الجزائر ليست تل أبيب
محمد علي القاسمي الحسني
قرأت في بعض الصحف العربية مقالات تتتحدث عن طلب قدمه مدير مركز بحث جزائري لحذف سورة الاخلاص من المصحف الشريف ، فتذكرت حادثة وقعت لروائي جزائري قبل سنوات حين استضيف في معرض الشارقة الدولي للكتاب في جلسة فكرية فتم تجاهله من قبل منشطي الجلسة و كأنه غير موجود رغم أن كتاباته تقرأ و تحلل في الشرق و الغرب ، و بجكم ذهنية الجزائري فقد أعطى الحضور محاضرة حول رقي الفكر و الأدب الجزائري الذي أوصل صوت العرب الى العالمية ثم انصرف .
تذكرت هذه الحادثة بالنظر لكون معظم كتاب هذه المقالات التي تعرضت لتصريح مدير مركز البحث ، تطرقوا الى الجزائر و كأنهم يتحدثون عن الكيان الصهيوني و ليس عن بلد المليون و نصف المليون شهيد ، فاذا كان الرجل قال رأيه فان الدستور الجزائري يكفل حرية المعتقد و الاختلاف الفكري ، بخلاف بعض الدول التي يعيش أهلها داخل قوقعة الخلاف الفكري ، فالجزائر تعتبر مثالا للنموذج الجيد لتعايش الأعراق و الأديان بدون أي تعصب أو تحامل على الآخر ، رغم وجود صعود مخيف للتيار الاسلاموي الذي كان و لازال يشكل خطرا على المجتمع.
فاذا كانت دول العالم الثالث تعاني حالة من الانغلاق الفكري على النفس و الوهم الدوغمائي بالكمال الفكري و العلمي ، فان ابداع و مخيلة الجزائري لا يعرفان حدودا و خير دليل هو بقاء الحركية الأدبية و الفكرية متقدة رغم ويلات الاستعمار ، فالجزائر لم تكن يوما سجنا للأفكار و المقاربات الفكرية و العلمية ، بل انها احتضنت مختلف التيارات الفكرية و العلمية منذ فترة الاستعمار و بعد الاستقلال كانت قبلة للاجئين السياسيين الفارين من البوليس السري للنظم الشمولية ، و لازالت الى اليوم تحتضن الشيوعيين و الاسلاميين و العلمانيين و الليبراليين دون أي خلاف بينهم ، بل ان المكتبات الجزائرية و الأوروبية تعج بكتب باحثين جزائريين ذوي توجهات مختلفة في مسائل اللاهوت و المجتمع ، بخلاف الدول التي تسير شعوبها وفق أسطوانة الحاكم ، فلا يختلف اثنان حول المكانة العلمية و الفكرية التي يشغلها الجزائريون في أمصار شتى من العالم ، فيكفي التذكير بأن هناك واحد و سبعين من ذوي درجة الأستاذية في جامعة السوربون الفرنسية لوحدها فضلا عن خمسة و أربعين من أمثالهم بجامعة أكسفورد البريطانية ، اضافة الى كون الكتاب الجزائريين هم الأكثر ترجمة و دراسة في الجامعات العالمية اذا ما قورنوا بنظرائهم في دول العالم الثالث ، فكتب محمد أركون ترجمت لخمسة و ثلاثين لغة و ياسمينة خضرا لثلاثة و أربعين لغة مع عشرات الأبحاث العلمية حولهم ، فللجزائر رغم المعاناة من التبعية الاقتصادية و التخلف المجتمعي قامات فكرية سامقة لها صيت و احترام في الأوساط الثقافية الغربية .
فاذا كان الكتاب العرب لم يقدموا حلولا لتفسخ النسيج الاجتماعي السوري جراء الحرب المشتعلة منذ سنوات ، أو نقدا علميا للإصلاحات العوجاء التي يقوم بها ولي العهد السعودي ، أو صراع القوى الكبرى الثقافي للسيطرة على الدول العربية من طنجة الى بغداد ، فحبذا أن يتركوا الجزائر لوحدها بعيدة عن تنظيراتهم البعيدة عن الواقع الجزائري المعاش ، فالجزائر بعيدة كل البعد عن النظرة التهكمية التي يقدمها البعض تجاهها .
2018-04-30
( الطالب الجزائري ) .