لعله كان يتحدث عنا قبل عدة عقود ويشخص ما نحن فيه حقا: قديمنا يحتضر وجديدنا لم يولد بعد، واكثر الاوراق يباسا لا تسقط من تلقاء ذاتها وبين الاحتضار والميلاد في حالات الاستبداد الاسيوي مرحلة طويلة من الركود والوجوم والعودة الى الوراء.
وقد تفنن الخيال الشعبي في التعبير عنها وعن زمنها، زمن الرويبضة فلا يطفو على سطح الاحداث والاشياء وعوالم السياسة والادب والفنون سوى الخشب الفاسد والسمك الفاسد والوعي الجمعي الكسول المهدود..
القديم يحتضر لكنه في دفاعه عن نفسه ينتج الاسوأ والاقبح ويعيق حركة التاريخ.
لكل هذا نستعيد غرامشي ومقارباته التالية:
1. فكرة البروسس او الممارسة، فالنظريات لا تختبر على المنابر والورق والشعارات بل في العمل.
2. فكرة المثقف العضوي، الذي يرتبط طبقيا مع البروليتاريا مقابل المثقف التقليدي الوكيل او الخادم الثقافي عند القوى الطبقية الحاكمة
3. فكرة الكتلة التاريخية، وتتطلب حشد مجموعة طبقات وقوى اجتماعية وسياسية في اطار برنامج عريض بقيادة البرنامج والقوى الاشتراكية.
4. فكرة المجتمع المدني (الاحزاب والنقابات) مقابل المجتمع السياسي (الدولة(
5. فكرة حرب المواقع، وهي فكرة اشتراكية جديدة تماما، فحيث راهن لينين قبله والخط العام للحزب الشيوعي السوفييتي على كسر الحلقة الضعيفة في النظام الرأسمالي العالمي، فان انتماء غرامشي ونضاله في بلد رأسمالي متطور هو ايطاليا قاده الى صعوبة هزيمة الرأسمالية بضربة واحدة على الصعيد العالمي ،وانه لا بديل عن شكل مختلف للصراع هو حرب المواقع ناهيك عن ان شيوعيين اخرين ظلوا اقرب الى ماركس منهم الى لينين (الثورة الاشتراكية في الحلقات القوية).
6. مفهومه الجديد للحزب (الأمير الحديث) وبالضد من المفهوم الستاليني الدوغمائي البيروقراطي ومفهوم كاوتسكي (الانتهازي) ومفهوم سوريل (استبدال الحزب بالنقابات الثورية) فالحزب عند غرامشي هو حزب المثقف العضوي والذي يدرك معنى الكتلة التاريخية وحرب المواقع وليس الحزب الايديولوجي المنفصل عن الجمهور..
7. مفهوم الهيمنة وخاصة غير المباشرة.
أما بالنسبة لنا، فان هذه الافكار اضافة لوقوف غرامشي امام التمايزات الاجتماعية بين الشمال والجنوب الايطالي، تساعدنا على الافادة منه في اشتقاق مفاهيم حيوية تلائم حالتنا، وهي حالة بناء حركة تحرر قومي عربي ديمقراطي في ظروف تتداخل فيها المهام الديمقراطية والطبقية مع مواجهة الاخطار الخارجية ممثلة بالعدو الصهيوني والغزو الامريكي لأمتنا.