تدور في هذه الأيام بحسب وسائل الإعلام، مواجهات دامية في مدينة حلب بين الجيش العربي السوري من جهة وبين جماعات المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، الحكومة الفرنسية بوجه خاص، مباشرة أو بواسطة العثمانيين الجدد وآل سعود .
يمكننا أن نختزل الخطاب الأميركي ـ الأوروبي الرسمي، في موضوع المتغيرات التي طرأت منذ 2010 في دنيا العرب كما يلي :
ـ الثروة النفطية تفاقم إنتشار الفساد، وتفشي المحسوبية في المجتمعات.
فضلاً عن تغذية الحركات الإرهابية كوسيلة توخياً للحيطة من نهوض حركات سياسية وإجتماعية تعترض على إمتلاك بعض العائلات لهذه الثروة وعلى طريقة التصرف بعائداتها .
تجدر الملاحظة في هذا السياق، ان هذا الخطاب يتغاضى كلياً عن الدور الذي يؤديه أصحاب الثروات النفطية، آل سعود وغيرهم من مشايخ الدول الخليجية، في الحروب التي تشهدها بلدان عربية، تحت عنوان مزيّف هو « الثورة «. بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، يضع الخطاب الأميركي ـ الأوروبي المراقب للسيرورة التي انطلقت في البلاد العربية، سواء تلك التي حاولت دولها في وقت من الأوقات وبشكل من الاشكال، التصدي للمشروع الإستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، وتلك التي تأخرت عن إلغاء التناقض الجوهري بين المواطن الأصلي من جهة وبين المستوطن المستعمر من جهة ثانية، إذن يضع الخطاب الأميركي ـ الأوروبي المراقبَ لهذه الثورات المزيفة أمام إشكاليتين :
ـ الإشكالية الأولى هي ان هذه «الثورة» التحررية، الديمقراطية مدعومة من الإمبريالية الأميركية ـ الإستعمارية، في بعض البلاد العربية.
لا سيما ان المستعمرين الإسرائيليين هم جزء متولّدٌ من هذه الإمبريالية .
ـ الإشكالية الثانية تتمثل من وجهة نظري في كون هذه الثورات، التي اتضح بمرور السنوات بما لا يرقى إليه شك، انها حروب عدوانية حقيقية مدعومة أيضاً بالإضافة إلى الإمدادات التي تصلها من الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، من الذين يمتلكون الثروات النفطية وينشرون الفساد ويغذون الحركات الإرهابية بحسب الخطاب الأميركي ـ الأوروبي نفسه .
كأن هذه التناقضات في الخطاب الرسمي الغربي لا تكفي. فإن مداورة مواقف الدول الغربية من المسألة السورية توصلنا إلى حجج متضاربة أخرى تستخدمها هذه الدول بطريقة كيفية، دون أن تخشى عيباً أو عاراً.
يقع المتابع في هذا المجال على سبيل المثال، على دراسات وضعها أكاديميون خبراء في شؤون الشرق الأوسط، يؤكدون فيها أن غزو العراق كان خطأ، ولكن القرار بالهجوم على ليبيا كان عين الصواب فضلاً عن أنه اتخذ في الوقت المناسب .
هذا لم يحدث في سورية حيث كان يجب بحسب هؤلاء الخبراء، أن تتدخل القوات الأطلسية الجوية والبرية.
ولكنها فوتت الفرصة. هذا لا يعني أن هذه الأخيرة لن تتكرر، يستتبع ذلك انه يلزم العمل أو بالأحرى الإستمرار في العمل على توفير الظروف الملائمة، والاستعداد لغزو سورية .
من البديهي أن هذا الغزو في حال وقوعه سوف يكون مموها « بدوافع إنسانية « كما حدث في ليبيا أو بنزع «سلاح الدمار الشامل والقضاء على الإرهاب (على داعش وليس القاعدة ـ جبهة النصرة) «كما حدث في العراق. ولكن ماذا عن الثورة؟ هل ان عقلنا يجعلنا في هذا الزمان نسمي الغزو الإستعماري «ثورة»، أم اننا مجبرون على ذلك فان لم نفعل نموت جوعاً وعطشاً في ظلام الليل؟
لقد طالب الثوار في أكثر من مناسبة بأن تتدخل الدول الإستعمارية مباشرة في سورية لمساعدة «الثورة» !
في السياق نفسه، تناهى إلى العلم أثناء السنوات الخمس الماضية، ان الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والأتراك أنشأوا معسكرات لتدريب المقاتلين من جنسيات مختلفة، قبل إرسالهم إلى سورية للقتال في صفوف «الثورة»! إعترفت جميع هذه الدول، بالإضافة إلى أعضاء مجلس التعاون الخليجي، بأنهم أرسلوا عتاداً عسكرياً إلى الثوار في سورية .
هل يجوز الحديث عن ثورة وطنية، تحررية ديموقراطية، عندما يكون لدى الثوار مدافع ثقيلة، ودبابات، وعندما يكون في صفوفهم عدد كبير من المرتزقة الأجانب؟
أين الثورة، أو بالأحرى ما هي طبيعة هذه «الثورة» التي تتلقى الدعم من السعوديين ومن العثمانيين الجدد ومن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، وتقصف الأحياء السكنية في مدينة حلب السورية، بأكثر من ألف قديفة إنتقاماً لخسارتها في معركة عسكرية ؟
التسليم بأن مستشفى «أطباء بلا حدود» في القطاع الذي يسيطر عليه الإرهابيون في مدينة حلب، قد تهدم أثناء القصف المتبادل، وهذا حادث مؤسف، لا يمنع السؤال عن الطريق التي سلكها «أطباء بلا حدود» وصولاً إلى حلب ؟ هل استحصلوا على تأشيرات دخول من الدولة السورية أم انهم دخلوا من المعابر التي يستخدمها المرتزقة وشاحنات السلاح وتجار النفط، والتي جاء منها السناتور الأميركي جون ماكين حيث التقى بقادة الثوار. يقال ان البغدادي كان واحداً بينهم ؟
يبقى في ختام هذا الفصل أن نتمعن في فرضية مفادها أن جماعة من الأشخاص تمكنوا من إدخال سلاح حربي إلى مدينة أوروبية أو في الولايات المتحدة الأميركية، ثم راحـوا يطلـقون النـار عشوائيـاً على حي سكني ؟ كيف كانت ستتصرف الدولة ؟
هل كانت ستقبل أن ينتقدها السعوديون والعثمانيون؟ هل كانت ستوافق على إعلان هدنة بينها وبين الإرهابيين؟ سقط على مدينة حلب ألف قذيفة. استخدم الأرهابيون المدافع الثقليلة والدبابات.
من أين لهم هذا العتاد؟ تلازم ذلك مع حملة إعلامية أميركية أوروبية واسعة وحامية، دعماً للإرهاب ! لنضع الأمور في نصابها الصحيح، تتعرض مدينة حلب السورية لحرب أميركية ـ تركية ـ خليجية !