الصّحفي الذي هزّ العالم!
لينا الحسيني
وُلد جون ريد في مدينة بورتلاند الأميركية، وهي المدينة التي رفض فيها العمال الأمريكيون تحميل أسلحة وذخيرة لجيش كولتشاك الذي حاول إفشال الثّورة الرّوسيّة.
لقد كان شاهدًا استثنائيًا على الأحداث التي غيّرت مجرى التّاريخ في النّصف الأوّل من القرن العشرين.
رافق “بانشو فيلا” أثناء الثّورة المكسيكية كمراسل حربي وألف كتاب “المكسيك المتمرّدة”.
عمل في أوروبا كمراسل لمجلة متروبوليتان في الحرب العالميّة الأولى.
سافر إلى روسيا في عام 1917 حيث شهد ثورة أكتوبر، وجمع مشاهداته في تحفته، كتاب “عشرة أيّامٍ هزّت العالم” الذي كتب مقدّمته لينين.
عند عودته إلى الولايات المتّحدة، طُرد من الحزب الاشتراكي بسب أفكاره الراديكالية وشارك في تأسيس حزب العمال الشيوعي.
هرب إلى روسيا في عام 1919، حين أمرت الحكومة بالقبض عليه لكونه شيوعيًا.
دُفن في مقبرة جدار الكرملين في موسكو التي تضمّ رفات أبرز قادة البلاشفة.
اخترت من كتابه “عشرة أيّام هزت العالم” هذا المقطع:
“واصل الجنود قتالهم على الجبهات، وتعلّموا في لجان المصانع أن يحكموا أنفسهم.
اكتسبوا الخبرة والقوّة وأصبحوا مدركين لمهمتهم التّاريخيّة التي تتلخّص بمحاربة النظام القديم؛ محاربة الرّجعيّة.
تعلّموا القراءة. كانوا يقرأون في السياسة والاقتصاد والتاريخ.. لأنّهم أدركوا أهميّة المعرفة.
تمّ توزيع مئات آلاف الكتيّبات، فغمرت المعرفة الجيوش والقرى والمصانع والشوارع. الثّورة جعلتهم متعطشين للتعليم الذي ظلّ محظورًا لفترةٍ طويلة.
أطنان من المطبوعات القيّمة حول
النظريات الاقتصادية والاجتماعية، والفلسفة، وأعمال تولستوي، وغوغول، وغوركي.. بعيدًا عن الرّوايات السّخيفة، والتاريخ المزيّف، والدين المخدّر، والأدب الرّخيص الذي يفسد..
يا للدّور الذي لعبته الكلمة!
كانت “سيول البلاغة” الفرنسية التي تفاخر بها “كارلايل” تافهة مقارنة بالمحاضرات والمناقشات والخطب التي ألقيت في المسارح والسيرك والمدارس والنوادي وغرف اجتماعات السوفييت ومباني النقابات العمالية في الثكنات.
نُظّمت التجمعات في الخنادق، في ساحات القرى، في المصانع…
يا له من مشهد مثير للإعجاب! أربعون ألف عاملٍ من بوتيلوف حضروا للاستماع إلى المتحدثين الاشتراكيين الديمقراطيين والاجتماعيين الثوريين والأناركيين وغيرهم من المتحدثين، بإصغاء واهتمام غير مكترثين بطول الخطابات!
زُرتُ الجبهة الثانية عشر للجيش. كان الجنود شاحبين، حفاة، ثيابهم ممرّغة بوحل الخنادق.
أعناقهم ملتوية، وقد ازرقّ جلدُهم من البرد، وقفوا بجانبي ليسألوني بلهفة: “هل أحضرت أيّ شيء للقراءة؟”
2021-11-07