الأحزاب الحريدية ومستقبل المؤسسة الدينية في إسرائيل!

نبيل السهلي
مع سعي الأحزاب الحريدية الرئيسية “شاس” و”يهودية التوراة”، الممثلة بـ18 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي، إلى توظيف قوتها السياسية للتوغل بمفاصل الحكم. الأمر الذي يمكّنها من التأثير على هوية إسرائيل برمتها، وكذلك المؤسسة الدينية.
اليهود الأشكناز
مع ارتفاع عدد اليهود الأشكناز في فلسطين خاصة عبر أبواب الهجرة التي سهلتها بريطانيا، اقترح البريطانيون تشكيل مؤتمر حاخامي مشترك يضم مجلساً مصغراً لكل من الأشكناز والسفارديم، فضلاً عن مجلس حاخامي أعلى مشترك، وقد طبق هذا النظام في عام 1921، إضافة إلى إنشاء هيكلية للمحاكم اليهودية في فلسطين و بالتحديد في مدينة القدس.
واستمر العمل في هذه التراتبية بعد إنشاء الدولة المارقة إسرائيل في أيار/مايو من عام 1948 ، وذلك رغم إرساء أسس الأنظمة القضائية العلمانية والعسكرية ، كما أضيف إلى النظام المذكور وزارة الشؤون الدينية التي يشرف عليها الحزب السياسي الديني الذي دخل الائتلاف الحكومي ، و كان يدعى سابقاً «مزراحي» ، و من ثم لاحقاً الحزب الوطني الديني المفدال، و قد استقر كبار الحاخامات المحليين منذ عام 1988 في مدن فلسطين المحتلة الكبرى، و بالتساوي في كل مدينة ، حاخام يمثل اليهود الغربيين الأشكناز وآخر يمثل اليهود الشرقيين السفارديم.
مجالس دينية
وقد تم إنشاء مجالس دينية محلية في إطار وزارة الشؤون الدينية، حيث تقدم تلك المجالس الخدمات الدينية المختلفـــة، وتشرف في ذات الوقت على المسالخ والملاحم ، وتعنى في ذات الوقت بالقوانين الشرعية المتعلقة بالمواد الغذائية ، داخل المؤسسات العامة، كما تقوم المجالس بمراقبة حالات الطلاق والزواج.
و تشير الإحصاءات الإسرائيلية خلال العام الحالي 2023 ، أن عدد اليهود في إسرائيل قد بلغ سبعة ملايين ومائتي ألف يهودي ، منهم (40) في المائة يهود أشكناز من أصول أمريكية وأوروبية، و(36) في المائة يهود شرقيين سفارديم ، من أصول أفريقية وآسيوية ، في حين يشكل اليهود لأب يهودي مولود في فلسطين ، أي يهود الصابرا (24) في المائة من إجمالي مجموع اليهود في الدولة العبرية ، وتعود أصول غالبية الفئة الأخيرة إلى الدول الأوروبية الغربية.
صراعات حادة
تضمن الإعلان الرسمي لإقامة إسرائيل عام 1948 بنوداً حول حرية العبادة لكافة المجموعات داخل المجتمع الإسرائيلي وأصبحت وزارة الشؤون الدينية في الدولة العبرية ، تشرف على مراقبة ودعم المجالس الدينية المحلية وتلك العائدة للجماعات غير اليهودية ، والمسيحية ، والإسلامية ، والدرزية التي تصفها الأدبيات الإسرائيلية بقومية وطائفة لها عاداتها و تقاليدها و هويتها الخاصة لكنها فلسطينية.
وأنشأت السلطات الإسرائيلية في عام 1965 نظاماً مستقلاً للمحاكم الدرزية محاولة لتمييز هذه الطائفة عن غيرها من الطوائف غير اليهودية في الدولة المارقة.
وفرضت وزارة الأديان الإسرائيلية سلطتها المباشرة على الأوقاف الدينية الإسلامية بعد أن كانت تدار من الطائفة نفسها، كما أشرفت الوزارة المذكورة على الأقسام التابعة لوزارتي الداخلية والرعاية الاجتماعية.
وإلى جانب المحاكم المسيحية والإسلامية و”الدرزية”، كان هناك أيضاً نظام آخر من المحاكم الأرثوذوكسية اليهودية الموازية لها، وتعمل بشكل مستقل عن المحاكم الحاخامية، وكانت تشرف هذه المحاكم على شؤون المتشددين الأرثوذوكس كحزب «أغودات إسرائيل» ، وجماعة «ناطوري كارتا» و غيرها من المجموعات ، حيث لم يذعن المتشددون من اليهود لسلطة الدولة المارقة، وما ينبثق عنها كوزارة الشؤون الدينية والمجلس الحاخامي في إسرائيل.
وتبعاً لذلك فإن أعضاء حزب أغودات إسرائيل والطائفة التي ينتمون إليها لمجلس خاص مؤلف من حكماء التوراة الذي يعمل بوصفه المحكمة الحاخامية العليا للمتشددين الأرثوذوكس.
وفي عام 1983 حصلت تعقيدات أخرى في المؤسسة الدينية في إسرائيل تمثلت بانسحاب، عوفاديا يوسف الحاخام الأكبر لطائفة اليهود الشرقيين السفارديم من المجلس الحاخامي الرسمي في إسرائيل، احتجاجاً على إخفاقه في عدم انتخابه لمنصبه مرة ثانية، وشكل عوفاديا يوسف بعد ذلك المجلس السفاردي الأرثوذوكسي المتشدد والحزب السياسي الخاص بجماعته.
تعاني المؤسسة الدينية في إسرائيل من صعوبات جمة، في المقدمة منها غياب السلطة القضائية المدنية ، فأمور الزواج والطلاق والإرث والتبني مرجعيتها تعود إلى رجال الدين المسـلمين والمسيحيين واليهود ، و يعتبر ذلك من الصعوبات الكبيرة التي تواجه السلطات التشريعية في الدولة العبرية ، إضافة لذلك تبرز صعوبة كبيرة تتمثل في خضوع العلمانيين في كافة الطوائف المذكورة لرجال الدين فيها.
ومع انقضاض حكومة نتنياهو على السلطة القضائية أخيراً ستشهد الساحة الإسرائيلية تحولات وصراعات داخل التجمع الاستيطاني، قد تصل إلى السؤال عن من هو اليهودي مجدداً؟
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
2023-08-04