أين نحن من صرخة ألكسندر دوجين؟
د. محمد السعيد إدريس
أسئلة مهمة بدأت تتردد على المستوى العالمى عقب نشر الصورة التى وصفها الإعلام الغربى بأنها صورة «مستفزة»، والتى جمعت بين الرئيس الصينى شى جين بينج وعلى يمينه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وعلى يساره الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون يوم الأربعاء الماضى (2025/9/3)، فى أثناء حضورهم الاحتفال بالعيد الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والانتصار الصينى على اليابان. هذه الأسئلة اكتسبت جديتها وأهميتها من الظروف التى جمعت هؤلاء القادة والتداعيات التى أخذت تتلاحق بعدها.
من أهم معالم هذه الظروف أن نشر هذه الصورة للقادة الثلاثة جاء عقب انتهاء قمة «منظمة شنغهاى للتعاون»، التى استضافتها الصين وحضرها قادة 20 دولة، إلى جانب الرؤساء الثلاثة من أبرزهم رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ورئيس مجلس الوزراء المصرى مصطفى مدبولي.. كل هؤلاء شاركوا بحضور العرض العسكرى الصيني، الذى تعمدت فيه الصين عرض أحدث وأهم ما تمتلكه ترسانتها العسكرية من أسلحة وتقدم تكنولوجي، أقل ما يوصف به أنه «مُبهر»، وأن الرئيس الصينى كان حريصًا على أن يؤكد أن «التقدم الصينى لن يستطيع أحد إيقافه أو إعاقته». المشهد فى مجمله دفع إلى تخليق تكهنات تقول إن العالم أضحى قريبًا، أكثر من أى وقت مضى من فرض نظام عالمى جديد مناهض للنظام الرأسمالى العالمي، الذى يقوده التحالف الغربى بزعامته الأمريكية، وآن أوان «كسر الغطرسة الأمريكية قد اقترب».
التداعيات التى تلاحقت كرد فعل لهذا المشهد كانت فى مجملها أمريكية وعلى لسان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه، الذى تعجل فى اتهام الصين وروسيا بالتآمر على أمريكا، ثم فى توقيعه يوم الجمعة الماضى (2025/9/5)، أى بعد يومين فقط من العرض العسكرى الصينى على قرار تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى «وزارة الحرب» ضمن استنفار أمريكى داخلى لكشف الغطاء عن حقيقة عدوانية الدولة الأمريكية وامبرياليتها، التى بدأت تتجاوز فى عدوانيتها كل ما كان يمارس فى عصور الاستعمار القديم من عنصرية وغطرسة ونهب لثروات الأمم والشعوب، وهو تغيير يزيد من تجانس الشكل مع المحتوى الحقيقى لمعنى شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخري»، الذى اتخذه ترامب عنوانًا لمشروعه السياسي، الذى قرر أن يحكم به العالم، والذى يتخذ من مبدأ «القوة تخلق الحق» ركيزة رئيسية للإستراتيجية العسكرية الأمريكية.
السؤال الأهم الذى فرض نفسه عقب نشر تلك الصورة لقادة الصين وروسيا وكوريا الشمالية هو: إلى أى حد ستكون تلك القمة نقطة انطلاق فى الصراع على قيادة النظام العالمي؟، وبتحديد أكثر: هل وصلت أصداء رسالة الفيلسوف الروسي «الكسندر دوجين»، الذى يعتبر العقل الإستراتيجى للرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى قادة قمة منظمة شنغهاي، وبالتحديد لكل من الصين وروسيا، التى تستفز هؤلاء القادة لتغيير أسلوب الصراع فى مواجهة الولايات المتحدة، ليصبح أكثر سخونة وتأثيرًا.
ألكسندر دوجين كان قد نشر بتاريخ (2025/6/17) مقالًا ساخنًا انتقد فيه بقسوة «ليونة» تعامل كل من روسيا والصين وحلفائهما مع العدوانية الأمريكية، ووصف معادلة الصراع الراهن على النحو التالي: «الغرب إمبراطورية، تمارس هيمنتها عبر التسلل، لا عبر الغزو، الاغتيال بدل الحوار، صنع الانهيار عبر تآكل الضحية من الداخل، أما دول الجنوب (الصين وروسيا وحلفاؤهما) فتستمر فى تكرار الخطأ نفسه: تظن أن ما يحدث أزمة يمكن السيطرة عليها، لا منظومة يجب تدميرها. هنا ليس ثمة صراع.. هنا مفترس وفريسة، وإذا لم تفهم الصين وروسيا والعالم الصاعد هذه المعادلة كاملة فسيكونون هم التالين على طاولة الجزار، سيكونون كذلك ليس لأنهم ضعفاء، بل لأنهم ينهضون.. النهوض هو جريمتهم».
وأشار دوجين إلى أن الحرب على إيران مجرد مقدمة إلى حلقات المواجهة الغربية، لوأد أى نهوض يعتبرونه تحديًا وتهديدًا لسيادة الغرب على العالم، لذلك هو يوصى «مجموعة بريكس» (التى تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وأعضاء جدد آخرين، أبرزها مصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا)، بالكف عن أن تبقى منتديًا مهذبًا، بل أن تصبح ما كان يجب أن تكون من البداية: محور تصحيح.. درعًا حامية للجنوب، مطرقة المستقبل، العمود الفقرى للمقاومة العالمية. وبعد تحليل مطول يوصى الكسندر دوجين بأنه «إذا كان الغرب يشن حربًا هجينة، فيجب الرد عليها بانتفاضة هجينة سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، ليس على جبهة واحدة، بل على كل الجبهات».
أين نحن من هذه المواجهة العالمية الجديدة؟، وأين أمتنا العربية، وأين نحن العرب وجوارنا الحضارى التاريخي: الإيرانيون والأتراك بصفة أساسية، إذا اتفقنا على اعتبار أن كيان الاحتلال الإسرائيلى هو «رأس حربة الغرب» فى التسيد والاستعباد على ما يسمونه بـ «الحضارة العربية ـ الإسلامية»، ضمن الصراع الحتمى الذى يخوضونه ضد العالم كله باسم الحضارة الغربية؟. الدافع إلى طرح هذا السؤال سؤال آخر لا يقل أهمية هو أنه هل فى مقدور مصر وحدها، أو هل فى مقدور الوطن العربى كله، إذا توحد فى دولة واحدة، أن يكون فى مقدوره مواجهة هذه الموجة الإمبريالية الجديدة، التى تقودها الولايات المتحدة والتحالف الغربى وكيان الاحتلال الإسرائيلى على النحو الذى وصل الآن إلى ذروة الغطرسة والاستعلاء وازدراء القوانين والمواثيق الدولية؟. وإذا كانت الإجابة هى «لا» فهل فى مقدور أى من إيران أو تركيا أن تخوض كل منهما على حدة معركة التصدى لهذه الموجة التى يوصى الكسندر دوجين بالتكاتف الروسى الصينى الهندى مع كل دول عالم الجنوب للتصدى لها؟. الإجابة المؤكدة أيضًا هى «لا».. وهذه الإجابة ليست لها غير معنى واحد هو حتمية العمل من الآن ضمن أربع دوائر: وطنية (نعنى مصرية) وعربية، ضمن مشروع نهضوى عربى يكون قاعدة لتأسيس مشروع تكامل إقليمى عربى إيرانى تركي، وبعدها يكون التحالف مع القوى العالمية المناهضة للمشروع الغربى الأمريكى الاستعمارى الصهيوني، وغير ذلك فنحن نسير مندفعين نحو الهاوية.
2025-09-11