى لعبت دوراً كبيراً في أزمة آذار/مارس 1954، وفشلت محاولات الانقلاب العسكرى وإنتهاء التنظيمات العسكرية المستقلّة أو التابعة للقوى السياسية الخارجية داخل الجيش، ثم حلّت مجالس نقابات الصحفيين والمحامين وعيّنت لها لجان مؤقتة موالية لمجلس قيادة الثورة، وأخيراً حلّت جماعة الأخوان المسلمين، واستقرّت الأوضاع تماماً للنظام السياسى الجديد.
أما محصّلة الصِدام الثاني مع الأخوان (1965) فهى الحُكم بإعدام سبعة، أعدم منهم ثلاثة هم سيّد قطب وعبد الفتاح إسماعيل ومحمّد يوسف هواش وخفّف الحُكم عن الأربعة الآخرين لصُغر سنّهم، وحُكِم بالأشغال الشاقة المؤبّدة على 25 عضواً، وبالأشغال الشاقة من 10 إلى 15 سنة على 11 عضواً، وعلى حسن الهضيبى بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وأصدرت دوائر المحاكم أحكاماً أخرى على 83 متهماً وكان من بينهم إثنان حُكِم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبّدة هما إسماعيل الفيومى ومحمّد عواد اللذان قيل أنهما هربا من السجن الحربي، وصدرت أحكام بالسجن على 112 وبرّأت الدائرة ثلاثة، وكان هناك مُعتقلون من الذين كانت لهم صلة بالجماعة ولم تثبت إدانتهم وتم الإفراج عنهم في ما بعد.
***********
ثالثاً: ماذا تعني هذة النتيجة للصِداميين الشهيرين مع الثورة ؟ تعني أن لغة الحوار قد انتهت وأن هؤلاء (الدواعش القدامي ) كانوا أهل هيمنة ودم ورصاص ولم يكونوا أبداً دُعاة حوار ومشاركة وديمقراطية ورغم أن الأحكام التي صدرت ضدهم قياساً بما جرى للإخوان بعدها في زمن السادات ومبارك؛ كان قليلاً وبه قدر من المرونة الناصرية؛ ومع ذلك فأن عبدالناصر وثورته لم يسلم من ألسنتهم وكتاباتهم الكاذبة وشوّهوا كل التاريخ وقدّموا أنفسهم كضحايا وأبطال وهو الأمر غير الصحيح تاريخياً. **وبعد سبعين عاماً من ثورة يوليو 1952 لايزالون كذلك؛ لذا نرجّح وبشكل قاطع أن عبد الناصر لو كان حيّاً ؛لاصطدم وبدموية معهم ، ولو عاصر هذه التنظيمات والتي لا يختلف أحدها عن الآخر في أصول الدم والنار والخراب. فقط يختلفون في الدرجة وليس في النوع والأصل .. لقاتَلَهم بضراوة …لماذا؟ لان هؤلاء الدواعش القدامي والجدد يحتكرون (الاسلام ) فيهم ويقصرونه عليهم فقط وباقي الامة كافر في عقيدتهم الفاسدة .. والاخطر أنهم باتوا يقفون علي ناصية التاريخ يوزعون صكوك الدين ويقولون هذا (مسلم وهذا كافر) في مشهد مقيت يتكرر بإنتظام حيثم حلوا أوحكموا .. رغم أن الدين الحق براء منهم ومن فهمهم الشاذ له ..لو بقيت ثورة يوليو برجالها وثقافتها ومواقفهم ..فالارجح أنها كانت ستعتبر مقاتلة تلك الجماعات الاخوانية والداعشية المجرمة ..فرض عين علي كل مصري وقومي عربي شريف ..لان البديل هو (الخراب) والذي يمثل دينهم الحقيقي ..والله أعلم
2022-07-27