تقرير أمريكي : الحوثيون خرجوا أقوى وواشنطن فقدت ورقتها!
رغم أنها شنت واحدة من أوسع عمليات القصف الجوي في تاريخ تدخلاتها بالشرق الأوسط، لم تحصد واشنطن من حملتها على اليمن سوى الصمت المُحرج وانسحاب بلا نصر. سبعة أسابيع ونصف من الضربات المكثفة، أنفقت خلالها مليارات الدولارات، لم تسفر عن كسر إرادة الحوثيين ولا تفكيك قدراتهم، بل انتهت ببيان مقتضب في المكتب البيضاوي يعلن الاكتفاء بـ”كلمة” الخصم. هكذا، انكشفت حدود القوة الأمريكية حين تصطدم بواقع سياسي وعسكري لا يخضع لحسابات البنتاغون وحده. في مشهد يعكس تراجعًا استراتيجيًا نادرًا، خرج الحوثيون من تحت الركام أكثر حضورًا، فيما تركت واشنطن وراءها أسئلة بلا أجوبة، وأهدافًا بلا تحقيق.
في هذا السياق نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تقريرًا تحليليًا مطولًا أعدّته أبريل لونغلي ألي، وهي خبيرة سابقة في شؤون الخليج واليمن بمعهد الولايات المتحدة للسلام، تناولت فيه ما وصفته بـ”الانسحاب الأمريكي المباغت” من حملة القصف الجوي ضد الحوثيين، بعد سبعة أسابيع ونصف من الضربات التي طالت أكثر من ألف هدف في اليمن، وانتهت فجأة دون أن تحقق أهدافها المعلنة.
ففي 6 مايو، وأثناء لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الكندي مارك كارني في المكتب البيضاوي، أعلن ترامب بشكل مفاجئ أن “الحوثيين لا يريدون القتال بعد الآن”، معلنًا وقف القصف، وقبول واشنطن بـ”كلمة” الحوثيين.
وقالت المجلة ان وساطة سلطنة عمان كانت حاسمة في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، كما أكد وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي مضيفة بأن الاتفاق خلا من أي إشارة إلى التزامات حوثية تجاه دول أخرى، خصوصًا إسرائيل، رغم أن الهجمات الحوثية عليها مستمرة، وكذلك على السفن المرتبطة بها.
اشارت المجلة أن شروط الحوثيين قبل بدء الحملة لم تتغير: وقف استهداف السفن الأمريكية مقابل وقف واشنطن لغاراتها، مع استمرار الهجمات على إسرائيل، وهي المعادلة التي أكدها المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام بعد إعلان الهدنة.
وقالت الكاتبة : اللافت أن العملية الأمريكية التي أُطلق عليها اسم “الراكب الخشن”، والتي بلغت تكلفتها أكثر من ملياري دولار، انتهت دون أي تغيير في موقف الحوثيين، بل وأعطتهم مكسبًا سياسيًا وإعلاميًا، حيث اعتبروا الاتفاق “انتصارًا لليمن”. وعلى الرغم من مزاعم ترامب بأن الحوثيين استسلموا، فإن الجماعة ما تزال في مواقعها، وتستثمر الخطوة سياسيًا لتعزيز رواية صمودها في وجه القوة الأمريكية.
مضيفة بأن القرار الأمريكي بوقف الحملة جاء بعد تصاعد الكلفة السياسية والعسكرية للحرب، وتزايد الضغوط الداخلية في واشنطن فقد حذر مسؤولون من انزلاق البلاد إلى مستنقع جديد في الشرق الأوسط. ومع بروز تيار انعزالي داخل إدارة ترامب بقيادة نائبه جيه دي فانس، بدا واضحًا أن هناك ميلاً لإنهاء المغامرة.ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على أن الحوثيين قد توقفوا عن تهديداتهم الإقليمية. بل على العكس، فإنهم الآن يتمتعون بهامش مناورة أكبر، ويستعدون لتعزيز هجماتهم على إسرائيل.
تقرير فورين أفيرز أشار إلى أن الحملة الأمريكية، رغم كثافتها، فشلت في تحييد قيادة الحوثيين أو تفكيك بنيتهم العسكرية. فالجماعة التي تلقت آلاف الضربات الجوية، وما زالت تحتفظ بقدرتها على الضرب والرد. كما تؤكد أنها أسقطت عدة طائرات أمريكية مسيرة من طراز MQ-9، واستهدفت طائرة مقاتلة أمريكية بقيمة 60 مليون دولار، واخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بهجوم صاروخي على مطار بن غوريون.
في الجانب الإنساني، سلّط التقرير الضوء على الخسائر المدنية الناتجة عن الغارات الأمريكية، خاصة في الهجوم على ميناء رأس عيسى، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 70 يمنيًا، وضربة على مركز احتجاز مهاجرين أفارقة أوقعت عشرات القتلى. وهي حوادث أعادت للأذهان نتائج حملة التحالف السعودي عام 2015 بحسب المجلة
ومن منظور استراتيجي، شددت المجلة على أن الحوثيين يتمتعون بقدرة طويلة الأمد على التحمل وإعادة التموضع مضيفة بأن النتائج تظهر أن واشنطن لم تنجح في تحويل نقاط الضغط إلى مكاسب استراتيجية. فقد قلّصت الضربات بعض قدرات الحوثيين، لكنها لم تردعهم، ولم تُنهِ تهديدهم لأمن البحر الأحمر أو إسرائيل.
وأشارت فورين أفيرز إلى أن وقف إطلاق النار، رغم أنه ينقذ واشنطن من حملة عسكرية باهظة التكاليف، إلا أنه قد يُغري الحوثيين بتكرار سلوكهم، باستخدام مضيق باب المندب كورقة ضغط سياسية، كما أن التوقف عن دعم حملة برية قد يؤدي إلى انهيار الحكومة اليمنية، ويُمهّد لتوسع حوثي أكبر
واختتمت المجلة بالقول أن الحوثيين لم ينجوا فحسب، بل خرجوا من الحملة أكثر جرأة، بعد أن راهنوا على صمودهم أكثر من قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار. وهو ما تحقق، دون أن تحقق واشنطن أي مكاسب واضحة، ودون أن تكون هناك استراتيجية بديلة واضحة المعالم
عرب جورنال –
2025-05-10