جولات الصراع المحتملة ولبنان أولها!
سعادة أرشيد*
لا تخفي حكومة نتنياهو نواياها باتجاه تصعيد الصراع على جميع الجبهات وهو ما نقراه ونشاهده في تصريحات وزرائه وضباط جيشه ان تصريحاً او تلميحاً، هذا في حين ان الحرب صامته ومتواصلة في الضفة الغربية استيطاناً وعدواناً ومصادرة للأرض وافقارا للفلسطينيين وبما يطال حتى السلطة الفلسطينية في رام الله التي يتم اضعافها والحط من مكانتها ان مع شعبها او مع العالم دون ان يشفع لها التنسيق الامني او محاولاتها للاستجابة للإرادة والإملاءات الأمريكية.
ومن الملحوظ ان الإدارة الأمريكية لا تبدي تفاعلا مع استجابة السلطة الفلسطينية الا بشكل عكسي، فالإدارة الأمريكية تنتقد الاستيطان في الضفة الغربية وتتحدث عن معارضتها لمشا ريع ضم الضفة الغربية و لا تطالب احد بتصديقها، فالمؤشر السياسي يشير الى عكس ذلك فواشنطن هذه الايام تستضيف رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية بحفاوة بالغه تتضمن لقاءات مع كبار موظفي الادارة و جلسه استماع في مجلي الشيوخ حول الاستيطان في الضفة الغربية ومشروعيته اليهودية التوراتية وضروراته المائية والاقتصادية ثم الأمنية، يليها جلسه استماع اخرى في مجلس النواب عنوانها (يهودا و السامرة) وفق ما ورد في بيان مجلس النواب لا الضفة الغربية: الديناميكيات التاريخية والاستراتيجية والسياسية في العلاقات (الإسرائيلية)- الأمريكية وتفيد الانباء ايضا ان وفودا بالألاف من اتباع الكنائس المتهودة تزحف باتجاه واشنطن لمقابله هذا الشخص ودعمه امريكيا وتمويله ماليا. يترافق ذلك مع ما يعلنه وزير المالية عن قرب اعلانه عن ضم الضفة الغربية وتطبيق السيادة الفعلية عليها بما في ذلك نقل القواعد العسكرية للجيش الاسرائيلي لشمال الضفة الغربية بهدف تعزيز السيادة عليها، هذا في حين تشهد مناطق جنين وطوباس والاغوار زيارات متعددة لقائد الجيش وكبار ضباطه مترافقة مع النشاط الاقتحامي اليومي للمدن والقرى والمخيمات والتجمعات الرعوية، وبما يذكر بالمرحلة التي سبقت توقيع اتفاق اوسلو عام 1993.
هذا الهجوم على الضفة الغربية ترافق مع ما يتردد عن اقتراب تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة والتي اعلنها في قمة شرم الشيخ والتي يبدو ان ثمن القبول الاسرائيلي بها هو تنفيذ ما تراه في الضفة الغربية، وكما يتردد في الانباء العبرية ان تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب سيكون في موعد لا يتجاوز نهاية العام الحالي حيث سيتم الاعلان عن تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية في غزة بعيدة تماما عن السياسة، تتولى مسؤولية ادارة الشؤون اليومية والخدمات العامة والمجالس البلدية ولكنها ستعمل تحت اشراف مباشر من مجلس السلام العالمي الذي يراسه دونالد ترامب بصفته الشخصية، ومجلس السلام هذا وادارته لن تكون الا انعكاسا لسياسات الادارة الأمريكية التي نعرفها جميعا، هذه الخطة المكونة من 20 نقطة ان وصلت حقا لمرحلتها الثانية، فقد نستطيع القول عندئذ القول ان الحرب على غزة قد انتهت و ان مرحليا الامر الذي يعني مزيد من الاشتعال على باقي الجبهات.
واذا كانت جبهه الضفة الغربية مشتعلة ولكن بضجيج اقل ،الا ان الجبهة المرشحة للاشتعال هي الجبهة اللبنانية، فنتنياهو و حكومته واركان جيشه لا زالوا يتحدثون عن الخطر الكامن في الشمال والذي تمثله المقاومة اللبنانية ويؤكدون رغبتهم العارمة بالاشتباك معها ان في تصريحاتهم او في سلوكهم بعدوانهم اليومي على لبنان وتواجدهم في الجنوب وسرقتهم مصادر المياه ،وفوق ذلك تراهم يمارسون التحريض على المقاومة لدى جماعتهم (حلفائهم) في الداخل اللبناني كما على الصعيد الاقليمي والدولي، ويحاولون خلق الذرائع ونشر الاخبار عن نجاح المقاومة اللبنانية في ترميم قدراتها القتالية وبان الهجوم الصاروخي- الجوي الذي استهدف جوار صيدا منذ اسبوعين حيث استشهد 14 مواطن كان ضربة وقائية لمجموعات فلسطينية مسلحة اقامت قواعد ارتكاز ومعسكرات تدريب هناك، وامتلكت السلاح والمعدات اللازمة لإطلاق اعمال مقاومة فلسطينية من داخل الارض اللبنانية، هكذا فان (اسرائيل) ترى نفسها المؤهلة الوحيدة لان تكون المقاول و المتعهد المنفرد لنزع سلاح المقاومة الامر الذي لم تستطع ان تفعله الدولة اللبنانية.
انكفاء المقاومة وما تعرضت له من ضربات قاسية، ساعد في اطلاق جولة محادثات مباشرة بين لبنان واسرائيل برعاية أمريكية، واذا كنا لا نعرف تماما ماذا يجري في هذه الجلسات التفاوضية الا ان كل من يتابع الاحداث يدرك ان مسالة القضاء على المقاومة ونزع سلاحها هو في مقدمة المسائل المطروحة للبحث وان حملت عناوين مثل بسط سيطرة الدولة والجيش على جنوب نهر الليطاني، ومع ذلك يصرح السفير الامريكي في لبنان اثناء زيارته لرئيس مجلس النواب بما يفيد ان هذه المفاوضات تجري تحت النار وان المفاوضات لا تعني ان اسرائيل ستتوقف عن ضرب لبنان فالمفاوضات شيء والغارات الاسرائيلية شيء آخر، انهما امرين منفصلين وبعيدين عن بعضهما البعض.
ولما كان الامر هو كما تحدث به السفير الامريكي فان المقاومة ستكون امام خيار واحد وهو انه لابد من الرد على الخروقات (الإسرائيلية) حتى لو تدحرجت الامور الى حالة الحرب فاستمرار الوضع الراهن لا يمكن له ان يستمر، وفلسفة الصبر الاستراتيجي بدأت تفقد مصداقيتها وتضع المقاومة امام خسارة جمهورها والأخطر من ذلك انها تفقدها مبررات وجودها.
2025-12-13