الآفاق المستقبلية لحل الدولتين!
وليد عبد الحي
طبقا لتوجه الكتل الاقليمية الكبرى في العالم فان احتمالات التصويت على “توصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة” لصالح حل الدولتين في اجتماعها المقترح قريبا هو الارجح وبنسبة تتراوح بين 73-75% من الاصوات ،وهو ما يفوق ثلثي الاعضاء المطلوب.
ما هي الخيارات المحتملة لتداعيات هذا القرار:
ستواجه اسرائيل موقفا صعبا من الناحية الدبلوماسية، وموقفا مربكا على الصعيد الداخلي، وطبقا لتقاليد إدارة الصراع في الإدارة الصهيونية فمن الارجح ان تعمل اسرائيل على مستويين: الدولي والداخلي.
أولا: على المستوى الدولي:
هناك احتمال باعلان اسرائيل الرفض التام للقرار عند صدوره (بخاصة مع ادارة نيتنياهو) ، لكن حجم التاييد بخاصة مع الانضمام الاوروبي وبشكل كبير الى هذا التاييد ، سيجعل اسرائيل في مأزق دبلوماسي كبير، وستحاول الاستناد الى توظيف الضغوط الأمريكية باشكال مختلفة لطي القرار بطريقة او اخرى. لكن الاعباء التي تتحملها اوروبا (سياسيا واقتصاديا وسكانيا وعسكريا ) قد يجعل الامر يسير باتجاه مناصرة لاسرائيل أقل، وقد يتنامى الخلاف الاوروبي الامريكي في هذا الشأن بخاصة في ظل سياسات ترامب غير المتسقة.
فإذا اضفنا الى ذلك التغير الواسع والمتزايد في اوساط الراي العام الدولي وبخاصة بين الشباب في العالم ومن ضمنه الرأي العام الامريكي، ثم التاثير المعنوي لقرارات المحاكم الدولية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وشرائح هامة من النخب العالمية، فان الامر يزيد الامر تعقيدا للدبلوماسية الاسرائيلية، وهو امر اصبح الشغل الشاغل للنخب الاسرائيلية.
الاحتمال الثاني وهو الارجح من وجهة نظرنا ان تعمل اسرائيل على طرح مشاريع سياسية تفرغ حل الدولتين من مضمونه من ناحية ،ويخفي “الرفض الاسرائيلي المباشر امام العالم” من ناحية اخرى.
اما الشروط التي ستضعها اسرائيل إذا قبلت-للتمويه- بحل الدولتين فتتمثل في تصورنا في الاحتمالات التالية :
وهذه الاحتمالات قد تجد تأييدا من دول اوروبية، مما يخفف قليلا من المأزق الاسرائيلي ويوسع بوابات الهرب للدبلوماسية الاسرائيلية:
1- ان تكون منزوعة السلاح.
2- حق اسرائيل باللجوء للهجوم الإستباقي( Preemptive-Attack)عند استشعار اي خطر عليها من داخل اراضي الدولة المقترحة .
3- الحق الاسرائيلي في المراقبة الجوية لفضاء الدولة المقترحة
4- عدم تغيير وضع القدس كعاصمة ابدية لاسرائيل وبالحدود القائمة لبلدية القدس في التعريف الاسرائيلي
5- عدم قبول انضمام الدولة المقترحة لأي هيئة دولية او اقليمية الا إذا وافقت اسرائيل على ذلك.
6- التنسيق المسبق مع سلطات الدولة المقترحة عند القيام بمشاريع اقتصادية تمس المياه او ما تصنفه اسرائيل موردا استراتيجيا.
7- تقسيم المستوطنات الى انماط: بعضها يتم ضمه لاسرائيل، وبعضها يتحول لمناطق عازلة(No man’s Land) وبعضه يتم تسليمه لسلطة الدولة المقترحة
8- المطالبة بتعويضات عن املاك المستوطنين التي يتم اخلاؤهم
9- تتعهد الدولة المقترحة بعدم السماح بعودة الفلسطينيين المقيمين في الخارج الى اراضيها.
10- قد تطالب اسرائيل بنقل فلسطينيي 1948 الى المستوطنات التي ستخليها في الضفة الغربية او الى قطاع غزة.
11- قد تشترط اسرائيل اعلان جميع الدول العربية والاسلامية الاعتراف القانوني باسرائيل، والقبول بفتح العلاقات التجارية والتطبيع بشكل كامل.
12- المطالبة بان يتم تجسيد الدولة المقترحة على مراحل تمتد ما بين 10-20 سنة .
13- العمل على العودة لأدبيات “الحل الاردني ” وادخال الموضوع في متاهات لا اول لها ولا آخر.
وفي حالة رفض العرب لاي من هذه الشروط ستتكئ اسرائيل على هذا الرفض لتحميل العرب مسؤولية تعطيل القرار.
ثانيا: على المستوى الداخلي:
ترتبط تداعيات المستوى الثاني بعدد من المحددات:
أ- التغير في القوى السياسية المشكلة للحكومة:
فكلما زاد رصيد اليمين يكون احتمال القبول اقل،لكنه سيزيد المأزق الدبلوماسي لاسرائيل،والذي لا تستبعد اسرائيل احتمالات تطوره لا حبا في العرب والفلسطينيين بل نتيجة اعباء يتركها استمرار الصراع العربي الصهيوني على تلك الاطراف الاخرى، ولعل التململ الاوروبي مؤشر على ذلك. اما إذا عاد اليسار الصهيوني للسلطة، فان احتمالات تأزم الوضع الداخلي في اسرائيل سيزداد، ورغم ان اليسار اكثر حساسية وادراكا لتعقيدات العلاقات الدولية المعاصرة بل وأكثر “خبثا” من اليمين، فقد تذهب اسرائيل الى حالة من الاضطرابات الداخلية التي يصعب التنبؤ بتداعياتها،لكنها لن تكون امرا ايجابيا لاسرائيل.
ب- مدى تماسك الموقف الفلسطيني الداخلي او تفككه على غرار ما هو قائم حاليا، فكلما تفكك الموقف الفلسطيني وزاد التخلي العربي عن المساندة عن مستواه الحالي فان ذلك سيفتح المجال امام اسرائيل ويخفف الكثير من التعقيدات عليها، بينما اذا تمكنت القوى الفلسطينية من التوافق على موقف موحد، واتسع التنسيق العربي معهم بهذا الاتجاه فان الامر سيزيد من تعقيد الموقف على اسرائيل.
الخلاصة:
من الضروري عدم التعامل مع حل الدولتين تعاملا أهوجا، فهو ليس حلا مثاليا ولا يقدم للفلسطينيين اكثر من النزر اليسير من المكاسب، لكن عدم استثماره قد يزيد الطين بلة، وعندها نحرر اسرائيل من الضغط الدولي الرسمي والشعبي الدولي ومن احتمالات الاضطراب الداخلي فيها.
وبالمقابل يجب ان تؤكد الدبلوماسية الفلسطينية وانصارها على ان يكون النص في حل الدولتين واضحا: دولة فلسطينية كاملة السيادة وتتمتع بنفس حقوق بقية الدول الاعضاء في الامم المتحدة وعلى اساس حدود 1967، مع العودة لتأكيد الحل الياباني لبناء جسر معلق يربط الضفة الغربية بقطاع غزة التي يبدا اعمارها فورا.
مرة اخرى: حل الدولتين ليس الحل المفضل ، لا لنا ولا لاسرائيل ، لكنه يحقق قدرا من المكاسب للفلسطينيين بينما لا ينطوي على اية مكاسب لاسرائيل، فهو سيفتح المجال لأزمات داخلية فيها، ويقلص عمقها الاستراتيجي تقليصا كبيرا ، ناهيك عن تداعياته الدولية ، وهذه بحد ذاتها مكاسب لا يجوز القفز عليها، لكن ان يتم التخطيط بعيد المدى على اساس اعتبار الدولة المقترحة-بالمواصفات الفلسطينية التي اشرنا لها- وهو ما يجعل المستقبل افقا مفتوحا امام من يريد مواصلة المهمة.
2025-09-23