لينا الحسيني. (الجزء الثّاني) تمّ تأسيس مؤسسة فورد للإنشاءات في عام 1936. وهي إحدى أشهر المؤسسات المموّلة لمنظمات المجتمع المدني. إيديولوجيتها واضحة ومحدّدة، وتعمل بشكلٍ وثيق مع وزارة الخارجية الأمريكية. مشروعها هو تعميق الديمقراطية و”الحوكمة الرشيدة” هو جزء كبير من مخطط بريتون وودز لتعزيز الكفاءة في السوق الحرة. بعد الحرب العالميّة الثانية، شكّل الشيوعيون الخطر الأوّل على الحكومة الأمريكية، لذلك نشأت الحاجة لأنواع جديدة من المؤسّسات لمواجهة الحرب الباردة، فكانت المنظمات غير الحكومية وهي جزء من مؤسسات المجتمع المدني. تلازم ظهور المصطلح مع تشكيل الأمم المتحدة في عام 1945( التي شيّدت على قطعة أرض قدمها روكفيلر أثرى رجل في العالم آنذاك والمموّل الأوّل للمنظمات غير الحكومية) عندما اختير نادٍ من الوكالات الدولية غير الحكومية ومُنح صفة مراقب في بعض اجتماعاتها. بمهمة معلنة، وهي العمل من أجل الخير الاجتماعي حقوق الإنسان، والبيئة. موّلت فورد مؤسسة RAND (مؤسسة الأبحاث والتطوير)، وهي مؤسسة فكرية عسكرية بدأت ببحوث الأسلحة لخدمات الدفاع الأمريكية. لإحباط “الجهود الشيوعية المستمرة لاختراق الدول الحرّة وتعطيلها”. تموّل مؤسسة فورد، بملايين الدولارات الفنانين وصانعي الأفلام والناشطين، وتقدم هبات سخية للمنح الجامعية والدراسية. وتشمل “أهداف مستقبل البشرية” التي أعلنتها مؤسسة فورد التدخلات في الحركات السياسية الشعبية المحلية والدولية. قدمت مؤسسة فورد، في الولايات المتحدة، الملايين على شكل منح وقروض لدعم العمال (قروض ميسّرة) فحوّلت الطبقة العاملة الأمريكية إلى أشخاص مدينين بشكل دائم، يعملون جاهدين لسد قروضهم واللحاق بحياتهم. تلك القروض كانت لعنة وقد أرغم الكثير منهم على الانتحار. هناك الكثير من المال في الفقر، وجوائز نوبل أيضًا… مع صعود الأيديولوجية النيوليبرالية، التي تم تكريسها في زمن ريغان-تاتشر، تعاظم دور منظمات المجتمع المدني وتكاثرت. مع تفتيت اليسار تحت عجلة النيوليبراليّة، فإن الكثير من الطاقة التي كان مخصصة لمحاربة المعسكر الاشتراكي تحولت إلى تشكيل المنظمات غير الحكومية المسلحة بالمليارات، والتي تحوّل، الثّوار المحتملين إلى نشطاء بأجر، وتموّل الفنانين، والمثقفين وصانعي الأفلام.. تحوّلت هذه المنظمات إلى قوّة ثالثة نظرًا لميزانياتها الضخمة التي تبلغ مئات الملايين من الدولارات، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية ونصرة المستضعف، لكنها عمليًا لم تحقق شيئًا أهدافها. كلّما زاد الدمار الذي تسبّبت به النيوليبرالية، زاد تفشي المنظمات غير الحكومية خاصة في الدول النّامية. لماذا؟ وكيف أثرت هذه المنظمات، “غير السياسية” في سياسات الدّول؟