توازن قوى الردع الاستراتيجي بين حزب الله والعدو الصهيوني!
عميرة أيسر
العمليات العسكرية التي شنها العدو الصهيوني ضد الهيكلية الميدانية لقوات حزب الله وذلك عن طريق استهداف مقاتلين له في سوريا واغتيالهم، وكذا مهاجمة الضاحية الجنوبية للحزب والتي تعتبر معقلاً رئيسيا وأساسياً من معاقله في العاصمة بيروت عن طريق طائرات مسيرة من نوع درونز تابعة لسلاح الجو الصهيوني، والتي كانت تهدف إلى القيام بسلسلة تفجيرات كبيرة في الضاحية،وبالتالي سقوط عدد كبير جدًا من الضحايا وخاصة من قيادات الحزب، الذي يعتبر العدو الأول لتل أبيب، وقيادات الموساد الإسرائيلي الذي عجز طوال 30سنة عن فك شيفرة الحزب أو تفكيك منظوماته العسكرية والسياسية والاقتصادية، لأن حزب الله يعتبره البعض من المراقبين الصهاينة عبارة عن دولة قائمة بذاتها لها مؤسساتها وقوانينها ونظمها داخل الدولة اللبنانية. فالحزب الذي استفاد من سنواته الثمانية التي قضاها في سوريا، واكتسب الكثير من الخبرات والمهارات القتالية واستطاع أن يطبق قواعد الاشتباك الاستراتيجي مع الاستخبارات الصهيونية والغربية بذكاء ومهارة، واستفاد من التكنولوجيا العسكرية الهائلة التي نقلت إليه من الروس عن طريق السوريين والإيرانيين.
بالإضافة لحصوله أيضاً على نوعيات متطورة جداً من صواريخ كورنت المعدلة التي يبلغ مدها أكثر من 3.5كلم، والتي استعملها ببراعة منقطعة النظير في داخل المستوطنات الصهيونية في الجليل الأعلى، وبالتحديد بالقرب من مستوطنات ساسا وكريات شمونة، وأدت تلك العملية النوعية إلى مقتل وإصابة 4 جنود صهاينة من بينهم قائد المنطقة الشمالية في الجيش الصهيوني حسبما أكدت تلفزيون برس الأمريكي، بينما نفى تننياهو صحة تلك المعلومات التي تتحدث عن وجود قتلى في صفوف جيش، وذلك بعد أن استطاع عناصر من القوات الخاصة لحزب الله اختراق كل الإجراءات الأمنية المشددة على طول الشريط الحدودي مع لبنان وتوغلوا لمسافة أكثر من 7كلم، وهم يحملون عدَة قذائف من صواريخ الكورنيت التي يتجاوز وزن الواحد منها 30كلغ، هذا بالإضافة إلى معدات الجندي الكاملة وبالتالي فإن الوزن الإجمالي لحمولته يفوق 50كلغ، ومع ذلك استطاعت قوات حزب الله أن تتغلغل داخل تلك المنطقة التي تتواجد بها أكثر من75محطة رصد راداري تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وتمت عملية الاستهداف من نقطة مراقبة ميتة من داخل فلسطين المحتلة و استطاع عناصر المقاومة اللبنانية أن يدمروا الهدف المتحرك، الذي كان عبارة عن سيارة جيب عسكرية وذلك من خلال 3نقاط مراقبة عملياتية مختلفة، وهو ما يعتبر بحد ذاته انجازاً كبيراً بالمعايير العسكرية الحديثة، وكسرا لتوازن قوى الرعب الإستراتيجي الصهيوني، لأن كل الترسانة العسكرية الهائلة التي يمتلكها الصهاينة لم تستطع منع عملية نوعية كهذه.
وحتىَّ الرد الصهيوني على العملية كان باهتاً وضعيفاً و100قذيفة هاون التي ألقاها الصهاينة على جنوب لبنان سقطت في مناطق فارغة، وبالقرب من قرية مارون الرأس الحدودية، بالرغم من أنه قد استعمل بعض القذائف الفسفورية المحرمة دولياًفي عملية القصف، والتي أدت إلى احتراق بعض المحاصيل الزراعية هناك.
والشيء اللافت هذه المرة في جولة الصراع العربي الصهيوني هذه المرة أنه وبخلاف سنة 2006م، فإن القيادة اللبنانية السياسية المتمثلة في الرئاسات الثلاث، قصر بعبدة والبرلمان اللبناني وقصر الحكومة وقفت خلف حزب الله وأدانت العلميات العسكرية الإسرائيلية التي تمت داخل عمق الأراضي اللبنانية، إذ قام رفيق الحريري بالاتصال بالجنرال جوزيف عون وطلب منه اطلاعه على كل الإجراءات التي يجب على الجيش أن يتخذها في مثل تلك الظروف، وطلب كذلك من مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية وكذا من إيمانويل بون مستشار ماكرون وذلك في اتصاليين هاتفيين منفردين، بالتدخل العاجل لوقف التوتر على الحدود الجنوبية، وطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لتنفيذ كافة بنود الاتفاق الأممي رقم1701، وبالتالي فإن حزب الله قد أثبت مجدداً أنه صمام أمان لكل الطبقة السياسية اللبنانية وموحد لها، وبأن الكيان الصهيوني الذي يعاني من أزمات داخلية خانقة خاصة بعد أزمة التفرقة العنصرية ضد يهود الفلاشة التي طفت على السطح مؤخراً، بات رئيس وزرائه بين يامين نتنياهو كالأحمق وهويسعى جاهداً لكي يكذب تصريحات السيد حسن نصر الله الأخيرة، والمعلومات والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن سقوط ضحايا في الجيش الصهيوني قبل حوالي أسبوعين باتت تفصلنا على انتخابات مصيرية مفصلية في كل تاريخه السَّياسي، لأنه مهدد بدخول السجن في حالة خسارة حزبه الليكود فيها نتيجة اتهامات بالفساد السَّياسي والمالي وجهت إليه من طرف المحكمة الصهيونية العليا، وهو يحاول الخروج من المستنقع الذي أسقط نفسه فيه بأي ثمن كان.
وبالتالي فإن حزب الله اللبناني أثبت أنه رقم صعب ولاعب أساسي في معادلات القوى وتوازناتها الجيواستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من أنه استنزف ولو جزئي في حربه على الإرهاب التكفيري في سوريا، أما الخاسر الأكبر في هاته الجولة بالتأكيد هو الطرف الصهيوني الذي تراجعت سمعة جيشه الذي عجز عن هزيمة جيش قوامه 50 ألف مقاتل فقط، ولا يمتلك ربع ما يمتلكه جيشهم من معدات عسكرية وترسانة صاروخية وتكنولوجية ونووية متقدمة جداً.
_كاتب جزائري
2019-09-09